تؤثر حركات الصفيحات التكتونية في الحياة من خلال انفجارات بركانية ضخمة. لكن الرابط بين الظاهرتين أعمق بكثير. حتى إن مَن يبحثون عن الحياة في كواكب أخرى يفتشون عن إشارات إلى نشاط تكتوني. يذكر تيلمان سوفن، من معهد الأبحاث الكوكبية في برلين في ألمانيا: «يعتقد كثيرون أن حركات الصفيحات التكتونية تشكّل أحد العوامل في قدرة كوكب على دعم الحياة».

أولاً، تنقل حركات الصفيحات التكتونية باستمرار المواد المغذية إلى السطح بإنزال الصخور إلى أعماق الأرض ودفعها مجدداً نحو الأعلى, ما يساهم في دعم الحياة، وخصوصاً في مراحلها الأولى قبل تطور عمليات مثل التخليق الضوئي التي تتيح للكائنات تغذية نفسها. علاوة على ذلك، تؤدي الحركات التكتونية إلى تنوّع البيئات بتحويل السطح إلى جبال وأودية. فيعزز هذا التطور بإرغام الحياة على التكيّف مع أحوال مختلفة.

Ad

تعود حركات الصفيحات التكتونية إلى اعتمال الصخور الحارة في أعماق الأرض. وقد ساهم المفهوم عينه في توليد الحقل المغناطيسي القوي الذي تتمتع به أرضنا، والذي يحمي أشكال الحياة الكبيرة، مثل البشر، من خطر الإشعاع الكوني المميت.تشير فوائد الحركات التكتونية الأساسية إلى أن أي كوكب يتمتع بنشاط جيولوجي عالٍ قد يكون أيضاً كوكباً حيّاً. أما إذا كان يفتقر إلى هذا النشاط، فهو على الأرجح ميت.

يضم كوكبنا مجموعة متنوعة من الحيوانات. لكن التنوع كان من الممكن ألا يولد. فلولا آلام مخاض قارة كبرى، لكان تطور الحيوانات قد توقف في مراحله الأولى.

أدلة كثيرة

نملك اليوم أفضل الأدلة على أن موجة كبيرة من النشاط البركاني، كان سببها ارتطام عدد من القارات معاً لتشكّل كتلة أكبر من اليابسة تُعرف بغندوانا، أدت إلى ارتفاع حاد في حرارة الكوكب. وشكّل هذا التغيير الحافز وراء وفرة تطورية جعلت الحياة أكثر تنوعاً، ووضعت أسس أنواع الحيوانات المستقبلية.

قد تؤدي البراكين إلى ارتفاع حرارة الكوكب لأن انفجارها يُطلق كميات كبيرة من غازات الدفيئة، وخصوصاً ثاني أكسيد الكربون. وتُظهر اليوم دراسة للصخور البركانية في مرحلة باكرة من قصة تطور الحياة، أن الانفجارات تزامنت مع تبدّل المناخ من شديد البرودة إلى حار جدّاً.

أدى هذا التبدل وتأثيره في المحيطات إلى وفرة في التنوع التطوري تلاها انقراض أنواع كثيرة عندما اشتدت الحرارة. وعندما تكونت غندوانا وتراجعت الانفجارات البركانية، برد الكوكب وعاودت الحياة الازدهار. وتؤكد الاكتشافات الأدلة على ارتباط الحركات التكتونية والكائنات الحية.

أوضحت دراسة أجريت السنة الماضية  أن الميكروبات ساهمت في تكوّن القارات بتحفيز النشاط البركاني. وقد أظهر راين ماكنزي وزملاؤه من جامعة تكساس في أوستن أن البراكين ساهمت في صوغ الحياة خلال العصر الكمبري. قبل ذلك العصر، أي منذ نحو 600 مليون سنة، كانت الأرض مغطاة بالجليد. وظهرت الحيوانات الأولى على هذه {الكرة الجليدية}، إلا أن {كائنات إدياكرا} ما كانت تشبه حيوانات اليوم.

حدث بعد ذلك الانفجار الكمبري. يوضح زميل ماكنزي، بول مايرو من جامعة كولورادو في كولورادو سبرينغز: {ظهرت الكائنات الأحادية الخلية ثم كائنات إدياكرا الغريبة الشكل وفجأة تشكّلت الحلازين والثنائيات الصدفة ونجوم البحر ومجموعة  من فئات حددت سجّل التطور}.

أدت الحيوانات التي ظهرت خلال الانفجار الكمبري إلى ولادة المجموعات الكبرى الحية اليوم من الديدان إلى نجم البحر. إلا أن كل مجموعة كانت تضم أنواعاً قليلة ولم تتمكن من التطور أكثر. لذلك تُعرف الفترة التالية بالفاصل الهامد. وقد تميّزت بانقراض عدد كبير من الكائنات. ومرت 50 مليون سنة أخرى قبل أن تعاود الحياة الحيوانية الازدهار خلال العصر الأردوفيسي.

نعرف أن حرارة الأرض شهدت تبدّلا جذريّاً خلال تلك المراحل. فقد ذاب الجليد خلال المرحلة الأولى من العصر الكمبري ومن ثم اشتدت الحرارة كثيراً خلال الفاصل الهامد لتعاود الانخفاض. يوضح لي كمب من جامعة ولاية بنسلفانيا: {حدثت تقلبات حادة في المناخ، من الكرة الجليدية إلى أحد أشد الفواصل حرارة في تاريخ الأرض خلال العصر الكمبري}.

تغييرات عنيفة

يُعتبر النشاط البركاني خلال تشكّل غندوانا الحافز وراء التغييرات العنيفة. غير أن كمب يشير إلى أن الأدلة على تزايد النشاط البركاني قد تنهار بسرعة. ويستند ماكنزي في دليله الجديد على بلورات زيركون بالغة الصغر. لا يتشكل الزيركون إلا خلال انفجارات بركانية خاصة تحدث عندما تصطدم الكتل القارية بعضها ببعض. لذلك تُعتبر دليلاً على اصطدامات قارية سابقة. فجمع ماكنزي الزيركون من صخور تكوّنت خلال 3 مليارات سنة الماضية في أنحاء العالم.

لاحظ الباحث أن الزيركون نادر خلال حقبة الكرة الجليدية، إلا أنه شائع في العصر الكمبري. فيبدو أن مجموعة من البراكين بدأت تطلق حممها قبيل بدء العصر الكمبري. وقد بلغ نشاطها ذروته خلال الفاصل الهامد. يذكر ماكنزي: {نفترض أن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من الأقواس البركانية القارية أدى إلى تبدّلات كبيرة في المناخ}. يوافقه كمب الرأي: {هذا، على حد علمي، أول تقييم مباشر وكامل للتغييرات الناجمة عن الأقواس البركانية خلال هذا الفاصل البالغ الأهمية}. ويذكر سين تاي لي من جامعة رايس في هيوستن بتكساس: {هذه فكرة جديدة وبالغة الأهمية}.

يوضح مايرو أن تشكّل غندوانا يقدّم التفسير الأفضل للبراكين الإضافية. ويضيف: {خلال العصر الكمبري، اصطدمت كتلتان قاريتان كبيرتان لتشكلا غندوانا}. أدى الاصطدام إلى حرارة ملتهبة أذابت الصخور وأنشأت سلسلة طويلة من البراكين. ويتابع: {كانت البراكين تتشكل بسرعة، وتنتج ثاني أكسيد الكربون، ما أدى إلى ارتفاع مخيف في درجة الحرارة}.

فضلاً عن رفع درجة حرارة الكوكب، أدى ثاني أكسيد الكربون إلى رفع حموضة المحيطات. وبما أن كائنات بحرية كثيرة تتأثر بنسبة الحموضة، يفسر هذا الواقع سبب الفاصل الهامد. لكن البراكين خبت بعد تشكّل غندوانا وانخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون، فظهرت مجموعة متنوعة من الحيوانات في الحيود البحرية.

يشير كمب: {لنا ملء الثقة اليوم بأن البراكين وتأثيرها في محتوى الجو من غازات الدفيئة أديا إلى تغييرات مناخية في الأزمنة السحيقة. وكان لهذا بالتأكيد انعكاس كبير على معدلات التنوع الحيوي}.

تابعت التغييرات في النشاط التكتوني تأثيرها في الحياة على الأرض خلال كامل تاريخ هذا الكوكب. إلا أن هذا التأثير لم يكن دوماً إيجابيّاً. على سبيل المثال، اختفت كل الحيوانات والحياة النباتية تقريباً عن وجه الأرض فجأة نحو نهاية العصر البرمي قبل 251 مليون سنة، مرحلة تُعرف بالموت العظيم. ويعود سبب ذلك إلى التغييرات المناخية السريعة التي سببها النشاط البركاني الحاد. إذاً، تكون الحركات التكتونية مفيدة أحياناً ومضرة أحياناً أخرى.