إذا كنت من النوع الذي ينجح تحت الضغط، قد تكون مدمناً على الضغط النفسي. نسمع التحذيرات نفسها مراراً وتكراراً: الضغط النفسي مضرّ بالصحة. لكن بالنسبة إلى كثيرين منا، يبدو أن تحديد المهل النهائية وازدحام جدول أعمالنا لا يعيقان مسارنا، بل إن هذه العوامل أشبه بقوة دافعة من شأنها تعزيز الإنتاجية. إذا كنت تعتبر نفسك من الأشخاص الذين يقدمون أفضل أداء تحت الضغط، فقد تكون مدمناً على الضغط النفسي.

هايدا هانا هي مؤلفة كتاب "الإدمان على الضغط النفسي: 5 خطوات لتحويل علاقتك عبر الضغط النفسي” (Stressaholic: 5 Steps to Transform Your Relationship with Stress )، وهي تعتبر أن الضغوط المعاصرة على وقتنا وطاقتنا سببت إدماناً عصبياً كيماوياً على الضغط النفسي. بالنسبة إلى البعض، تشبه الحماسة التي نشعر بها عند الالتزام بمهلة زمنية محددة النشوة التي يشعر بها المدمن حين يحقن المخدّر في جسمه. تقول هانا: "الضغط النفسي مخدّر”. من خلال تنشيط مركز الدوبامين في الدماغ حيث تنطلق هرمونات الأندورفين التي تعطي شعوراً بالراحة، يمكن أن يعزز الضغط النفسي الأداء موقتاً، ما يشرح السبب الذي يجعلنا نقوم بأمور كثيرة تحت تهديد السلاح.

Ad

أهمية المرونة

لا يكون الضغط النفسي مفيداً إلا إذا تمتع الجسم بالمرونة الكافية لإدارته. بعدما أصبح أسلوب حياتنا مشحوناً وباتت التكنولوجيا تجتاح حياتنا الشخصية وتقلّص الهامش بين العمل والحياة، ربما اقترب اليوم الذي سيشهد تنظيم جلسات لمعالجة الإدمان على الضغط النفسي. لكن على عكس مصادر الإدمان الأخرى حيث تتم إزالة المادة المنشّطة بالكامل من حياة المدمن، لا نستطيع إزالة الضغط النفسي من حياتنا بكل بساطة.

ولا يجب أن نفعل ذلك أصلاً. تقول هانا: "الضغط النفسي يمكن أن يكون مفيداً لنا”. غالباً ما يقول المديرون التنفيذيون ورجال الأعمال إنهم يختبرون نمواً شخصياً ومهنياً عندما يتفوقون على ذواتهم ويواجهون ضغوطاً نفسية عالية فتتدفق هرمونات الأندورفين في الدماغ. تضيف هانا: "لا نريد عالماً يخلو من الضغط النفسي لأننا نحتاج إلى ذلك النوع من التحفيز على النمو”.

ما الداعي إذاً لهذه الموجة التي تدعو إلى تخفيف الضغط النفسي في حياتنا؟ قد تجعلك منافع الضغط النفسي على مستوى الإنتاجية تظن أن أسلوب الحياة المشحون مبرَّر، لكن تقول هانا إن الضغط النفسي، إذا دام لفترة طويلة، يمكن أن يُضعف إنتاجيتنا وقد يترافق مع تداعيات صحية خطيرة.

مجهود إضافي

بعد فترة يعتاد الدماغ على الضغط النفسي، ما يعني الحاجة إلى المزيد منه للشعور بالنشوة نفسها!

مثلما يتوق المدمن إلى إشباع نفسه من المادة التي يدمن عليها، قد يخرج الوضع عن السيطرة حين تسابق الوقت وتشحن أيامك بمتطلبات متضاربة ومتعددة. بعد فترة، يعتاد الدماغ الضغط النفسي، ما يعني أنك ستحتاج إلى مزيد منه للشعور بالنشوة نفسها. قد تتولى مشاريع أكثر مما تتحمّل أو تنتظر حتى اللحظة الأخيرة لإنهاء المهام لأن جهاز الكظر الذي يعزز إنتاج هرمونات الضغط النفسي يكون متعباً، ما يجبرك على بذل مجهود إضافي للحصول على الجرعة نفسها من هرمونات الكورتيزول والأدرينالين التي يتم إطلاقها حين يخضع الجسم للضغط.

الضغط النفسي المزمن له تداعيات صحية بارزة أيضاً، فهو قد يسبب الالتهابات ويضعف مقاومة الجسم للأمراض. تقول هانا: "ربطت الأبحاث بين الضغط النفسي و90% من الزيارات الطبية”. لتعزيز مقاومتنا وتفعيل منافع الضغط النفسي على مستوى الأداء من دون تعريض الصحة للخطر، تعتبر هانا أننا نحتاج  إلى أخذ استراحة من نشاطاتنا اليومية بشكل متكرر. الضغط النفسي لا يكون مفيداً إلا إذا تمتع الجسم بالمرونة الكافية لإدارته!

تتعدد العوامل المهمة التي تساهم في بناء مقاومة الجسم الداخلية وتفعيل منافع الضغط النفسي، من بينها: جلسات التأمل القصيرة، النوم المنتظم لثماني ساعات، إضافة جلسات من النشاط الجسدي، الحفاظ على روابط اجتماعية. توضح هانا: "كل شيء في النظام البشري فيه نوع من الإيقاع أو النبض”. الجسم مصمَّم لإدارة تلك التقلبات. مثلما يرفض الرياضي تشغيل المجموعات العضلية نفسها يوماً بعد يوم (ما يوفر الوقت الكافي للعضلات كي تتفكك وتتجدد)، ينطبق المفهوم نفسه على الضغط النفسي. فترات الاستراحة بين لحظات الضغط النفسي تسمح بتخفيف الالتهابات واستقرار الهرمونات وتعزيز المنافع على مستوى الأداء.

في المرة المقبلة التي تشعر فيها بأنك تسابق الوقت وتواجه أعلى درجات الضغط النفسي، تذكّر أن تأخذ استراحة وتتنزه وتخصص وقتاً للاسترخاء أو قراءة كتاب مثير للاهتمام أو مقابلة صديق في مقهى قريب.