ما إن تدخل هذا العالم التواصلي حتى تجد كثيرين يطلبون منك أن تحب ما يبثون، وأقصد هنا "إنستغرام" على وجه التحديد، هذا البرنامج الذي يعرض فيه الناس صورهم، فكرته بسيطة هو أن تشارك بصورك من تريد بشكل خاص، أو أن تشارك العالم بما تصور من أكل وشرب وملابس ووجهك وحياتك وسفرك، فأنت من تختار وتضع ما تريد، ولكن لا تملك الحق بأن تجبرنا على أن نحب ما تضع، بدءاً من غرباء لا نعرفهم يودون أن نحب صور أبنائهم المشتركين في مسابقة أجمل طفل، وننتهي بصور مفرش كئيب بعبارات سمجة يجبرنا أصحابها أن نحبها.

Ad

هذه النوعية من الطلبات هي نوع جديد من الشحاذة الإلكترونية، التي أصبحت فعليا ظاهرة منتشرة لا سيما لدى المستخدمين العرب حسب ما لاحظت، ويبقى الأمر غريباً بالنسبة إلي أن أكتسب ضغطة "لايك" من شخص أنا أجبرته على ذلك أو حتى توسلت إليه، وهو بذلك لم يقم بمعروف لكرامته ولم يحترمها، ولا أعتقد أن هناك استفادة تستحق أن تتسول خدمة ليست في دائرة إنقاذ الحياة، فمؤسف أن يعيش جيلنا هذا النوع من الهوس الإلكتروني، بات الناس يعادون بعضهم بسبب صور لم تحبها أو بسبب وجود صنم في دائرتك يشاهدك ولا يحبك، وهم على فكرة يغيظونني أنا أيضاً.

بات العالم الحقيقي غير حقيقي، بات صوراً في "أكاونت مستخدم"، نعرف متى تناول غداءه وأين سافر ومن هم أصدقاؤه، وحين نلتقيهم شخصيا قد لا نكلمهم أو نلقي التحية، وهناك أشخاص كانوا بالذكاء الذي جعلهم يستخدمون هذا الموقع للربح المادي، وهو حق لكل شخص، لكن مع ذلك انتشرت الغيرة بين الناس كون هذا له متابعون، وأنا مهما حاولت فلست أمتلك العدد الذي قد يرضيني.

أصبح الناس في حالة مراقبة لمدى شعبيتهم، وكأن الشعبية هي واحدة من أهم متطلبات الحياة، متناسين القيم الأخرى والأجمل في رحلة الحياة، يؤسفني هذا الهوس بالشعبية والشهرة والسعي إليهما بكل الطرق المتاحة وغير الأخلاقية كشراء متابعين، وما إلى ذلك من خدمات وجدت لتخدم حاجة الناس للشهرة والشعبية، فليست المحبة بكثرة من عندك وليست كل شهرة حميدة، ولو أصبح الكل مشاهير فمن سيتابعهم؟

لو يرضى الأفراد بوضعهم وما يملكون في الحياة لأصبحت الحياة أسهل مما هي عليه الآن، ولكن عدم الرضا والقناعة أديا إلى أمراض جديدة نفسية لهذه الحقبة، قد نسمع عن مرض الإقصاء الإنستغرامي أو مرض التوحد الإلكتروني وما شابه، ولكن هل سيكون لها علاج؟

قفلة:

لو كنا أغنياء فهل سنرضى؟ وإن كنا فقراء فهل سنقنع؟ الحل يكمن في دواخلنا.