القانون شيء والعدالة شيء آخر، فهناك الكثير من القوانين غير العادلة، ولا يكفي القول بأن الإجراء قانوني ليصبح عادلاً، فلدينا من تلك القوانين ما لايزال قائماً، ومنها ما تم تعديله أو إلغاؤه، مثل قانون التجمعات أو قانون الجوازات أو قانون الانتخاب. كانت قوانين، كاملة الدسم، تحكم بموجبها المحاكم مع أنها لم تكن عادلة.

Ad

إغلاق الصحف أو تقييد حرية التعبير تحت مبررات قوانين "الوحدة الوطنية" أو "أمن الدولة" أو "قانون الجزاء" أو حتى "قانون المطبوعات" ليس بالأمر الجديد، ولدينا معه تجارب مريرة وطويلة كان أسوؤها حقبتَي تعطيل الدستور في ١٩٧٦ و١٩٨٦، وكان من حسن حظي، أو بالأحرى سوئه، أنني عايشت تلك التجربتين المريرتين من داخل الجسم الصحفي.

ويبقى السؤال التقليدي المطروح دائماً: هل حرية التعبير مطلقة؟ والإجابة واضحة بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية، ولكن هناك تبايناً ملحوظاً في الأدبيات الحقوقية؛ فقد تكون هناك مبررات تستدعي تقييد النشر كالحد من خطاب الكراهية، أو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والعنصرية، شريطة أن يكون التقييد على قاعدة حماية الحرية، وحماية كرامات الناس وخصوصياتهم، وعدم تمييز شاغلي المناصب العامة في السلطتين التشريعية والتنفيذية عن غيرهم، وعدم التقييد أو الإغلاق لدواعٍ سياسية مطلقاً، وأن يكون في حدوده الدنيا.

إغلاق صحيفتي "عالم اليوم" و"الوطن"، لا يمكن التعامل معه من منظوره القانوني أو مبرراته السياسية فحسب، بل كونه يمثل انعكاساً لـ"ذهنية التحريم" و"عقلية الإغلاق"، والتطرف في مزاعم "حماية المجتمع" التي تجعل من التقييد قاعدة، وليس استثناءً، وقد تذهب إلى ما هو أخطر من إغلاق صحيفة إلى الإعدام كما جرى في مجلس ٢٠١٢ كرد فعل على حادثة فردية، وكان لافتاً تواطؤ الحكومة حينئذ مع المجلس، ولولا رد صاحب السمو الأمير، لكان ذلك القانون الآن من ضمن ترسانة القوانين التي قد تستخدم سياسياً بتعسف، كما يتم استخدام بتوسع وبتعسف تهم أخرى، المبدأ واحد وإن اختلفت التفاصيل.

الإجراءات التعسفية ضد حرية التعبير، ويشمل ذلك الحق في التجمع السلمي، والحق في التنظيم السلمي، ومنع الندوات السلمية، ومنع الأشخاص من دخول البلاد بسبب آرائهم السلمية، كانت لها انعكاساتها السلبية على البلاد والعباد، بما في ذلك على السلطة نفسها... هكذا كان وهكذا صار علينا أن ننبه إلى خطورة الانزلاق نحو إجراءات تعسفية، ضررها أكبر بكثير من نفعها.