مَن ما زال يريد قصف إيران؟ يشكل الصراع السوري الدليل الأخير على مدى صعوبة وقف حرب عندما يبدأ القتال، ولكن ثمة دوماً مجموعة ترغب في السير إلى الحرب.خلال عطلة عيد الميلاد، كان الهدوء يعم معظم أجزاء واشنطن، فبعد تناول ديك الحبش والأطايب واحتساء ما لذّ وطاب، عرفت بعض وسائل الإعلام والطبقة السياسية ما هو الخبر الأهم: هل ذهب أوباما إلى الصلاة يوم عيد الميلاد؟ كذلك كان الجميع قد التهموا الكثير من الحلوى ليأبهوا بمأساة 1.3 مليون عاطل عن العمل منذ مدة في الولايات المتحدة لن يتلقوا هدية عيد الميلاد لأنهم على وشك أن يخسروا مساعدة الدولة المالية، بالإضافة إلى ملايين آخرين سينضمون إليهم قريباً بسبب المزيد من الجنون في الموازنة في الكونغرس، ولكن ما من أمر، ولا حتى عيد الميلاد، كان سيعيق طريق المخربين في العاصمة واشنطن.هؤلاء هم المتشددون في الكونغرس (لا يختلفون كثيراً عن المتشددين في إيران) الذين يودون إفشال الصفقة الأولية التي توصلت إليها إيران ومجموعة دول 5+1 في شهر نوفمبر الماضي، والتي قبلت بموجبها طهران بتجميد برنامجها النووي طوال ستة أشهر مقابل تخفيف محدود للعقوبات الخانقة.وصف هؤلاء تدخلهم هذا بأنه مساعدة للأغبياء الجالسين إلى طاولة المفاوضات، فيظن المخربون أن التهديد بالمزيد من العقوبات ضروري لإرغام إيران على الاستسلام،ولكن يجب ألا نستخف بمجموعة 5+1، فهي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا)، فضلاً عن ألمانيا.قد تظن أن من الجيد أن يحد متذمرو الكونغرس من شكواهم للاستمتاع بموسم الأعياد، بما أن هذه الدول الست وافقت بحذر على خطوات تهدف إلى إصلاح مشكلة معقدة، ولكن في الأسبوع الذي سبق الميلاد، أعد أكثر من 24 سيناتوراً من كلا الحزبين مسودة قانون تطالب بعقوبات أقسى ضد إيران.تجاهل هؤلاء دعوات البيت الأبيض والتقييمات الاستخباراتية عن أن مسودة القانون هذه، التي ستُناقش خلال الأسبوع المقبل على الأرجح، تقوض فرص التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران.فضلاً عن أن مسودة القانون هذه تعارض روح الصفقة المؤقتة التي تتعهد بموجبها الأطراف المعنية بعدم فرض عقوبات جديدة، فهي تطالب أيضاً أن تفكك إيران في أي اتفاق نهائي برنامجها لتخصيب اليورانيوم.لكن الإيرانيين يعرفون تاريخهم جيداً، ويدركون أن الصفعات التي وجهتها إليهم الولايات المتحدة لم تحمل أي خير: إطاحة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطياً عام 1953، وإعادة الشاه إلى منصبه ومعه شرطته السرية، ودعم الولايات المتحدة العراق بعد بدئه حرب ثمانينيات القرن الماضي ضد إيران، واعتبار الرئيس السابق جورج بوش الابن إيران جزءاً من "محور الشر".قد يكون من المبرر أن يظن الإيرانيون أن مسودة قانون العقوبات الأخيرة هذه في العاصمة واشنطن تشكل استمراراً لذلك التاريخ السلبي، وهم ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون ذلك، فيشاركهم في هذا الرأي أيضاً عدد من المعلقين والمحللين الدوليين البارزين.ولكن رغم كل هذه التطورات التاريخية، يفرض تبدل المناخ العام الجذري في طهران بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً على المجتمع الدولي أن يجرب كل الخيارات المتوافرة لحل هذه الأزمة قبل اللجوء إلى الحرب.لذلك تستخلص بعض الأوساط اليوم أن خطوة مجلس الشيوخ هذه مدروسة وهدفها جعل التوصل إلى اتفاق مهمة مستحيلة، وبما أن أعضاء مجلس الشيوخ يعارضون قيام دولة إيرانية نووية، تبقى الخلاصة الوحيدة الممكنة أنهم يريدون إرغام الرئيس باراك أوباما على اختيار الحل العسكري.لا عجب، إذاً، في أن مناورة أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي هذه جوبهت برد مماثل من نظرائهم الإيرانيين: متشددون يعارضون الصفقة المؤقتة وكل ما يشبه التنازلات من قبل الجانب الإيراني إلى المجتمع الدولي.وضع المتشددون الإيرانيون تشريعات خاصة بهم ستُناقش في البرلمان الإيراني، تدعو هذه التشريعات إلى مواجهة أي عقوبات جديدة بتصعيد عملية تخصيب اليورانيوم إلى نسبة الستين في المئة، علماً أن هذه النسبة قريبة جداً مما يمكن استخدامه في الأسلحة النووية، يضم كلا البلدين عناصر معارضة نافذة تعتمد إحداها على الأخرى لجعل أسوأ توقعاتها تبدو ممكنة، ولا شك أنها ترفض كلها أي حل دبلوماسي.يصف بيل كيلر هذا التفاعل الأناني في مدونته لصحيفة "نيويورك تايمز"، متناولاً موقف كلا الطرفين من إيران: "يعتبر المتشددون الإيرانيون إسرائيل طرفاً انتهازياً مسلحاً نووياً وتوأم الولايات المتحدة الكافر. أما المتشددون الأميركيون، فيعتبرون أن القيم والمصالح الإسرائيلية مرتبطة أشد الارتباط بقيمنا ومصالحنا، وأن بنيامين نتنياهو أكثر أهلاً للثقة كمدافع عن أمننا، مقارنة بباراك أوباما".يتوصل كيلر في الختام إلى خلاصة قاتمة مخيفة: "لا شك أن إخفاق المفاوضات سيسعد الطرفين: الصقور الأميركيون، لأن إسرائيل ستمضي قدماً في توجيه ضربة إلى إيران. والصقور الإيرانيون لأنه ما من أمر يستطيع توحيد الشعب المنقسم خلف نظام مستبد بقدر هجوم يشنه كفار".
مقالات - Oped
المتشددون الأميركيون والإيرانيون يسعون إلى الحرب
08-01-2014