ليست المرة الأولى التي يقرأ فيها أحد الشعراء أو المشاهير أو الكتاب رثاء له وهو على قيد الحياة، محنة بعض وسائل الإعلام أنها سريعة العطب تتلقف الخبر من دون التدقيق فيه. تحب وسائل الإعلام أخبار الوفيات، كل خبر سيئ جدير في أن يجمع الكثير من القراء، خصوصاً إذا كان الخبر يتعلق بأحد المشاهير.

Ad

لنتذكر كم إشاعات الموت التي لاحقت الممثل المصري عادل إمام، وعشرات الإشاعات التي طاولت الفنانة اللبنانية صباح والمطرب فضل شاكر والفنان محمد عساف. وثمة الحديث عن موت {مؤكد} لأدباء وكتاب وشعراء، وتنافس بعض الأقلام في تقديم الرثاء والإطناب لهم من دون صدور بيان رسمي ينعيهم وفي غياب تشييع أو جناز لهم، ليكون ما يكتب في رثائهم {بروفة} لموت مؤجل أو {موت افترضي} بنكهة واقعية.

تعَّرض الشاعر أحمد مطر لموقف مماثل أخيراً، والراجح أيضاً أن الفيسبوك سهل عملية إعلان الموت وتقديم الرثاء ليتحول في النهاية كوميديا سوداء.

قبل إشاعة وفاة أحمد مطر، أُطلقت إشاعة حول رحيل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذي قال إن الخبر الأخير حول وفاته يُعد جديداً عليه ولم يُنشر سابقاً، مشدداً على أنه مؤمن بالشباب والدليل على ذلك قصيدته الشهيرة {دولة العواجيز}، ولكن خلال الفترة الأخيرة، اختلط الحق بالباطل والشباب الرافض لثورة 30 يونيو وجد نفسه مع جماعة الإخوان ومن أطلق إشاعة وفاته الإخوان والشباب الرافض لـ{30 يونيو}، كما يقول.

قرأنا أيضاً أن المفكر التونسي العفيف الأخضر انتحر في منزله في باريس في 27 يونيو 2013، وبدأت الكتابات في الصحف والمواقع الإلكترونية عن مزاياه وخصاله الحميدة وأحلامه وحياته ومرضه المزمن والمؤلم وعزلته وكتبه. كثيرون استذكروا تاريخ علاقته بالمقاهي والمترو والماركسية واليسار اللبناني والعربي وترجمته كتاب {البيان الشيوعي} ومواقفه الجذرية حول الدين والمقدسات والأنظمة العربية والأصوليات المنتشرة من {حماس} إلى {حزب الله}. وكان الرثاء الفيسبوكي على صفيح ساخن حول ميزات الرجل وذكريات الأشخاص معه، حين كتب موقع {الحوار المتمدن}: {منذ أيام تعرض المفكر والمناضل الكبير العفيف الأخضر وأحد أبرز وأهم كتَّاب مؤسسة الحوار المتمدن إلى نكسة صحية كبيرة، ويرقد الآن تحت العناية المركزة في أحد مستشفيات باريس، واليوم تحسنت صحته نحو الأفضل وبدأ يستجيب للعلاج}.

 وبإزاء هذا البيان المقتضب، اختفت التعليقات عن الفيسبوك، وسارع بعض الأقلام إلى حذف مقالات الرثاء التي دونتها عن بعض المواقع الإلكترونية. والعفيف الأخضر كان يعاني مرضاً عضالاً وألماً في يديه منذ مدة، عاش موته الافتراضي بأسلوب صاخب وفكاهي وسرعان ما توفي بعد شهر من إشاعة انتحاره أو موته.

ذاكرة الموت

في الذاكرة كثير من الأمثلة عن {الموت الافتراضي} في العالم العربي، يروى أنه في أحداث عام 1958 في لبنان، قتل مواطن اسمه ألبير أديب من جبل لبنان، فسارع كثير من الكتاب والأدباء إلى رثاء صاحب مجلة {الأديب} التي كانت تصدر في الأربعينيات من القرن الماضي. والمضحك في سيرة هذا الأديب أنه عاش الموت الافتراضي وشاهد ما سيقال عنه بعد رحيله.

 وقبل نحو سنتين أصرّ الشاعر المصري فاروق شوشة في مقال له على إعلان وفاة الشاعر السوداني محمد الفيتوري وكتب فيه مرثية مطولة توقّف فيها عند خصاله الشعرية... وعاتب شوشة في صحيفة {أخبار الأدب} القاهرية الكتّاب العرب على تجاهلهم هذا الشاعر في لحظة رحيله... وهذه هفوة غير مقصودة أيضاً، فالشاعر ما زال حياً، ويعاني الألم على فراش مرضه في مدينة الرباط المغربية، في غيبته الشعرية الطويلة بسبب الانهاك الجسدي، انحسرت الأضواء عنه، ولم تعد وسائل الإعلام تذكره إلا بإشاعات عن وفاته تتناقلها مواقع الإنترنت.

من خلال الإشاعات حول الموت والكتابة عنه يمكننا تدوين حكايات عدة مسلية وحزينة في الوقت نفسه، وللتدليل على ذلك نستذكر كلام الروائي الجزائري واسيني الأعرج بعد إشاعة اغتياله: {غريب أن يقرأ الإنسان خبر موته في إحدى الجرائد الوطنية ويسمعه في إذاعة ميدي الدولية المغربية الفرنسية وفرانس، مانشيت خبر اغتيالي كما قرأته في جريدة النصر اليومية التي تصدر بقسنطينة: {اغتيال الروائي الجزائري واسيني الأعرج}. أشعر في البداية بشيء من الزهو ثم ينتابني خوف عميق. أول أمر قمت به هو إخبار أهلي، أمي خصوصاً وتكذيب الخبر وطمأنة كل الأصدقاء الذين كانوا يعرفون مكان إقامتي}. شعور الأعرج عاشه مشاهير وكتاب كثر حول العالم، إذ يتحول موتهم فكاهة، ومن بينهم الموسيقي العراقي الراحل منير بشير الذي قرأ ذات مرة إحدى الشاعرات تكتب رثاء له وهو على قيد الحياة، وهي كتبت ذلك المقال بشكل متسرع لمجرد أنها سمعت إشاعة عن وفاته.