لا أحب رسوم سلفادور دالي ولا أستسيغ ألوانه الصارخة والمجنونة والطفولية والمهلوسة، ولا تقنيته في نقل الشخصيات التي تشبه رسوم عصر النهضة، ولا أستهوي {بوب آرت} آندي وارهول وقدرته الرائدة على توظيف المشاهير والاستهلاك في لوحات وأعمال فنية وفيديوهات.

Ad

 لكن في الواقع بات كل من دالي ووارهول الأكثر تأثيراً منذ عقود، إنهما على كل شفة ولسان، وارهول الأكثر شهرة في القرن العشرين ودالي الأكثر جنوناً وغرائبية، سواء في أخباره أو أعماله. هما نتاج طبيعي لثقافة الاستهلاك الجماهيري وفن الملصق، خصوصاً في زمن الفوتوشوب والاستهلاك البصري وفنون التجهيز.

لم يأت دالي من العراء أو الفراغ. كانت لوحاته نتيجة طبيعية لتحولات الفن وبحثها عن الأنماط المغايرة والمختلفة، وهو أحدث ثورة في هذا المجال. تخطى الجميع في تحطيم أطر الفن السائدة والتقليدية. هو {المجنون} والمهلوس والعاشق الذي حطَّم وظيفة الفن (من دون أن ننسى زملائه الدادائيين والتكعيبيين وعلى رأسهم بيكاسو). اعتمد على التصوير الدقيق للشخصيات لإسقاط المتأمل في لوحاته داخل عالمٍ آخر وُصف غالباً بالحُلُمي واشتهر بالسريالي.

في تكريس الـ{بوب آرت} عالمياً، لا يختلف الأمر مع وارهول. لم يبتكر الأخير هذا الفن، لكن كان نجمه المميز وصار المرجع المؤثر بالأجيال. أراد أن يتلاعب بالطريقة التي تقوم بها وسائط الإعلام الجماهيرية في مضاعفة الصور في تحقيق الشهرة. أظهر كيف أن وسائط الإعلام لا تستغل فحسب شكل مشاهير هوليوود، وإنما أيضاً فضول الشعب الأميركي المرضي تجاه التراجيديات.

ما بين دالي ووارهول أمور كثيرة مشتركة، من الطفولة إلى الشهرة، ويستكشف معرض آندي وارهول {فن. شهرة. موت جماعي} الذي يستمر حتى يونيو المقبل كيف استفاد الأخير من الرؤية العامة لسريالية دالي وكيف كانا متفهمان بالمثل على الصورة المستمدة من الثقافة الجماهيرية.

اللافت أيضاً أن وارهول ودالي عاشا في نيويورك في الفترة نفسها. ربما كانا يعرفان أنهما فنياً من النوع نفسه لناحية الراديكالية. كان دالي راديكالياً في سريالية لوحاته وعلاقته بوسائل الإعلام. استفاد من لعبة الميديا واللغة والأفلام، وعرف وراهول كيف يقتنص شهرة المشاهير والمنتجات الاستهلاكية. جعل من كُتيِّب المستهلك الأميركي محط أنظار الفن لا الاستهلاك، وارسى على نمطية في الفن أصبحت في متناول الجميع، من حساء الطماطم كامبل، وزجاجات الكوكاكولا، ونجوم السينما مثل مارلين مونرو واليزابيث تايلور... استسلم وارهول باكراً للنزعة الاستهلاكية، ولكن فنه أصبح يتمتع بشعبية ومثيراً للجدل.

استخدم دالي وسائل الإعلام الشعبية لتقديم أحلامه وجنونه ورؤيته للعالم بطريقة غرائبية مثيرة للجدل، واستفاد وارهول من وسائل الإعلام الشعبية على أساس أنها موضوع فنه.  

اللوحة الاسم

على هامش ذكرى رحيل دالي ومعرض وارهول، لا بد من الحديث عن جوانب في لوحاتهما، فأعمال وراهول أصبحت قالباً من السهل تقليده، وثمة عشرات الفنانين الذين يستعملون هذا القالب إلى درجة أن الحابل اختلط بالنابل في هذا المجال بسبب كثرة الاستنساخ.

 في ما يخص دالي، أثبت اكتشاف لوحة جديدة له في أسبانيا معنى أن يكون الفن ماركة مسجلة، فالاختصاصي في تاريخ الفنون توميو لامو انتبه إلى اللوحة التي تصور مشهد ملائكة تحوم في السماء حول غيمة هي أشبه بالرحم فوق بركان ملتهب، حين كان يقلِّب لوحات معروضة في متجر مبعثر بالتحف القديمة في مدينة غيرونا شمال شرق أسبانيا عام 1988. واشتراها لقاء مبلغ 25 ألف بيزيتاس (العملة الإسبانية حينها) اعتقاداً منه أنها قد تكون من دالي. كانت اللوحة مجرد خردة بسعر بخس، لكن بعد اكتشاف أنها لدالي تحولت إلى جوهرة. هذه هي لعبة الأسماء في الفن، أو بالأحرى كل ما يتعلق بالمشاهير له قيمته «الفوق متوقعة»، كان سعر اللوحة مئات الدولارات فأصبحت بالآلاف وربما الملايين، وهذا تعبير عن ورطة الاستهلاك والمال في مسار الفنون. قال توميو لامو للصحافيين خلال تقديمه الاكتشاف في معهد مدريد للفنون الجميلة: «كنت سعيداً جداً. كنت أشعر كالطفل في متجر للسكاكر». وأضاف: «عندما رأيت الألوان، اعتقدت أنها قد تكون لوحة لدالي، لكنني لم أكن أملك أي دليل. حققت في الموضوع شيئاً فشيئاً، فأدركت أنها لدالي». في حين أن صاحب المتجر استبعد ذلك بقوة قائلاً إنها تحمل تاريخ 1896، أي قبل ثمانية أعوام على ميلاد دالي.

وأُعيد تاريخ رسم اللوحة إلى عام 1921، عندما كان دالي في السابعة عشرة من العمر وقبل سنوات على انضمامه إلى الحركة السوريالية. واستخدم فريق من الخبراء سلسلة من الطرق التكنولوجية للتوثق من أصل اللوحة. وكشف التصوير بالأشعة تحت الحمراء وجود خطوط بفرشاة الفنان تنسجم مع الأسلوب الذي استخدمه في أعمال لاحقة.

وبحسب توميو لامو فإن دالي المعروف بميله إلى الاستفزاز، استخدم رموزاً رقمية لإخفاء تاريخ اللوحة الحقيقي. وقال: {لا بد من أن دالي يضحك في قبره عندما يفكر أنه خدع العالم أجمع طوال هذه المدة}. وباع المشتري اللوحة إلى شخص لم يكشف اسمه.