يدعو الباحثون هذه النجوم {نجوم بلانك} ويعتقدون أن بإمكانها تقديم الجواب على سؤال بالغ الأهمية في الفيزياء المعاصرة: مفارقة المعلومات أو سؤال: ماذا يحدث للمعلومات المحتواة في مواد تسقط في ثقب أسود؟

بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم هذه الفكرة أخيراً في المصالحة بين ميكانيكا الكم ونظرية ألبرت أينشتاين عن النسبية العامة التي تصف الجاذبية، مظهرةً بالتالي كيف تستطيع نظرية عن الجاذبية الكمية حلّ الألغاز القديمة في عالم الفيزياء.

Ad

تشوّه الوقت والمساحة

تُعتبر الثقوب السوداء مناطق في الفضاء عالية الكثافة. فلا يستطيع أي شيء الخروج منها، ولا حتى الضوء. ويُعتقد أن معظمها يتكوّن في نهاية حياة نجم كبير، عندما يصبح الضغط الداخلي فيه غير كافٍ ليقاوم جاذبيته الخاصة. فينهار النجم تحت ثقله الخاص.

يعتقد معظم العلماء أن حالة من التفرد تتكون في النهاية، بما أن ما من أمر يردع هذا الانهيار. فتتشكل منطقة من الكثافات غير المحدودة ولا تعود نسبية أينشتاين العامة تُطبّق.

لكن {نظرية التفرد} هذه تشمل ثغرات عدة. بما أن قوانين الفيزياء لا تعود سارية المفعول في منطقة الكثافات غير المحدودة، فلا أحد يعلم ما قد يحدث داخل ثقب أسود.

أشار ستيفن هوكينغ في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى أن الثقوب السوداء قد تتبخر أو تختفي. ولكن في هذه الحالة، ماذا يحدث للمعلومات التي تصف أي شيء قد يقع داخل ثقب أسود؟ تشير النسبية العامة إلى أن المعلومات لا يمكن أن تختفي بكل بساطة، ولكن يبدو أن هذا ما يحدث داخل الثقب الأسود. وقد حيّرت {مفارقة المعلومات} هذه الباحثين طوال عقود.

حاول كارلو روفيلي من جامعة مارسيليا في فرنسا وفرانشيسكا فيدوتو من جامعة رادبود في هولندا الإجابة عن هذا السؤال بدراسة فكرة أن الكون، الذي يُفترض أنه بدأ بانفجار كبير، ظهر في الواقع (بسبب تأثيرات الجاذبية الكمية) من {وثبة كبيرة} بعد مرحلة باكرة من التقلص.

تذكر فيدوتو: {أدت تأثيرات الجاذبية الكمية إلى قوة تنافر فاعلة، ما حال دون انهيار المادة وبلوغها مرحلة التفرد، بل وصلت فحسب إلى حالة الانضغاط القصوى}.

نتيجة لذلك، كان الكون {سيثب} مع بلوغ كثافة طاقة المادة معيار بلانك، أي الحجم الأدنى الممكن في الفيزياء، ما دفع الكون إلى التمدد من جديد ليعاود بعد ذلك الانهيار مرة أخرى، وهكذا دواليك.

تُطرح اليوم فكرة مماثلة عن مصير نجم يموت ومواده المنهارة. يذكر الباحثون أن التأثيرات الكمية (الشبيهة بتلك التي تحول دون اندفاع الإلكترون نحو نواة الذرة) تمنع انهيار النجم قبل تقلصه إلى نقطة واحدة أو ما يُعرف بحالة التفرد. فيصبح النجم عندئذٍ غرضاً بالغ الانضغاط ليعاود التمدد خلال عملية تبخر الثقب الأسود وينفجر في النهاية. وهكذا كل ما يسقط في الثقب الأسود يتحرر مجدداً.

انبعاثات غاما

يذكر الباحثون أن حدود الثقب الأسود، خلال تبخره وتقلصه، ستلتقي في مرحلة ما مع حدود نجم بلانك الذي يتمدد بعد {وثبته}. وعندما يحدث ذلك، يختفي أفق الثقب الأسود، ما يتيح لكل المعلومات المحتجزة داخله التحرر.

في هذه الحالة، تُحَلّ مفارقة المعلومات، لأنها تعاود الانطلاق في الكون.

توضح فيدوتو: {للثقب الأسود بقايا ضخمة، نجم بلانك. وهذا يتيح لنا فهم عملية تبخر الثقب الأسود، أي المرحلة الأخيرة من حياته، من دون مفارقات. لا تشكّل المفارقات جزءاً من الطبيعة، بل تُعتبر إشارة إلى نقص في معرفتنا}.

يوافقها روفيلي الرأي، مضيفاً: {لا تكون المعلومات مطلقاً مركزة على نحو مفرط، ومن الممكن أن تتحرر مع انفجار النجم}. ويعتقد روفيلي أن إطلاق المعلومات هذه يولّد أشعة يتراوح طول موجتها بين 10 و14 سنتمتراً. ويعادل هذا طول موجات أشعة غاما.

تذكر فيدوتو: {نرى أمامنا اليوم احتمالاً مثيراً للاهتمام: إذا انهارت المواد في الثقب الأسود من ثم عاودت التمدد، فقد يشكّل هذا التمدد حدثاً بارزاً: انفجاراً كبيراً}.

يضيف هذان الباحثان أن رواد الفضاء شاهدوا على الأرجح نجوم بلانك تحرر المعلومات في الفضاء على شكل حوادث شديدة التوهج تُدعى انبعاثات أشعة غاما.

لا نهاية للفيزياء

أخيراً، إذا أُثبتت هذه النظرية، فقد تشكّل دليلاً دامغاً على أن الجاذبية الكمية موجودة، حسبما ذكر أورلين بارو، باحث لم يشارك في الدراسة من جامعة جوزيف فوريه في غرونوبل بفرنسا.

يضيف موضحاً: {يظهر هذا التقرير أن عدداً من العواقب قد يترتب على الجاذبية الكمية. وهذا مثير للاهتمام بكل تأكيد}.

تقوم الخطوة التالية على تحديد وصف أكثر دقة لعملية الجاذبية الكمية التي تؤدي إلى {الوثبة الكبيرة}. وقد يستعين الباحثون لتحقيق هذه الغاية بنموذج إلكتروني يحاكي انهياراً منطقياً، حسبما أوضح ستيفانو ليبراتي، عالم فيزياء في الكلية الدولية للدراسات المتقدمة في ترييستي بإيطاليا لم يشارك أيضاً في الدراسة.

أخبر ليبراتي Space.com عبر البريد الإلكتروني: {إذا أُثبتت هذه الفكرة بتقديم المزيد من الحسابات المفصلة، فستشكّل دليلاً إضافياً على أن ما ندعوه حالات تفرد في النسبية العامة، ما هي إلا حالات تفتقر فيها نظريتنا الحالية إلى القدرة على تحديد ما قد يحدث، مع أن هذه الحالات تُحلّ بنجاح بواسطة الجاذبية الكمية. في هذه المرحلة، لا يشكّل الانفجار الكبير أو مركز الثقب الأسود نهاية الفيزياء، بل مجرد باب آخر علينا فتحه، وقد يوصلنا إلى قفزة نوعية في فهم طبيعة كوننا}.