قبل نحو عقد، كان من المفترض، في خضم الحماسة التي تلت التحرير، أن يتحول العراق إلى أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، لكن هذا ما لم يحدث، وذلك بفضل قرار الرئيس أوباما تخريب خطط التوصل إلى اتفاق كان سيربط العراق بالولايات المتحدة في المجالين العسكري والأمني.

Ad

بعد أن مزقه نصف قرن من الحكم المستبد وتخلت عنه الولايات المتحدة، كان على العراق الضعيف أن يبحث عن حلفاء، وبما أنه محاط بدول ذات أغلبية سنية معادية لحكومة ذات أكثرية شيعية في بغداد، اضطر العراق إلى اللجوء إلى إيران.

ولكن مع حلول "الربيع العربي"، بدأت الأوضاع تتبدل في الشرق الأوسط.

تشمل التبدلات التي تؤثر في العراق تراجع مكانة إيران كـ"قوة ناشئة" تسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفه تقوقع الولايات المتحدة في ظل عهد أوباما، فقد انجرت الجمهورية الإسلامية في طهران، التي مزقتها الصراعات الداخلية وخنقتها العقوبات، إلى حرب مكلفة في سورية، في حين يبدو عملاؤها اللبنانيون في حزب الله عالقين في معركة إنقاذ نظام بشار الأسد المحكوم عليه بالانهيار. في الوقت عينه، نفّر أسلوب طهران المتعجرف وتدخلها في السياسات المحلية العراقية الكثير من العراقيين الشيعة.

ومن الأمثلة المثيرة للاهتمام مقتدى الصدر، الذي يدّعي أنه حجة الإسلام، والذي أصبح لاعباً في السياسات العراقية بفضل الدعم الإيراني، فقد دبّرت طهران عملية نقل الصدر إلى مدينة قم الإيرانية، حيث تلقى التدريب ليصبح ملا، وكانت إيران تخطط لجعله أحد آيات الله في غضون بضع سنوات.

ولكن في الشهر الماضي، انفصل الصدر علانية عن أسياده الإيرانيين، متهماً إياهم "بالتدخل بوقاحة في الشؤون العراقية"، وأقدم الصدر على هذه الخطوة بعد أن فتح "حواراً إيجابيّاً" مع السعوديين، ما يعني بلغة الشرق الأوسط الحصول على شيك كبير للتعويض عن الأموال التي كان يتلقاها من طهران.

لا يُعتبر الصدر السياسي العراقي الوحيد الذي يحاول تبديل ولائه، فتبدو نخبة القيادة بأكملها مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجية أمتها الإقليمية، فالحرب الأهلية السورية، التي بدأت تمتد إلى العراق، أشعلت جولة جديدة من الصراع الطائفي بين السنّة والشيعة.

تعبّر تركيا، القوة التي كان بإمكانها مساعدة العراق في التصدي للنفوذ الإيراني، عن استياء كبير من بغداد بسبب معارضة العراق التدخل العسكري في سورية، أما جيران العراق العرب (الأردن، الكويت، والمملكة العربية السعودية)، فيشكّون في أن المالكي يقف إلى جانب الملالي في خطة لتأسيس "هلال شيعي" يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط.

قدِم المالكي إلى واشنطن كقائد معزول يعمل من موقع ضعيف، فهو يفتقر إلى حلفاء إقليميين يُعتمد عليهم، ولا يستطيع أن يلعب ورقة التحالف مع طهران لأن النظام الخميني مكروه بين شيعة العراق.

أما أكراد العراق من جهتهم، فمنشغلون بتحويل حكومتهم التي تتمتع باستقلال ذاتي إلى نواة "دولة كردية فاعلة" تشمل أكراد سورية. وفي الشهر المقبل، ستستضيف أربيل، عاصمة المنطقة الكردية العراقية، مؤتمراً لمناقشة استقلال كل الأكراد في المنطقة، بمن فيهم أكراد تركيا، إيران، أذربيجان، وأرمينيا.

يبقى الأسوأ بالنسبة إلى المالكي تداعي ائتلافه المزعزع مع اقتراب الانتخابات العامة التي ستُعقد السنة المقبلة، فتُظهر معظم استطلاعات الرأي أن من المستبعد، ما لم يحدث تطور كبير ما، أن يفوز المالكي بما يكفي من المقاعد ليقود ائتلافاً جديداً.

يأمل المالكي أن يكون ذلك "التطور الكبير" عقد صفقة استراتيجية مع الولايات المتحدة.

لربما يخدع نفسه، فقد يتبيّن أن إدارة أوباما الحائرة والبطيئة الفهم عاجزة عن استيعاب ما يحدث في الشرق الأوسط، وقد يكون الرئيس الأميركي أكثر اهتماماً بتحسين العلاقات مع طهران، متجاهلاً قيادة حلفاء الولايات المتحدة في بحث عن هندسة أمنية جديدة في الشرق الأوسط.

ثمة مشكلة أخرى: ربما يحاول المالكي خداع أوباما. صحيح أن رئيس الوزراء العراقي هذا يكره التدخل الإيراني، إلا أنه ما من أدلة تشير إلى أنه مستعد لتبديل ولائه، خصوصاً أن واشنطن قد تعقد في النهاية صفقة مع طهران.

لا شك أن لمستقبل العلاقات الأميركية-العراقية أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى كلتا الدولتين، ولكن من الصعب معرفة كيف تستطيع إدارتان متداعيتان معالجة مهمة مماثلة خلال الفترة الوجيزة المتبقية.

* أمير طاهري | Amir Taheri