أمام شاطئ البحر الأحمر انتصب منزل من ثلاثة طوابق شامخًا وسط الرمال، تحيطه حدائق فيها مختلف الأشجار والشجيرات والأنهار الاصطناعية المتناسقة...

ومع إشراقة الشمس، سمع صوت انفجار شديد اهتزت له نوافذ المنزل حتى كادت أن تنخلع، وكأنها ورقة في مواجهة عاصفة هوجاء.

Ad

نهض كريم من فراشه فزعًا فاصطدم بأخيه الخارج من الحمام وقد شرق بمعجون الأسنان... نزل الأخوان بسرعة ونظرا إلى النافذة ليريا الحديقة وقد تحولت إلى كرة نارية ضخمة. صرخ مريد: {تبًا لهم لماذا؟ أسرع يا كريم لنخرج من هنا}، أخذ بيده وأسرع ينزل السلالم ثلاثاً وكريم يتعثر وراءه هاتفًا:}توقف بربك ماذا دهاك؟}

 دخل مريد غرفة المكتب، أوصد الباب وبدأ بإلقاء الكتب والتحف على الأرض، وأخذ كتابًا غلافه أحمر وكأنه ملف كبير، ثم انطلق نحو مجسمٍ ضخم لسفينة خشبية في وسط المكتب، رفع أحد الأشرعة فانعكست أشعة الشمس على منظار قبطان السفينة.

وبهدوء انفتح باب أسفل السفينة، نظر مريد نحو أخيه الذي فغر فاه وهو يحدق بكل ذهول في الباب.

قال مريد: آسف يا كريم، سأشرح لك كل شيء في الأسفل.

نزل درجات ثم انتبه إلى أن أخاه لم ينزل بعد، صعد مسرعًا وهتف: {ماذا تنتظر؟}

وفي الحال أغلق كريم فمه وقال والشرر يتطاير من عينيه ماذا يعني كل هذا!! أي جحيم تفعله...

قبل أن يجيب مريد سمعت أصداء خطوات ثقيلة تحيط بباب الغرفة، اتسعت عينا مريد بخوف وقال: {أيها الغبي لو دخل هؤلاء قضي علينا، انزل معي الآن وستعرف كل شيء}...

أمسك بيده بقوة ودفعه أمامه، وأغلق الباب وكأنه لم يُفتح... وفوق رأسيهما تمامًا انهارت السفينة وتهشمت بعنف على الأرضية الصلبة.

ازداد الطرق العنيف على الباب حتى تهالك وانفتح مستسلما ودخل ثلاثة رجال الغرفة متحفزين.

قال أحدهم بخشونة لرفيقيه: {أريدهما حيين هل فهمتما، أريدهما بأي ثمن.. سأبحث أنا في الأعلى.

قال آري وهو يحدق بحطام السفينة: هاي توم تعال وانظر هنا. ترك توم العبث ببعض الكتب الموجودة على المكتبة قائلا: {يبدو مثقفًا جدًا هذا الرجل، انظر إلى كل هذه الكتب الملقاة على الأرض وكأن إعصارًا أصاب المكان}.

انحنى وهو يلتقط منظارًا صغيرًا متسائلاً ما كان هذا؟

آري: {تبدو كسفينة متحطمة}.

توم: {وما شأننا بها... أين ذهب الولدان؟}

لم يأبه آري به، أكمل توم بحثه ثم اتجه إلى الباب وهو يحث رفيقه:} هيا نخرج من هنا لا يوجد شيء، توقف عن التحديق بتلك الخردة}.

سأل آري: {ولكن لماذا تحطمت، تبدو قوية جدًا لتتحطم مع انفجار قنبلة!!}

توم: {ربما اهترأت وربما كانت مقلّدة وربما}...

قاطع آري: {حسنًا سأسمع تفسيراتك في ما بعد}... نهض متجهاً نحو الباب، تحسس جيبه فجأة، ثم تمتم بضيق: {يبدو أنني أوقعت قلمي مرة أخرى، أتعرف أين هو يا توم؟}

أدخل توم يده في جيبه وعينا آري تحدقان به، أخرج توم سيجارة وزج بها في فمه ببساطة.

نظر آري بغيظ: {تبًا لك}... قال توم وهو يشير إلى الدرج: {ها هو ذا مايكل قد عاد}.

نزل مايكل وهو يطلق سيلا من الرصاص العشوائي الغاضب قائلا: {أين ذهبا؟ فراشهما ما يزال دافئًا.. ماذا تفعلان عندكما؟ تحركا وابحثا أيها الأحمقان؟}

قال توم: {لا شيء هنا يا زعيم؟}

آري: {لقد كان الباب موصداً والكتب والتحف ملقاة، لا بد أنهما كانا هنا لكنهما خرجا بطريقة ما}.

غمغم توم: {نعم تبخرا إنه يظن نفسه ذكيًا}.

آري: {اخرس}.

مايكل: {أتت أوامر من القيادة بالعودة فورًا إلى القاعدة، تأكدا أن كل شيء تحت السيطرة، سنعود حتمًا فقد أتت الشرطة وفرق من الدفاع المدني}... خرج الثلاثة مسرعين وقد ارتدى كل منهم زي فلاح بسيط أخرجه من حقيبةٍ على ظهره.

الفصل الثاني

بدأ مريد وكريم ينزلان معًا، اسمعني يا كريم سأخبرك القصة من بدايتها. أعلم مقدار غضبك صدقني، لكن لم يكن لي خيار فقد وعدت أبي بعدم البوح، وحتى ولو قلت لك فلن تصدقني، أما الآن وقد ظهر كل شيء فلم يعد سرًا، أتعرف أين الخطأ يا كريم؟ إن كثيرًا من الناس لا يدركون ولا يصدقون ما يدور من حولهم بحجة عدم وجود الأدلة، وهذا خطأ كبير يمكن أن يقعوا فيه، لا يصدقون حتى تقع الفأس في الرأس، وعندها ستزيد معرفتهم هذه من حسرتهم، ولو أنهم أخذوا الحيطة من البداية ما خسروا كل شيء.

من أين أبدأ... نعم بدأت القصة عندما تلقى أبي رسالة عن طريق الخطأ من جهة غامضة تسمي نفسها الغضب الأسود؛ كانت تحمل معلومات كثيرة وفيها مهمة موجهة إلى شخص يدعى ماكولي. س بقتل رجل يدعى محمد جمال. وقد عرفوا بخطئهم لكن بعد فوات الأوان، لذلك فقد جعلوا أبي من أوائل المطلوبين في لوائحهم..

علاء محسن عبد السلام

علاء شاب في الثلاثين من عمره، طويل، قوي البنية يتميز بعينين بنيتين واسعتين وشعر بني غزير، هو رجل أعمال ناجح وذكي جدًا، كان يساعد جده في التجارة عندما كان صغيرًا؛ فاكتسب خبرة واسعة وفتح محله الخاص، وهو في الثالثة عشرة، ثم تزوج وهو في الخامسة عشرة من عمره من أخت صديقه وأنجب منها طفلين مريد ثم كريم.

في صبيحة أحد الأيام كان جالسًا على مكتبه يرتشف قهوته وهو يتنهد بانتعاش، ها قد انتهى من الخطوات الأولى، فهو يريد أن يبني برجًا كبيرًا في أحد أحياء العاصمة، وها هي الشركات المعنية تقبل أخيرًا بعرضه...

نهض ليصب لنفسه فنجانًا آخر لكنه عاد مسرعًا بعد أن سمع صوتًا غريبًا من حاسوبه المحمول، قرأ جملة في منتصف الشاشة تقول «أنهى الجهاز تحديث البرامج سيعاد التشغيل بعد عشر دقائق»، أغلق التنبيه وأجل موعد إعادة التشغيل إلى ساعة ثم فتح بريده، ولسعادته وجد رسالة وصلت حديثًا، بدا مرسلها مجهولا، لكنه فتحها بسرعة مفترضًا أنها من إحدى الشركات التي طلب إليها الانضمام إلى مشروعه وكان نص الرسالة:

من قيادة الغضب الأسود إلى قائد الفرقة ب ماكولي. س، لقد وصلتنا أوامر من المؤسس الأعظم بالقضاء على رجل يدعى محمد جمال، يعمل في محل لبيع المواد الغذائية في فرجينيا، يسكن في منطقة تايسون كورنر. لقد شاهد هذا الرجل وجه أحد القادة، ونظرا لكونه عربيًا مسلمًا فإلقاؤه في السجن أو قتله لن يثير أحدًا كونه غريبًا عن المنطقة، لديك مهلة يوم للوصول إلى الرجل وإغلاق فمه إلى الأبد..

ثم ملأت صورة محمد جمال نصف الرسالة وقد بدا كهلاً في الرابعة والأربعين من عمره.

حدق علاء بوجوم شديد ثم لاحظ أن برنامج الفيروسات ينبئه عن فيروس غريب اقتحم ملفاته، فأغلق الجهاز فجأة. والأسئلة تملأ رأسه: من هذا الرجل التعس؟ وماذا سيفعل هو وقد رأى رسالة لا ينبغي له أن يراها..؟ يا إلهي ماذا أفعل؟ هتف علاء وقد دبت الحركة في أوصاله أخيرًا... هل سأقتل أنا الآخر؟

لكن برجي... أعمالي... لا.. لا لن أسمح بهذا.

إن وجه هذا الرجل واسمه ليسا غريبين علي... أظن أنني رأيته في مكان ما، لكن أين..!! ومتى؟

بدأ علاء بحزم أغراضه بسرعة وهو ينادي بأعلى صوت أمدته به حنجرته:

«مؤمن تعال بسرعة وساعدني»...

ظهر سكرتيره منزعجًا: «ماذا سيدي ألم تقل لي بأن أرسل هذه الرسائل إلى مكتب البريد؟»

علاء: «انسَ أمرها يا مؤمن، اجمع تلك الفوضى على المكتب بسرعة أنا في عجلة من أمري».

مؤمن: «لكن سيدي»...

هتف علاء  بانزعاج: «كفى يا مؤمن بربك كفّ عن طرح الأسئلة؛ بقاؤنا هنا خطر هل فهمت؟ خطر كبير... اجمع حاجياتك بسرعة وانتظرني في السيارة.

هرول مؤمن خارجًا وقد أذهله رؤية علاء الهادئ بهذا الوجه الصارم المنفعل.

دخل غرفته مسرعًا، تنهد وهو يرى كومتين من الثياب فوق المكتب، شرع يلملمها وهو يتمتم: «إنه غريب جدًا اليوم ترى ما الذي أخرجه عن طوره؟»

نزل بسرعة وهو لا يكاد يرى ما أمامه ولدهشته وجد علاء قد سبقه إلى الأسفل، وقد انهمك في البحث في صندوق السيارة إلى أن تذمر بصوت مرتفع: «أين اختفى الوقود الإضافي؟»