كان لقرار مجلس التأديب التابع لهيئة أسواق المال بشأن وقف تعاملات مجموعة من المخالفين في بورصة الكويت أثر على التداولات في السوق، لدرجة أن بعض المحللين ربط تراجع السيولة في البورصة بالقرارات التأديبية، خصوصاً أن بعضهم يسعى إلى الضغط على هيئة أسواق المال كي تتراجع عن نهجها في عقاب المتلاعبين بالسوق.

Ad

لقد عانت البورصة سنواتٍ تلاعب مجموعة من المضاربين ورؤساء وأعضاء بعض مجالس إدارات الشركات في مصير الأسهم والتعاملات عبر وسائل احتيال مبتكرة كتعاملات تتم عبر استئجار غير قانوني لمجموعة متنوعة من حسابات التداول بعضها لمتوفين، وتنفيذ العمليات من خلال أكثر من مكتب وساطة، إضافة إلى طلبات الشراء والبيع المرتبة سابقاً بين أطراف لها مصلحة بالسهم بهدف التحكم بالسعر وليس التداول الطبيعي وصولاً إلى التداولات الوهمية التي تضخم كميات التداول لخلق شعور غير حقيقي بأن ثمة تداولاً على سهم معين، في حين أن الواقع لا يعدو عن كون هذه التداولات تعود لجهة واحدة تريد «توريط» الآخرين بشراء أسهم كثيرة منها لا قيمة لها.

التلاعب في البورصة قديم جداً، وبات لدى المتلاعبين ممارسة وخبرة في كيفية التلاعب وتجاوز النظم الرقابية والفنية، إنما الجديد هو وجود هيئة لأسواق المال تقوم بدورها الرقابي بشكل يمكن وصفه بالجيد، مع ان هناك حاجة أكبر لمتطلبات أخرى كتسويق البورصة خارجيا لجذب الشركات والمؤسسات المالية التي تتداول بشكل مهني وبالتالي يختفي أثر المتلاعبين في السوق، فكلما زاد حجم التداول قلّ أثر المتلاعبين الافراد أكثر واتجه السوق نحو التعامل المؤسسي، وهذا مفيد اكثر للمتعاملين ولسمعة السوق.

نواقص كثيرة

على الصعيد المؤسسي، ثمة نواقص كثيرة في بورصة الكويت تجعل من التداول يجنح نحو الأداء الفردي اليومي، وهو ما يؤدي الى نمو اثر المتلاعبين في السوق مثل شح الأدوات المالية، فالسوق الكويتي حتى الآن لا يتعامل بالبيع على المكشوف أو الشراء المستقبلي، ويخلو من وجود صانع سوق معترف به رسمياً يؤدي أعماله بشكل قانوني ليتدخل في حال حدوث اختلالات في أداء السهم، ويكون هذا الصانع معتمداً ومعروفاً للجميع.

نموذج هيئة أسواق المال هو نموذج جديد في الكويت لما فيه من درجة عالية جداً من الاستقلالية تمنع حتى الوزير المسؤول عنها سياسياً «التجارة» من اتخاذ أي قرار يعاكس سياساتها، مما يعطي مثالاً لأي هيئة عامة تتولى الرقابة على أي قطاع مستقبلي كالاتصالات أو الكهرباء أو غيرهما، لأن أي مشروع خصخصة سيتم في يوم من الأيام لا يمكن أن يضمن جودة ورقابة تقديم الخدمة بحيادية إلا بوجود هيئة فنية متخصصة تتعاطى مع الجميع بدرجة عالية من المهنية.

ضغوطات وتسويات

بالطبع ثمة ضغوطات تجري حالياً لاستبدال العقوبات بتسويات مالية إلا أن أي استبدال للعقوبة سيفتح الباب لتجاوزات اكثر وهذا ما لا تريده الهيئة، خصوصا أن جزءاً أساسياً من مهام هيئة اسواق المال كما أوردها رئيس مفوضي هيئة أسواق المال صالح الفلاح في بداية تأسيس الهيئة هي «تنظيف السوق»، وهو مشروع كبير يبدأ باتخاذ موقف صارم من المتلاعبين مهما علا نفوذهم أو أموالهم، ويمتد الى التعامل مع الشركات الغارقة في الديون، أو تلك الورقية التي أنهكت السوق ورافقها عدم قدرة شريحة من الشركات على تقديم ميزانياتها أو بيان تقاريرها المالية.

لكن الثناء على توجهات الهيئة لا يمنع ذكر عدد من الأمور المستحقة في المستقبل، أولها ضرورة الإسراع في عملية تخصيص سوق الكويت للأوراق المالية، فالهيئة وقعت قبل اكثر من عام اتفاقية استشارات مع بنك HSBC، يقوم بموجبها البنك بكل العمليات المتعلقة بتخصيص البورصة، وبالتالي إنشاء شركة بورصة الأوراق المالية انطلاقا مما نص عليه قانون هيئة أسواق المال، وهذا الامر كلما تأخر ظلت البورصة بإدارتها الحالية التي تحتاج لقدر اكبر من التطوير.

الغائب أيضاً عن بورصتنا هو الدور الذي يفترض أن تلعبه الهيئة في تسويق البورصة لدى المستثمرين الاجانب من حيث محاولة استقطاب أكبر سيولة ممكنة من الخارج وهو ما تفعله بورصات الامارات وقطر بشكل واضح، فمن مهام أي بورصة التركيز على استقطاب الاموال من الخارج عبر تسويق الفرص المتاحة، فضلاً عن إدراج الشركات غير المحلية.

القضاء على التلاعب في البورصة مهم جداً لغرس الثقة بالسوق، ولكي تكون التعاملات في البورصة شفافة، والأهم ان يكون اصغر مستثمر لديه ثقة بوجود نظام وقواعد تحميه من أعتى المضاربين، فلا يعقل أن تتحكم مجموعة تتداول بما يصل إلى 20 مليون دينار فقط ببورصة تتجاوز قيمتها السوقية 32 مليار دينار.