آن الأوان لإبعاد المتشددين ومكفري المجتمع بغير علم من الساحة، بعد أن تسببوا في إحداث بلبلة كبيرة بين الناس بسبب تصدي المتشددين لمجال الدعوة والإفتاء دون علم، يؤكد أستاذ الفقه ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر الدكتور عبدالتواب سيد، مناشداً من خلال حواره مع "الجريدة" المؤسسات الدينية ضرورة الانتباه حتى يتم القضاء على هذه الظاهرة تماماً... مزيد من التفاصيل في سياق السطور التالية.

Ad

• إلى أي مدى نحتاج إلى الفقهاء في عصرنا الحاضر؟

- حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، فالفتوى أمر عظيم، والإفتاء منصب خطير، لأن المفتي موقع عن الله تعالى، قال الإمام الفراقي رحمه الله (المفتي ترجمان عن الله تعالى)، أما الآن فقد تجرأ الجهلاء على الفتوى، وأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وظهرت تلك الفتاوى الشاذة، التي لا علاقة لها بعلم ولا بفقه، ولا تستند إلى كتاب أو سنة أو قياس، أو أي مصدر من مصادر الأحكام الشرعية.

• بماذا تفسر تضارب الفتاوى بين التسهيل والتشديد ما أوقع المسلمين في حيرة من أمرهم؟

- هذا راجع إلى اختلاف مناهج المفتين في الفتاوى المعاصرة، التي قسمها العلماء إلى ثلاثة مناهج أولها التشديد والتضييق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبتعد كل البعد عن التشديد على الأمة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، فملامح هذا المنهج تتمثل في التعصب للمذهب الفقهي والتمسك بظواهر النصوص، أما المنهج الثاني، فهو المبالغة في التساهل والتيسير، وملامحها الإفراط في العمل بالمصلحة، حتى لو عارضت النصوص الشرعية وتتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب والتحايل الفقهي على أمور الشرع، أما المنهج الثالث فهو منهج الوسطية والاعتدال في النظر في الفتوى، وهو الذي يجب الاعتداد والأخذ به.

• ما أضرار التشدد في الدين على المجتمع... ولتضرب لنا مثلاً بالحالة المصرية؟

- إننا في مصر عانينا كما عانى غيرنا أشد المعاناة من موجات التشدد باسم الدين، واقتحام غير المتخصصين لساحات الدعوة والفتوى، وتوظيف الدين لأغراض سياسية، ما جعلنا نقرر وبقوة النأي بالدعوة والفتوى عن أي توظيف سياسي، أو صراعات حزبية، أو مذهبية، ولذا فإن أي موجات للتشدد، أو العنف، أو الإرهاب، تنعكس سلباً على قضايا الوطن ومصالحه العليا من جهة، وعلى علاقاته الدولية من جهة أخرى، في حين أن روح التسامح والوعي بمقتضيات فقه التعايش من خلال المشتركات الإنسانية، والتواصل الحضاري في ضوء الاحترام كلها تنعكس إيجاباً على المصالح العليا للوطن من حيث الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء، بما يؤدي إلى مستقبل أفضل وارتقاء إلى مصاف الأمم المتقدمة.

• متى يجوز للمفتي التشدد في أحكامه؟

- الشريعة الإسلامية تتميز بالوسطية واليسر، لذا ينبغي للمفتي أن يكون معتدلاً في فتواه، ولذلك كان من خرج عن المذهب الوسطي مذموماً عند العلماء الراسخين، وقد أجاز بعض العلماء للمفتي أن يتشدد في الفتوى على سبيل السياسة، لمن هو مقدم على المعاصي، متساهل فيها، وأن يبحث عن التيسير - وفق ما تقتضيه الأدلة - لمَنْ هو متشدد على نفسه أو غيره، ليكون مآل الفتوى أن يعود المستفتي إلى الطريق الوسط، ومن هنا ينبغي للمفتي أن يرى حالة المستفتي، أو واقع النازلة فيسير في نظره نحو الوسط المطلوب باعتدال، لا إفراط فيه نحو التشدد ولا تفريط نحو التساهل وفق مقتضى الأدلة الشرعية، وأصول الفتاوى، ولا شك أن هذا الاتجاه، هو اتجاه أهل العلم والورع والاعتدال، وهي الصفات اللازمة لمن يتعرض للفتوى والتحدث باسم الشرع، وخصوصا في هذا العصر.

• هل اتباع من يرى التخفيف خطأ؟

- إذا كان هذا التخفيف نابعاً من الكتاب والسنة فلا حرج فيه، فنحن مكلفون بالعمل بالكتاب والسنة، ولا تبرأ الذمة بأن تسأل أهل الهوى أو تسأل من دينهم فيه تساهل هذا ليس من النصيحة، بل تسأل من تثق بعلمه وبدينه وتعمل بفتواه.

• كيف نتصدى لفوضى الفتاوى؟

- من خلال نشر وزيادة الوعي بين الناس، وتتبع الفتاوى الشاذة ورصدها، والتصدي لهذه الفتاوى الشاذة، وتصحيح المفاهيم لإزالة ما أحدثته من لبس وبلبلة، فالإفتاء صناعة لابد لها من أدوات ومهارة وعلم وممارسة، كي لا يقع المفتي في أخطاء من شأنها أن تحدث الفوضى في المجتمع.

• ما رأيك في تصدي غير المتخصصين للفتوى وانتشارهم في وسائل الإعلام؟

- نعيب على وسائل الإعلام التي تستعين بهم، فالفتوى أمر مهم جداً لا يتصدى لها إلا صاحب علم وتقى، وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم على جلالة قدرهم وسعة علمهم يحيلون الفتوى إلى غيرهم، لخطورة الفتوى ولا يتجرأون عليها فكانوا لا يفتون إلا عند الضرورة إذا كان لابد من الفتوى أفتوا على حسب ما يتوصلون إليه بعد الاجتهاد وبعد التأمل أما الآن تكاثرت اتجاهات الفتاوى ومصادرها وتكاثر المفتون بغير علم، من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام المتنوعة، هذه مسألة خطيرة ومسألة فيها خطر عظيم على المفتي وعلى المستفتي وعلى المجتمع.

• انطلقت صيحات تطالب بوجود قانون يجعل الإفتاء عبر وسائل الإعلام مقصوراً على من يحمل ترخيصاً من الأزهر... ما رأيكم؟

- العلماء ورثة الأنبياء، والإفتاء عملية مهمة، والمفتي موقع عن رب العالمين، وأول من مارس الإفتاء كان النبي صلى الله عليه وسلم ثم تبعه أصحابه رضوان الله تعالى عنهم، ثم أهل العلم بعدهم، وعلى الرغم من ذلك فإن الساحة الدينية اليوم تعاني من فوضى عارمة في الفتاوى وفوضى في الخطاب الديني، نظرا لتصدر غير المؤهلين وغير المتخصصين للإفتاء، ونتيجة لتلك الفوضى خصوصًا المنتشرة عبر الفضائيات التي تصدر عن أناس غير مؤهلين للإفتاء من الأساس، حدثت بلبلة وتشكيك للناس في أمور دينهم، لذلك لابد من قصر الأمر على المتخصصين فقط.

• ما الشروط الواجب توافرها في المفتي؟

- المفتي هو من يقوم بالإفتاء إخبارا عن حكم الله عز وجل، فلابد أن يكون أهلاً لذلك، وهذه الأهلية تستلزم أن يكون، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، مجتهداً، يمتلك أهلية معرفة الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها المعتبرة، عن طريق البحث والاستنباط، مع الإحاطة بالأمور الضرورية للاجتهاد.

• ماذا عن دور المتخصصين أمثالك لتنبيه الناس بخطورة الاستماع لفتاوى الإعلام؟

- نذكر ذلك في المحاضرات وفي الندوات والخطب والدروس، ولكن لوسائل الإعلام تأثيرها، كما كتبت أبحاثاً ودراسات عدة حول خطورة الفتوى مثل مناهج المفتين في الفتاوى المعاصرة، ونتمنى أن يطالعها الجميع للاستفادة منها.