من اللافت في التحركات الساعية إلى تعديل قانون هيئة أسواق المال هو فكرة الاستعجال، إذ إن مثل هذه القوانين الفنية لا تحتاج أولاً إلى طرف فني يحدد وجود حاجة أو مبرر للتعديل من عدمه.

Ad

تسارعت تحركات مؤيدي تعديل قانون هيئة أسواق المال خلال الأسابيع الأخيرة وكان صدى هذه التحركات لافتاً في مجلس الأمة، إذ قدمت المزيد من الاقتراحات النيابية، وبعضها بصفة الاستعجال، كما أنه من المقرر أن تناقش اللجنة التشريعية البرلمانية التعديلات المقترحة على القانون مع نائب رئيس الوزراء وزير التجارة د. عبدالمحسن المدعج الأحد، وكذلك خصص مجلس الأمة ساعتين من جلسة الثلاثاء لمناقشة «أوضاع هيئة أسواق المال».

اللافت في الموضوع هو فكرة الاستعجال في تعديل القانون، فمثل هذه القوانين الفنية تحتاج أولاً إلى طرف فني - كالبنك الدولي مثلاً - يحدد وجود حاجة او مبرر للتعديل من عدمه، وإذا أوصى هذا الطرف بالتعديل يتم بعدها تحديد المواد التي يجب تعديلها، أما الاستعجال فلن يفيد من يسعى إلى تطوير هيئة أسواق المال، فضلاً عن أن شريحة كبيرة من الداعمين والساعين إلى تعديل قانون الهيئة لديهم تضارب مصالح مع الهيئة او انهم متضررون من قراراتها.

3 تحفظات

وليت الاستعجال وحده كان التحفظ الوحيد على التعديلات الخاصة بالقانون، اذ إن هناك 3 تحفظات اساسية تشمل المقترحات النيابية، أولها أن التعديلات تلغي جانباً مهماً من استقلالية هيئة اسواق المال، وتخضع مجلس مفوضي الهيئة للوزير بما يتيح له اقالة المفوضين وتشكيل لجان التظلمات، وهو ما سيحولها الى واحدة كغيرها من الجهات الحكومية التي تخضع للابتزاز السياسي والنيابي، خصوصا ان الهيئة تتعامل وتشرف على مصالح المتعاملين في السوق، وتحتك مع المتلاعبين، وكثير منهم من ذوي النفوذ.

أما ثاني التحفظات فيتمثل في الإضرار المباشر بمصلحة صغار المستثمرين عبر تعديل المادة 74 من القانون، الخاصة بتنظيم عمليات الاستحواذ الالزامي, فبينما ينص القانون الحالي وبشكل حاسم على تقديم المستحوذ على 30% من رأسمال أي شركة عرضاً للاستحواذ الإلزامي لبقية المساهمين فإن القانون الحالي يرفع النسبة إلى 50%، وفي هذا إضرار مباشر بمصالح صغار المستثمرين لانه يعطي المستحوذ هامشا عاليا للاستحواذ على الشركة دون تقديم العرض الالزامي لبقية المساهمين، فهناك العديد من صفقات الاستحواذ تمت بنسب تقل عن 50%.

بل ان المادة 74 من القانون الحالي التي تتحدث عن «ملكية مباشرة وغير مباشرة» تم استبدالها بـ «غير مسيطر الى مسيطر» وهنا يفتح الباب لنقاش حول وضع الأسهم غير المباشرة في حالة السيطرة من عدمها، وهذا امر يحول مواد واضحة وصريحة في القانون الحالي الى مواد ملتبسة وخاضعة للتفسير والتأويل الاحتمالات المتأرجحة.

ولا يمكن فهم الغرض من استبعاد صغار المستثمرين من عمليات الاستحواذ كي يعود الوضع كما كان قبل انشاء الهيئة، فوقتها لم يكن هناك شيء اسمه استحواذ الزامي ولا متوسط سعري للتعاملات لتحديد سعر الاستحواذ، بل اتفاق بين ملاك كبار على سعر معين لا يحق للصغار الاستفادة منه، اي ان سهم شركة يتداول بـ 200 فلس يكون سعره في الاستحواذ 500، ولا يحق لملاك السهم البيع بالسعر العالي لأنهم ليسوا طرفا في صفقة الاستحواذ. وفي الحقيقة فإن التعديل، برفع نسبة الاستحواذ الالزامي من 30% الى 50%، يعيد اجواء الاستحواذات قبل انشاء الهيئة ويفرغ فلسفة الاستحواذ الالزامي الخاصة بتعميم الفائدة لصغار المستثمرين من محتواها.

مواد ملتبسة

وثالث التحفظات حول تلك المواد الملتبسة التي تستهدف تخفيض العقوبات حول التلاعب بالتداولات والأسهم وهي تعديلات تثير جانباً كبيراً من الريبة، عندما تتزامن مع إجراءات تأديبية اتخذتها هيئة اسواق المال بحق مجموعة من المتلاعبين في الفترة الأخيرة.

فمثلاً، العقوبات الحالية الخاصة ببعض مخالفات الأسهم التي حددها القانون الحالي بين 5 و100 ألف دينار أو 20 في المئة من قيمة الصفقة أيهما أعلى، واستبدالها بعقوبة أخرى من 50 إلى 500 ألف دينار مع إلغاء الـ20 في المئة، يثير التساؤل بشأن: ماذا لو كانت الغرامة وفق الـ20 في المئة بملايين الدنانير؟ وهل التعديلات تستهدف تحقيق النفع لهيئة الأسواق والمتعاملين والشفافية في السوق أم تستهدف تخفيض العقوبات على المتلاعبين؟ خصوصاً أن هناك صفقات بعشرات الملايين والـ20 في المئة فيها أيضاً بالملايين، فلماذا تسعى التعديلات إلى حرمان الهيئة من الغرامات وتخفيفها على المتلاعبين؟

وكذلك تعديل المادة 119 من قانون الهيئة التي تجرّم الحصول على منفعة أو مصلحة للنفس أو للغير مقابل إفشاء «السر أو المعلومة أو الخبر»، في حين أن التعديلات تجرّم الحصول على منفعة أو مصلحة للنفس أو للغير مقابل إفشاء «السر» فقط دون تجريم استغلال المعلومة أو الخبر، وهذا يفسح مجالا واسعا للمتلاعبين الذين سيحاولون إثبات أنهم حصلوا على معلومات أو أخبار لا أسرار... وهنا نتحدث عن مادة محكمة يتم تعديلها إلى مادة أقل إحكاماً ووضوحاً وفيها هامش أكبر من التحايل.

ومن التعديلات التي تثير المزيد من الشكوك تعديل المادة 122 التي تعاقب في نصها الحالي التعاملات الوهمية والتلاعب في أوامر البيع والشراء وخلق مظاهر زائفة للتداول الى تعديل يقضي بتجريم نفس الأفعال، ولكن باشتراط أن يكون الجرم له اثر مباشر على الأوامر والتداولات بحيث يترتب عليه ارتفاع عدد الأوامر او صفقات البيع والشراء... وهنا نحن امام تفريغ جديد لمواد القانون من محتواها لأنه يمكن لأي متلاعب ان يدعي أن تعاملاته «لم تترك اثرا مباشرا» على الأوامر والبيع والشراء، خصوصا في الأسهم ذات التعاملات المضاربية العالية. هناك الكثير من علامات الاستفهام في الاقتراحات المقدمة لتعديل قانون هيئة اسواق المال والاستعجال فيه لدرجة ان هناك من يريد ان يتم التعديل خلال شهر... فهل لهذا الاستعجال رابط بالعقوبات التي تم اتخاذها مؤخرا ضد مجموعة من المتلاعبين في السوق؟ وهل هناك من يسعى الى عودة فوضى التعاملات التي كانت سائدة في البورصة قبل انشاء هيئة اسواق المال؟