بات تصريح سمو رئيس الحكومة بأن "دولة الرفاه لن تستمر" حديث الناس في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بأنواعه المختلفة، وإن كنت أعتقد أنه كان يقصد الدولة الريعية وليست "دولة الرفاه" التي لم تبدأ بعد.

Ad

ففي الدولة الريعية تقوم الحكومة بتوزيع إيرادات الموارد الطبيعية على الشعب من أجل تخديره حتى يحلو لها اللعب على كيفها، وفي الدولة الريعية يتم تكديس المواطنين في الوظائف الحكومية حتى تتضخم مؤسساتها وتتحول إلى بؤر فاسدة، وتتحكم الحكومة في كل مفاصل الحياة في البلد، وتستخدم ذلك لشراء الولاءات "خصوصاً في مجلس الأمة" لأن حاجات الناس صارت بيدها، فتقرب هذا وتحارب ذلك بناء على مصالحها، وتمرر ما تشاء من أجندة على حساب المصلحة العامة، وبذلك يفرغ المجلس من محتواه بسبب انشغال الأعضاء بقضاء حاجات الناس.

أما "دولة الرفاه" فتسعى إليها جميع حكومات العالم، وهي تعني رفع مستوى حياة الفرد وخدماته عبر الحكم الرشيد القائم على تعيين الكفاءات لا العاهات في المواقع المناسبة، والاهتمام بالتعليم الذي سيصنع بدوره شعباً منتجاً يصنع الثروة عبر الصناعة وابتكار المنتجات التي تصدر إلى أصقاع الأرض؛ لتجلب الإيرادات لخزينة الدولة التي تقوم بدورها بتقديم وتنظيم بقية الخدمات.

لا شك أن البرنامج الذي تقدمت به الحكومة فيه لغة مختلفة هذه المرة، وأعتقد أن لوزير المالية فضلاً في ذلك لأن بصماته واضحة عليه، وهو مؤشر إيجابي، لكن الناس ملّت من الكلام وبحاجة إلى ترجمته إلى أفعال ووقائع على الأرض.

نعم الدولة الريعية غير قابلة للاستمرار، ويجب أن يتحمل المواطن مزيداً من المسؤولية؛ لأن هذا النموذج غير مستدام وحتماً سنقع في عجز مالي في ظل تنامي المصروفات بشكل رهيب بسبب تهور الحكومات المتعاقبة، وبتحريض من شهاب الدين مجلس الأمة، لكن هذا يتطلب أن تكون الحكومة قدوة في كل ما تقول حتى يلتف الناس حولها.

فليس من المقبول أن تطلب الحكومة من "الجميع التخلي عن مصالحهم الضيقة الآنية من أجل المصلحة الوطنية العليا طويلة الأمد"، وهي بنفسها ماضية في سياسة الترضيات والمحاباة الفاسدة في التعيينات. ولن يصدق أحد كلام برنامج الحكومة عن "ضرورة تحول المجتمع الكويتي من مستهلك لمقدرات الوطن إلى منتج للثروة للمساهمة في الاقتصاد الوطني"، وضرورة "إصلاح اختلالات التركيبة السكانية" وهي ماضية في تكديس المواطنين في القطاع العام المتخم أصلاً بشهادة الوزير محمد العبدالله، الذي تسبب في زيادة الخلل بالتركيبة السكانية، وما يصحبها من ضغط على الخدمات وزيادة الاختناقات المرورية بسبب هيمنة الوافدين على المشروعات الصغيرة ووظائف القطاع الخاص.

ومضحك أن يتحدث برنامج الحكومة عن "النزاعات الطائفية والقبلية والمذهبية"، وهي بسياساتها التمييزية تغذي هذه النزاعات، ووزارة الأوقاف تصرف الملايين على مؤتمرات الوسطية في عواصم العالم، بينما هناك تكفيريون يعملون كأئمة مساجد لديها! وكيف ستعالج الحكومة "ضعف روح المواطنة المسؤولة والانتماء" دون تطبيق العدالة والمساواة المفقودة في معظم مرافق الدولة؟ وكيف سيقتنع الشعب بأن الحكومة ستعمل على "مواصلة كبح مظاهر الهدر المختلفة في المصروفات الحكومية وضبطها"، وهو يرى بالمستندات البذخ اللامعقول في مصروفات ديوان رئيس الوزراء نفسه؟!

يا سمو رئيس الوزراء الدولة تجني حالياً ثمار عقود من السياسات الحكومية الفاسدة، والحل ليس بسهل لكنه غير مستحيل متى ما توافرت الإرادة والقدوة، أما الاستمرار بنفس النهج السابق "وهو ما يجري حالياً" فلن يؤدي إلا إلى المزيد من التدهور والمزيد من الضغط الشعبي لفرض إرادة التغيير.

الزمن تغير فإن لم تبادر بإجراء تغيير جذري محمود فسيأتي التغيير عنوة يوماً ما، وقد يكون إلى الأسوأ، فماذا أنت فاعل؟