يمكن قياس درجة الارتباك السياسي، الذي يتلبس كل الأطراف بلا استثناء، من سلوك الرئيس المؤقت لبرلمان العراق، الذي لم يصوت على رئيسه بعد، فقد كان مهدي الحافظ، الوزير السابق وخبير التنمية الدولية، في أول جلسة للسلطة التشريعية الأسبوع الماضي، يتحدث بحيرة أمام كاميرات الصحافة، ويطلب مشورة النواب، وهو يعلن تردده بشأن خرق قواعد الدستور التي تفرض أن تشهد الجلسة الأولى اختيار رئاسة البرلمان. وهي حيرة تصاعدت مساء الاثنين حين أعلن تأجيل الجلسة الثانية 35 يوماً، في قرار بدا مباغتاً وغامضاً، ليقوم بعدها بإعلان تقديمها إلى الأحد المقبل، أي بفارق 5 أسابيع بين الموعدين.
الارتباك استدعى تفسيرات عديدة، حيث قال سياسي بارز لـ"الجريدة" إن "الأوساط السياسية تفهم أي تأجيل طويل لجلسة البرلمان كتأخير لأي حوار سياسي من شأنه أن يبعث برسالة داخلية وخارجية مفادها استعداد الجميع لتبني إصلاحات وتسويات عميقة تساهم في نزع فتيل الصراع المسلح الممتد على مساحة شاسعة من الموصل شمالاً حتى مشارف بغداد وسط البلاد"، مضيفاً: "نخشى أن يكون التأخير قراراً إيرانياً، وحينها سنفهمه كقرار بالحرب".إلا أن مصادر شيعية تقول إنها تلقت طلباً من فريق رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي، بمنح مهلة لأنهم يريدون "وقتاً لانتقال بطيء للسلطة"، أي إنهم يخشون أن تؤدي تنحية المالكي بسرعة إلى تداعيات، ويفضلون تأخر مفاوضات تشكيل الوزارة الجديدة بضعة أسابيع أخرى، لضمان انتظام السياقات العسكرية الصعبة، وتهدئة المالكي ومنحه الضمانات الضرورية لقاء تخليه عن فكرة الترشح لولاية ثالثة.وبدا المالكي نفسه غارقاً في الشكوك، حسب مقربين من كواليس الحكومة، وقيل إنه أخذ يصدر "عقوبات بالجملة" ضد مقربين منه، يبدو أنه لم يعد يثق بهم، فقد بدأ يحيط نفسه بعناصر حماية أكثر عدداً وأفضل تسليحاً، معظمهم جاؤوا من مسقط رأسه في بلدة طويريج على حدود كربلاء.من جانبها، أغلقت النجف باب أي تفاهم مع المالكي، إلى درجة أنها اضطرت مرات ومرات إلى أن تتحرك نحو وسائل الإعلام لتنفي أخباراً ملفقة يصنعها حلفاء المالكي بشأن وجود مرونة في موقف المرجعية الدينية، حيال ترشحه.وآخر ما حصل أن فضائية تابعة لرئيس الحكومة نسبت إلى نجل المرجع الأعلى علي السيستاني أنه لا يضع أي خط أحمر على المرشحين لرئاسة الحكومة، لكن المصادر القريبة من المرجع الديني سارعت إلى تسريب رسالة قوية لوسائل الإعلام مفادها "نعم، لدينا أكثر من خط أحمر".ويبدو أن المالكي لا يريد أن يصدق أن الشيعة يتخلون عنه، وهم وسط حرب عاتية مع تنظيم داعش، لأن رئيس الحكومة كان يتصور أن منقذه الوحيد بعد أعوام الفشل الحكومي هو اندلاع نزاع أهلي، أما وجهة النظر الشيعية التي تتقارب مع رؤية واشنطن فتقول إن النصر في هذه الحرب يبدأ بتنحية الفريق الفاشل ومراجعة السياسات بعمق، لردم الفجوة التي خلقها المالكي بتعسف شديد، مع السنّة والأكراد، وكذلك مع المحيط الإقليمي خصوصاً تركيا والسعودية.أما نقطة الضعف، التي تواجه المتفاوضين، فهي أن حزب الدعوة صار بحكم المنتهي، المشلول، مع أنه واحد من أقدم الأحزاب العراقية (تأسس عام ١٩٥٧)، إذ يعترف قياديوه أمام بقية الأطراف بضرورة استبدال المالكي، رافضين سياساته، غير أنهم يعترفون كذلك بما أصابهم من ضعف، بعد تضخم عائلة المالكي، على حساب الحزب، لذلك عجزوا عن تشكيل أي ضغط سواء داخل المكتب السياسي للحزب، أو في مكاتب الحكومة، ليخففوا غلواء سياسات رئيس الحكومة.وبات البعض يختصر المشهد بأن حزب المالكي اقتنع بتغييره، لكن لا أحد من القيادة يجرؤ على إخباره بذلك. وهي اللحظة الأسوأ، لا على صعيد التسويات الميتة للساسة العراقيين، بل وفي تاريخ حزب الدعوة نفسه، والتي قد لا تتيح له أن يتشافى منها بسرعة.
آخر الأخبار
استبدال المالكي يتطلب «انتقالاً بطيئاً» والنجف تبدد شائعات المرونة
10-07-2014