كان التلفزيون ورائي يتابع عرض البرامج الخالية من الإعلانات على مدار الساعة (أفلام وثائقية، مقابلات، أخبار عن نيلسون مانديلا). توفي {أب الأمة} منذ يومين. كانت جنوب إفريقيا كلها في حالة حداد وراحت تتذكر وتحتفل ببطل ساهم في إنهاء حقبة التمييز العنصري قبل 20 سنة وبرجل تقمّص شخصية الأب ({تاتا ماديبا}) على أكمل وجه وأظهر لسكان جنوب إفريقيا معنى التسامح.

أتذكر أمراً قرأته في كتيّب: حين سُجن مانديلا على جزيرة روبن، كان ينظر إلى الجهة المقابلة للخليج باتجاه جبل تيبل ويشاهد بصيص نور عن الحرية المستقبلية. اشتهر شكل كيب تاون الأسطوري (جبل له قمة مسطحة على علو 3563 قدماً فوق مستوى البحر) لأكثر من ثلاثة قرون ونصف من تاريخ هذا المكان، أي {المدينة الأم} في جنوب إفريقيا.

Ad

في فترات بعد الظهر خلال الصيف، يلامس النسيم القوي الغيوم ويدفعها إلى أعلى الجبل، ما يولّد أثراً يسمّيه السكان المحليون {مفرش المائدة الأبيض}. حين تدفع الرياح الغيوم، يبدو وكأنها تتساقط على شكل شلال.

هبّت رياح التغيير لتعيد صقل المناظر الطبيعية هنا في السنوات الأخيرة. لاحظ الناس حول العالم ما يحصل. بسبب قوة سعر الصرف (10 راند جنوب إفريقي يساوي راهناً 1$)، يتدفق السياح من الخارج (لا سيما الأميركيون) إلى منطقة كيب الغربية للتمتع بجمال وسحر أرضها وشعبها وثقافتها.

في الشهر الماضي، صنّفت صحيفة {نيويورك تايمز} منطقة كيب تاون كأول وجهة سياحية لعام 2014 (ضمن لائحة مؤلفة من 52 وجهة حول العالم). وصنّف دليل السفر {الكوكب الوحيد} (Lonely Planet) هذه المدينة في المرتبة الثالثة من أصل 10 مواقع على لائحة أفضل وجهات سفر لعام 2014.

كذلك، ستحمل المدينة لقب {عاصمة التصميم العالمي} لهذه السنة. وستستضيف أيضاً عدداً من الأحداث التي ترفع شعاراً عن ابتكار التصاميم وتغيير الحياة، وتهدف هذه الحملة إلى جعل {كيب تاون مدينة عالمية رائدة ومركزاً للإبداع والمعرفة والابتكار والتميّز} بحسب قول المسؤولين في قطاع السياحة.

تزامنت زيارتي في شهر ديسمبر مع فترة الحداد الوطني على مانديلا وكانت المظاهر لافتة: هذا المكان يبقى متمسكاً بتاريخه لكنه يتوق في الوقت نفسه إلى تحقيق مستقبل باهر.

يسهل الشعور بهذه الأجواء خلال جولة على مطابخ المدينة. أصبحت كيب تاون وجهة جديدة لرؤساء الطهاة من أنحاء العالم، مثل نوبويوكي ماتسوهيسا الذي فتح أول مطعم له في جنوب إفريقيا في عام  2009 وقد حمل اسمه {نوبو{. هذه المدينة تشمل 8 من أصل 10 مطاعم تقع في جنوب إفريقيا وتَرِد على لائحة {جوائز الأكل الخارجي} (Eat Out Awards) لعام 2012، كما أنها تشمل المطعمَين الوحيدين الواردين على لائحة {جوائز سان بيليغرينو العالمية} لعام 2012. عند كل منعطف، يمكن تذوق الأطباق التقليدية المطعّمة بالتوابل والمستوحاة من التأثيرات العالمية التي ساهمت في رسم معالم هذه المنطقة.

سوق الأحياء

في صباح يوم سبت مشمس، تدقف السكان المحليون وسط ازدحام شديد إلى {سوق الأحياء} في {طاحونة البسكويت القديمة}، وهي {بلدة} صاخبة تعج بالمطاعم والمقاهي والمتاجر في حي وودستوك الذي يشهد نهضة كتلك التي حصلت في فورت وورث بالقرب من الطرف الجنوبي.

يبيع التجار المحليون الفاكهة العضوية المجففة وعشرات أنواع الفطر والمعكرون المخبوز والبيتزا وفطائر اللحم والمثلجات ومئات المنتجات والأغذية الأخرى. يقدم بعض الباعة عينات من الطعام ويستمتع أرباب العمل كلهم بمشترياتهم على طاولات طويلة في وسط السوق.

وصلتُ مع مجموعة صغيرة في رحلة مع خبيرين في السفريات ومأكولات كيب تاون، وهما دون يورجنسن وإيشاي غوفندر يبما. هما يديران {جولات الأكل والأغذية المذهلة}، وهي تجربة مميزة تغوص في عمق مطبخ المدينة.

قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً، تذوقتُ الجعة الحرفية من {دارلينغ برو{، مع الموزاريلا دي بوفالا من {بوفالو ريدج}، وتناولت الشاي المثلج وتونة {بيلتونغ} وعينة من المعجنات المحلية المفضلة التي تحمل اسم {الهولندي الطائر} وتشبه فطائر نيو أورليانز.

بحسب قول مرشدنا، إنه مثال واحد عن {ثقافة السوق} في كيب تاون وعن التزام جديد بدعم المزارعين المحليين وتجار المواد الغذائية.

كانت {طاحونة البسكويت القديمة} مصنعاً للبسكويت، وهي تثبت مقولة {القديم يبقى جديداً} التي تدعم خطط المدينة الغذائية. في هذا المكان، افتتح رئيس الطهاة البريطاني الشهير لوك دايل روبرتس مطعمه الفخم The Test Kitchen الذي حصد إشادة واسعة في عام 2010. ثم في عام 2012، افتتح ملهىThe Pot Luck Club الذي حاز بدوره استحسان النقاد، ويقع في الطابق السادس من مبنى {طاحونة البسكويت}.

الحجز في هذه الأماكن أصعب ما يكون في البلدة. تشمل {الطاحونة} مطعماً ساحراً اسمه Saucisse متخصص باللحوم والأجبان التي يصعب إيجادها في المنطقة، فضلاً عن مقهىEspresso Lab Microroasters الذي يقدم أنواع قهوة مبتكرة ويصطف الناس خارج المدخل للحصول عليها في صباح أيام السبت.

تحت شمس الصيف الحارقة، أعادتنا جولتنا على المطاعم بالزمن إلى الوراء، وتحديداً إلى {بو كاب} أو حي {كيب مالاي}. تشمل منطقة {بو كاب} منازل شبه منفصلة ولها ألوان زاهية، وقد أصبح الموقع مطلوباً لتصوير اللقطات لمجلات الأزياء (صنّفته صحيفة {هافنغتون بوست} من بين أبرز الأماكن الملونة في العالم).

كانت المنطقة المسلمة بغالبيتها (فيها أقدم مسجد في البلد) موطناً للعبيد المحررين وكان لها تأثير لا يُمحى على مطبخ جنوب إفريقيا. أرشدنا أحد سكان المنطقة إلى الشوارع المرصوفة بالحصى وقادنا إلى متجر توابل حيث نستطيع أن نشمّ الروائح ونتذوق النكهات (كزبرة، كركم، ثوم) التي تجعل هذا المطبخ متميزاً جداً، وقد وصلت هذه الأنواع إلى المنطقة في القرنين السابع عشر والثامن عشر مع العبيد القادمين من جزر الهند الشرقية الهولندية. احتفلنا في الهواء الطلق بتناول الأطباق التقليدية في {كيب مالاي}، مثل لحم الخروف بالكاري والسمبوسة التي تحضرها نساء يحرصن على التمسك بالأطباق التي كان يحبها أسلافهنّ، وذلك عبر تنظيم هذه الجولات وجمع الوصفات ضمن كتاب طبخ مرتقب.

تصوير الأفلام

منطقة كيب تاون المميزة توفر موقعاً يرتفع الطلب عليه لتصوير الأفلام وهي وجهة فخمة لقضاء العطلات بالنسبة إلى المشاهير (حضر كلٌّ من ميريل ستريب وجيف بريدجز وكيتي هولمز وتايلور سويفت إلى البلدة حديثاً لتصوير الفيلم المرتقب The Giver، ورُصد الأمير البريطاني هاري وهو يتسوق هناك قبل عيد الميلاد).

زادت الحجوزات في الفنادق الفخمة في عام 2013 بنسبة 17% تقريباً اعتباراً من شهر أغسطس من السنة الماضية وفق مجلة {ساوبونا} التابعة للخطوط الجوية في جنوب إفريقيا.

استضاف منتجعOneandOnly  الذي فتح أبوابه منذ خمس سنوات في كيب تاون (سبب زيارتي الرئيس) مجموعة من الشخصيات المهمة من جميع أصقاع الأرض. أقام هناك الممثل دنزل واشنطن والنجم بونو من فرقة {يوتو{ والأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ومانديلا نفسه.

يقع فندق Marina Rise المؤلف من سبعة طوابق على بُعد خطوات من الواجهة البحرية الجميلة {فيكتوريا أند ألفرد}، ويشمل 91 غرفة وجناحاً شاسعاً، ويطلّ جميعها على المنظر الخلاب الذي أشاهده في جبل تيبل أو على الميناء الجميل. يحتوي الموقع على 40 غرفة وجناحاً إضافياً ضمن جزيرة خاصة به. وسط وسائل الراحة المتوافرة داخل الغرفة (وسائد مريحة، حمّام واسع، أنظمة ترفيه متعددة الوسائط)، قد نرغب في التمدد قليلاً للتخلص من الإرهاق الناجم عن فارق التوقيت بين البلدان. لكن سيكون ذلك الخطأ فادحاً!

في الخارج، يشمل الفندق أكبر حوض سباحة موجود في جنوب إفريقيا، وما من تجربة أفضل من الجلوس على طرف الحوض وتناول فاكهة موجيتوس من مطعم {إيسولا} على جزيرة الفندق الخاصة.

هل الجو مشمس جداً في الخارج؟ ثمة منتجع داخلي صُنّف كأفضل منتجع في إفريقيا والشرق الأوسط لعام 2013 في مجلة {السفر والاستجمام}، ويمكن أن يستمتع ضيوف الفندق خلال إقامتهم بالجناح الحراري تحت الأرض (حوض ساخن، ساونا، غرفة بخار، حانة جليدية). بعد أقل من 24 ساعة على رحلتي إلى هناك من نيويورك، لا شيء أفضل من جلسة تدليك طوال 50 دقيقة للتخلص من التشنجات في الظهر كما قالت لي اختصاصية التدليك حين كانت تصطحبني إلى غرفة الاسترخاء المظلمة والهادئة.

عدت إلى المنتجع قبل يوم من ذهابي لطلاء أظافري على يد باستيان غونزاليس، وهي خدمة غير متوافرة بعد في الولايات المتحدة. يشمل العلاج الذي طوره غونزاليس (مطبّب أرجل في فرنسا) تلميع الأظافر لدرجة أن تغطيتها بالألوان سيفسد جمالها. ما هو أفضل جزء من العلاج؟ تدليك إيقاعي لليدين والقدمين على يد اختصاصيَّين يعملان في الوقت نفسه.

نصل الآن إلى الطعام. مقهى OneandOnly مكان عمل رئيس الطهاة نوبو، حيث يختلط المطبخ الياباني الكلاسيكي مع ثمار البحر الجنوبية الإفريقية. العشاء العائلي المؤلف من سبعة أطباق هناك هو حدث بحد ذاته.

أطلق رئيس الطهاة المحلي الشهير روبن ريفل أول مطعم له في كيب تاون في عام 2010، وهو مطعم {روبن} داخل الفندق. تناولتُ هناك المحار المحلي وشربت الشمبانيا مع الفطور وأكلت على العشاء عينة من غزال سبرينغبوك المدخن (لحم غزال غير مدهن لكن لذيذ).

فصل الصيف في كيب تاون يعني أن الجو الدافئ والجاف يسمح بركوب التلفريك نحو جبل تيبل، والتمدد على شاطئ خليج كامبس، والذهاب في جولة بالعبّارة إلى جزيرة روبن، أو الاستمتاع بنزهة مسائية وحضور حفلة موسيقية خارجي في حدائق كريستينبوش النباتية الوطنية.

خلال آخر أمسية لي في البلدة، استمتعتُ بنشاطات عدة كالأطفال (جولة في دولاب الهواء مقابل الواجهة البحرية {فيكتوريا أند ألفرد} في فترة غروب الشمس). وفي رحلة مدتها 12 دقيقة وتمتد على أربع دورات، يمكن الاستمتاع بمناظر تنافس مشهد الطيور التي تحلق إلى جانبي. يمكنني أن أشاهد جزيرة روبن في أحد الاتجاهين وأن أقترب من مدرج كرة القدم اللامع في الاتجاه الآخر.

وعندما تهبط الشمس وتصبح السماء زهرية اللون، يمكنني أن أشاهد {مفرش المائدة الأبيض} الذي يتمدد وينتشر فوق جبل تيبل.

هذا ما يجعل آخر مغيب لي في هذه المدينة الغريبة مطبوعاً في ذاكرتي مثل أول شروق شمس شاهدته!

أماكن الإقامة

فندق OneandOnly، كيب تاون: الأسعار تبدأ من 500$ تقريباً في الليلة. 888-877-7528؛ http://capetown.oneandonlyresorts.com.

فندق Le Quartier Francais، فرانشوك: الأسعار تبدأ من 370$ في الليلة. 0027-21-876-2151؛ www.lqf.co.za.

مطاعم

{طاحونة البسكويت القديمة} (The Old Biscuit Mill): www.theoldbiscuitmill.co.za

{نوبو{ (Nobu): www.noburestaurants.com/cape-town

{روبنز} (Reuben’s): http://reubens.co.za

نشاطات مقترحة

{جولات الأكل والأغذية المذهلة} (The Food and The Fabulous Food Tours): www.foodandthefabulous.com/fab-food-tours

لمزيد من المعلومات حول النشاطات، بما في ذلك جزيرة روبن وجبل تيبل والواجهة البحرية {فيكتوريا أند ألفرد} (VandA) وحدائق كريستينبوش النباتية الوطنية، زوروا موقع www.capetown.travel.