ظل إحياء السياسات ذات الصبغة الدينية في السنوات الأخيرة يمثل تحدياً لعلماء الاجتماع ولصناع السياسة معاً منذ نهاية الحرب الباردة، وظلت محاولات فهم الأصوليات الدينية ودورها في الحياة السياسية المعاصرة ملمحاً أساسياً في النقاشات الأكاديمية والسياسية، وأصبح هذا التحدي أكثر بروزا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، بيد أن التطرف الديني ليس ظاهرة إسلامية بحتة، كما أن التعصب والعنف لا يقتصران على موروث دون آخر، لذا ظل هذا الملمح الأكثر بعثاً للحيرة وللسياسات ذات الصيغة الدينية هو بروازها، حيث إن تكاثر الحركات الدينية السياسية وتسيُس الدين باتت ظواهر تتشارك فيها جميع مناطق العالم وبلدانه .

Ad

هذا ما تناوله كتاب "الدين ووظائفه السياسية" لخبير العلاقات الدولية الأميركي سكوت هيبارد ترجمة الدكتورة فاطمة نصر، والذي سلَّط فيه الضوء على انبعاث الدين وتأثيره على السياسة في العصر الحديث، وتطرق لحادثتين مهمتين: مقتل الرئيس المصري أنور السادات، والزعيمة الهندية أنديرا غاندي على يد متشددين دينيين، وأرجع السبب في ذلك إلى تلاعب كل من الزعيمين المقتولين بالسياسة عن طريق إعلاء الخطاب الديني الأصولي لحشد الجماهير خلفهما فقد لقب الرئيس السادات في عهده بـ"الرئيس المؤمن"، وغاندي بالهجوم على الأديان، مما رد السحر على الساحر، فكانت نتيجة سياستهما العنف الذي طال الدولة.

ويرى المؤلف أن الإحياء الديني المعاصر مرده اعتبارات مادية ووجود حرمان اجتماعي اقتصادي ولد السخط والتطرف، لذا ثمة عامل أسهم في تلك الظاهرة، حيث إن الأهمية المستمرة للدين في السياسة الحديثة تنجم عن حقيقة أن الكثيرين يجدون منفعة جمة في تعزيز وجود الدين لحشد المشاعر الشعبية تأييدا لأحد نماذج النظام الاجتماعي الموجودة، أو على الحالات التي يستدعي فيها الدين من أجل تغيير نظام اجتماعي ما، ولذا فإن استخدام الدين أدى إلى إعادة تشكيل السياسة المعاصرة، إذ إن التسييس قد غير الدين، وكانت جهود اللاعبين السياسيين من أجل تعزيز أحد التفسيرات للدين على حساب التفسيرات الأخرى، كما أسهمت في تكاثر الأيديولوجيات الدينية، فقد تم خلط التأويلات الحصرية الإقصائية للموروث الديني مع الأيديولوجيات القومية، وتم استدعاء للتأويلات المتزمتة لموروثاتهم الدينية وليس للدين فقط، في حين أن أغلب هؤلاء اللاعبين كانوا في وقت ما المعارضين الرئيسيين للأفكار الدينية الحصرية المرتبطة بالحركات الأصولية.

واستعرض المؤلف كيفية صعود وهبوط العلمانية في مصر والهند وأميركا، وكان هذا راجعا إلى التوتر التاريخي بين السياسة ذات المنطلقات الدينية، والمدركات العلمانية للنظام الأخلاقي، فقد كان قبول إحدى الرؤى العلمانية للنظام الأخلاقي يقوم الى حد كبير على أساس الرغبة في وجود نوع من التسوية البدئية الضرورية لإقامة أساس للحياة السياسية في مجتمعات متعددة الأديان والمذاهب، وتجلى هذا في الإجماع المؤسسي بكل من الولايات المتحدة والهند وأيضاً في القومية العربية التي نادى بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.