ليست الانتهازية ضيفاً جديداً يرخي بثقله على المجتمع الكويتي، لكنها حين تتزاوج بالتفاهة مثلما حصل في قرار "لجنة الظواهر السلبية" عن لباس البحر و"الاحتشام"، تتحول إلى حالة مرَضية تثير الغثيان، بقدر ما تفرض على المجتمع المتحضر التصدي لها.

واقع الأمر أن مجتمعنا الكويتي، بما يمثل من تطور بنيناه أجيالاً إثر أجيال، ومن قيم تراكمت بالممارسة والانفتاح، يتعرض لعدوان غاشم خطير تشنه عليه قوى ظلامية لم تجد شغلاً شاغلاً لعقلها المتخلف إلا كيفية التدخل في الحرية الشخصية للأفراد والمجموعات، فتفرض عليهم ماذا يلبسون وماذا يأكلون وكيف يتصرفون. وأسوأ ما في الموضوع أن اللجنة التي يطابق اسمها مسماها تنطلق من سوء الظن بالناس، فتحاكمهم على شكلهم ولا تتطلع إلى المضمون، وتحاسبهم على مظاهرهم ولا تفقه في طرق التعبير والسلوك.

Ad

إنها كذبة كبيرة. هؤلاء الذين يتحدثون عن إصلاح المجتمع عبر هذه الردة التي لا تقيم وزناً لتطور الحياة والمجتمع وتزدري الفروق بين الناس والتعدد وقبول الآخر، يريدون ممارسة القمع عبر تعميم نموذجهم الفاشل، ذاك النموذج الذي أرهق المجتمعات وتسبب في تخلفها وحولها إلى أضحوكة بين الدول، لا بل أساء إلى فطرتها الطيبة واعتدالها وتسامحها الموروثين.

لن يكتب النجاح لمقترحات اللجنة النيابية التعيسة، ولن ينجح الداعون إليها في كبت الناس ولا في سلبهم مكتسباتهم في الحرية الشخصية والحريات العامة، لأنهما لا تنفصلان، فهذه المقترحات حفنة من الهزل والهزال يضيع أصحابها وقت البلد بها بدلاً من الانكباب على مشاكله الجدية سواء في الصحة أو في اختلال الميزانية أو السكن أو سائر المواضيع المتعلقة بالتطوير الإنمائي والسياسي. وهؤلاء يغرقون الناس في نقاش عمره ألف عام ولم يتغير حتى الآن، لا بل أنتج المساوئ وجعل من انزلق به يعيش التخلف المزمن ويرضى بهامش الهامش. في مسار الحضارات. فالأمم التي تورطت في هذا النوع من السجالات الرجعية والمظلمة لا تزال تئن تحت وطـأتها، فيما الأمم التي تجاوزتها تطورت ونمت ودخلت في العصر من أوسع الأبواب.

ثم أيها الذين تنافحون عن الأخلاق، ما هذه النظرة الغريزية إلى المرأة؟ لماذا تربطون الفساد بالنساء؟ وهل كل الذكور خلاصة مكارم الأخلاق أم أن هناك حسبة أساسها التكسب وعنوانها الانتهازية؟ واقع الأمر هو أن نظرتكم محض جنسية، وهدفكم ليس الاحتشام بل تقييد النساء لأنهن هدف سهل فيما لو عممتم مقترحاتكم المضحكة على الرجال فوضعتم عليهم قيوداً وفرضتم عليهم السباحة بالثياب الطويلة على سبيل المثال لتعرضتم لمواجهة تحسبون لها الحساب في المجتمع والانتخابات.

بئس المقترحات مقترحاتكم، وبئس المقررات مقرراتكم، وبئس لجنة تلك التي تفح منها روائح التخلف، وبئس مجلس أمة يأخذ بترهاتكم أو يسايركم في حرف واحد من سواد أفكاركم.