كيف كان دخولك إلى المجال السينمائي؟

Ad

عقب حصولي على شهادة الثانوية العامة، كان أمامي خياران: الأول التقدم إلى اختبارات «معهد السينما» والثاني «الكلية البحرية»، وكنت أميل إلى البحرية أكثر،  بالإضافة إلى خوفي من عدم نجاحي في اجتياز اختبارات معهد السينما، فأردت أن أمسك العصا من المنتصف، لكن والدي رفض تماماً وقال لي: «إذا فشلت في اختبارات معهد السينما فعليك أن تعيد الثانوية مرة أخرى».

كان من الممكن أن تصير ممثلاً ونجماً سينمائياً، ما الذي دفعك إلى العمل كمخرج؟

كنت أخشى تجربة التمثيل وكنت أرى أن الإخراج أهم وأبقى، بالإضافة إلى تراكمات الخبرة التي اكتسبتها من مجاورتي لوالدي حيث تعلمت الكثير من فنون الإخراج قبل أن أصير مخرجاً.

ما الذي ميّز أحمد بدرخان وجيله من المخرجين الكبار عن جيل السينما الراهن؟

أمور كثيرة لا تعد ولا تحصى، أبرزها الدقة في العمل والاهتمام بالتفاصيل مهما كانت صغيرة. كنت أشاهد أحمد بدرخان وهو يعقد جلسات العمل الطويلة ويقرأ السيناريو عشرات المرات، وهو ما كان يفعله أيضاً الأساتذة الكبار أمثال نيازي مصطفى وحسن الإمام وبركات ويوسف شاهين. كان والدي يفكر لساعات طويلة كي يخرج العمل وتظهر المشاهد بشكل لائق ومبتكر، أما الآن فمن الممكن ألا يقرأ المخرج السيناريو إلا مرة، لذلك تخرج الأعمال نمطية ومن دون الاهتمام بأي تفاصيل حتى لو كانت مهمة، فبعض الأعمال السينمائية الجديدة باهت وخال من رؤية فنية أو إخراجية، ويتم ترتيب المشاهد خلف بعضها البعض من دون أي لمسة إخراجية. مثلاً، في حوار بين شخصين أحدهما قوي وباطش والثاني ضعيف، يجب أن تكون المساحة الكبرى والزاوية الأوضح للقوي وتكون رؤية الضعيف للقوي، أنه عملاق، ما يجعل المشاهد يتأثر ويتفاعل مع العمل، لكن هذا لا يحدث غالباً الآن.

هل ثمة موقف لا تنساه لوالدك أثناء عمله في السينما؟

بكل تأكيد... في إحدى المرات ترك أحمد بدرخان العمل في أحد الأفلام بسبب عدم رغبة المنتج في جلب إحدى السيارات إلى القاهرة بعدما استخدمت في التصوير في الإسكندرية، وأراد المنتج أن يتم الإتيان بسيارة مماثلة لها في القاهرة توفيراً للنفقات، فما كان من والدي إلا أن ترك العمل بسبب شعوره بأنه يخدع المشاهدين، فقد كان يريد أن يستكمل التصوير بالعربة نفسها. ذلك يؤكد أن ريادته السينمائية لم تأت من فراغ، فقد قدم أفلاماً عاطفية واجتماعية وسياسية، تحمل بصمة بدرخان الرومنسية، وأفلاماً لأهم عمالقة الغناء في مصر أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة ومحمد فوزي.

زواجك من الفنانة الراحلة سعاد حسني يعتبر مرحلة جديدة ومختلفة في حياتكما الفنية، فكيف كان أول لقاء بينكما؟

كان أول لقاء بيننا من خلال فيلم «نادية»، كنت مساعد مخرج لوالدي وأعجبت جداً بها بسبب حبها الشديد للفن ونهمها للتعلم والمعرفة والبحث، وهذا ما نفتقده لدى نجوم هذه الأيام الذين يشعرون بالنجومية والزهو بمجرد وجود اسمهم على شارة أي عمل حتى إن كان ضعيفاً.

يرى البعض أن سعاد حسني خسرت جماهيرياً بمشاركتها فى بعض أعمالك مثل «شفيقة ومتولي» و{الكرنك» و{أهل القمة»... ما ردك؟

ربما تكون هذه الأعمال أقل جماهيرية، لكنها في النهاية أعمال محترمة ذات عمق وتحمل قيمة فنية، والدليل أنها تقفز إلى ذهن أي راصد لمشوار السندريللا رغم أن البعض يراها محبطة. وللحق، استفدنا من هذه الأعمال وأصبحت إضافة كبيرة إلى رصيدنا الفني.

ما سر ابتعادك عن الإخراج راهناً؟

من الصعب جداً أن أنسجم مع أوضاع السوق السينمائي المصري وانعدام الاحترام وابتعاد الجميع عن قواعد المهنة. شخصياً، لا أملك القدرة على العطاء وسط كل هذا التخبط والأزمات وأتعجب من الخلط الراهن، إذ نتهم المنتج بالتقصير عندما يصنع فيلماً بصورة سيئة، مع أن المستوى الفني الرديء يأتي من المخرج والمؤلف اللذين قبلا، في الأساس، العمل في مناخ تجاري بحت يبحث عن الربح فقط بعيداً عن الفكرة والإبداع.

هل أنت مع إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية؟

يجب أن يكون لدى الفنان ضمير يراقبه ويحرضه على الفن ويمنعه من الانحدار في مستوى الأعمال سواء فنياً أو أخلاقياً. لكننا للأسف، أصبحنا منذ فترة في حالة تسيّب وهمجية شديدة. لا يعني ذلك أنني مع فكرة وجود الرقابة أو أنني أدعم قرار رئيس الوزراء بإلغاء عرض فيلم «حلاوة روح» مثلاً، ذلك القرار الذي صفق له، زوراً ونفاقاً، بعض السينمائيين المحسوبين على المثقفين. وقد أصابني هؤلاء بإحباط شديد، واكتشفت أن بعض الزملاء والأصدقاء لا يملك أي ضمير أو مبدأ في الحياة.

كيف نصلح حال السينما؟

للأسف الشديد، الحل ليس في يدي أو في يد المؤلفين أو النقاد، بل في يد المنتجين الذين يتحكمون في الأمور كافة. كلامنا لا قيمة له، فالمنتج هو سيد العمل وسيد الشاشة الكبيرة. حتى إن ثمة كتاباً ومؤلفين ومخرجين يتحدثون بوجهة نظر المنتج لأنهم يريدون رضاه عنهم، فهو الذي يتحكم بمصيرهم، في إمكانه أن يجعل الشخص أهم مخرج في مصر أو أن يقطع رزقه من هذه المهنة إلى الأبد.