هناك حكمة قديمة في البرلمان الإنكليزي تقول: «إن كل شيء يعتمد على الأسلوب الذي يتحدث به الإنسان لا على الموضوع في حد ذاته»، ولذلك قال أحدهم: هناك ثلاثة أسئلة مهمة في أي خطاب، وهي: من سيلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والسؤال الأقل أهمية بين هذه الأسئلة الثلاثة هو الأخير.

لا أريد الدخول في تفاصيل ما يجب أن يكون عليه المترافع، وما ينبغي أن يتوافر فيه من مزايا عديدة، ولكني أريد أن أنتقد نقداً بنّاءً الممارسات التي أساءت ومازالت تسيء إلى المرافعة، فأقول: ليس كل من يرتدي لباس المحامي مترافع بالضرورة، فالمرافعة بريئة من كثير من المحامين الذين تكون مرافعاتهم مملة أو مشوّشة، أو منطوية على تهجم لا مسوغ له، أو يخروجون عن الموضوع إلى ما لا فائدة فيه، ما يسبب التبرم والانزعاج وإن كان القاضي واسع الصدر.

Ad

المرافعة بريئة من كثيرين ممن يحسبون أنفسهم خطباء قضائيين موهوبين، لكنهم ليسوا في الحقيقة سوى ثرثارين لا يكادون يسكتون، قوم يحبون السلاطة والهذر، والتكلف والمباهاة والإسهاب والإكثار، والمنافسة في الغلو والتشدق.

المرافعة بريئة من كثيرين ممن يرافعون للجمهور ويهاجمون قضاة النيابة والحكم، وأطراف الدعوى، كما أن زملاءهم المحامين لا يسلمون من تجريحهم، لا هم لهؤلاء سوى لفت أنظار القاعة المليئة بالجهال والأميين، والسذج من المتعلمين الذين يعتقدون أن تلك هي المرافعة الحقيقية، وأن صاحبها قدير ومحام كبير، ما يجعل القاضي يخرج عن صبره ولا يضبط أعصابه، فتنطلق منه كلمة استهجان، أو إشارة استهزاء، أو تعليق أثقلته مرارة، كأن يقول في نفيه: «وهل أنا غريمك؟» أو يقول «أنت لا تشتهي أن تسكت، وأنا لا أشتهي أن أسمع».

المرافعة بريئة من المترافعين الذين يكررون الكلام ويطيلون في مرافعاتهم من دون طائل، والتي يمكن أن تُختزَل في كلمات. وقد تنطبق على هؤلاء قصة السماك الذي سأل جاريته: كيف وجدت كلامي؟، فقالت: «ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده»، قال: «أردده حتى يفهمه مَن لم يفهمه»، قالت «إلى أن يفهمه مَن لم يفهمه قد مله من فهمه».

طالب قانون:

 خالد غازي الجدعي