الصبر هو القدرة على ضبط النفس بانتظار تحقق حدث مهم، أو الحفاظ على الهدوء في مواقف متوترة أو في وجه المصاعب. حتى إنه يحمل في طياته صفة المثابرة. الصبر ليس سهلاً ولا طبيعياً ولا فطرياً. بل إنه يمنح الوقت فرصته لضمان نضج الناس والظروف، وهو يعكس معنى الانتظار الإيجابي: لكنه لا يعني رفض التحرك بكل بساطة بل التماشي مع الظروف والاستعداد لاستغلال الفرص. في مجتمعٍ يعتبر أن الوقت يساوي المال، تبرز حاجة شديدة إلى التحلي بالصبر. يجب أن نتقبل هذه المفارقة! أساس الحكمةيُقال إن من يتحكم بالوقت يتحكم بمصيره. وبحسب نابليون، يمكن اختصار النجاح بالقدرة على التحكم بالمكان والزمان. يمكن غزو المكان لكن لا يمكن غزو الزمان مطلقاً! بحسب التجارب والمعتقدات الشائعة في العالم، الصبر صفة أساسية وحتمية لكل من يريد اكتساب الحكمة. مثل تقنيات التأمل، يمكن اكتساب الصبر وممارسته. هو يتطلب بذل جهود للتركيز وضبط النفس، ما يتعارض عموماً مع الحركة الطبيعية وقلة الصبر الفطرية. قد يُقابَل الصبر اليومي أحياناً بمنفعة معينة، لكنّ الصبر الروحي هو مفتاح الحل لإعادة التوازن إلى الذات. يعكس المعنى الشائع للصبر واقعاً يختلف عن الصبر الروحي الذي يشكل عاملاً أساسياً في عدد من المعتقدات.تأملفي مطلق الأحوال، يتعارض الصبر مع التأمل من حيث أهمية الانتظار. قد نثبت أننا نتحلى بالصبر في وجه رغبة معينة على أمل أن نحصل أخيراً على ما نعجز عن تحقيقه فوراً بسبب استحالة الأمر أو خطورته. يتخذ التأمل اتجاهاً معاكساً وهو يفترض التخلي عن انتظار أي شيء لأن الهدف الذي يجب بلوغه هو التوصل إلى هدوء داخلي حيث ننسى الانتظار والرغبات والنشاطات، أي كل ما له علاقة بالمستقبل والتوقعات الشخصية. يرتكز الصبر على دوافع معينة، وقد يكون طوعياً أو لاإرادياً، ويمكن ممارسته بشكل واعي وكأنه رد على الرغبة التي تنتابنا. من هذه الناحية، تتفق مختلف الديانات على أن الإنسان لا يتحلى بالصبر أمام فكرة موته الحتمية لأن الحياة مقدسة بالنسبة إلى المؤمنين ويبقى الصبر مفتاح الوجود كله.تطور على مر العصورتغير رأي الإنسان بالصبر بطريقة ملحوظة مع مرور الأيام، وذلك استناداً إلى التغيرات الاجتماعية الكبرى. تختلف مظاهر الصبر لدى الإنسان في مختلف العصور، ولا يقتصر الفرق على الهدف الذي يسعى الناس إليه، بل إنه يتعلق أيضاً بطريقة التعبير عن الصبر. لقد تحول الأخير من حالة واعية إلى نوع من المزايا المترسخة. اتخذ الصبر منحىً براغماتياً كرد فعل على هذا العصر حيث أصبحت السرعة والتغيرات والقدرة على التكيف جزءاً من الوقائع اليومية. تثبت الطريقة التي يستعملها الصبر للتكيف مع مختلف الظروف أن هذه الصفة، مثل عدد كبير من المزايا الأخرى، تكون روحية بطبيعتها: تبقى قابلة للتعديل بحسب الهدف الذي يحدده الشخص الصبور، لذا سرعان ما يمهّد الصبر لاكتساب الحكمة وهو ليس هدفاً بحد ذاته.ترقّبعند تحليل الرابط بين الترقب والصبر بشكل دقيق، يتبين أن الأمر الذي يميز بين الصبر وقلة الصبر ليس تفضيل الحاضر بل غياب الهدف المستقبلي الواعي. قد يرغب شخص معين في تحقيق ما يريده خلال وقت قصير، بينما يقرر شخص آخر الانتظار من دون أن يرغب في شيء. هذا النوع من الصبر يرتكز على الانتظار، لكن لا يتعلق الانتظار في هذه الحالة بأي رغبة محددة. إنه شكل من الانفتاح على المجهول والأحداث غير المتوقعة، أو ما يُعرَف بتحمّل {المسؤولية تجاه الآخر}. يتماشى تغير هذا المفهوم مع الروحانيات الشرقية تحديداً. يشمل بعض الديانات الصبر والقدرة على تحمّل عيوب الغير استناداً إلى المبادئ الروحية. هكذا يعكس الصبر قدرة الروح على تقبّل ما ينفره الفرد في العادة وعلى تحمّل المصاعب بكل تماسك.تجاوز التوتريعني الصبر {تهدئة الاضطراب}، ويرتكز على {غياب الانزعاج} و}فعل الخير}. ثمة ثلاثة أشكال من الصبر: تحمّل المعاناة، القدرة على تحمّل عدائية الآخرين تجاهنا، والقدرة على تجاوز العوائق ومصادر التعب.تحمّل المعاناة: هذا الشكل الأول من الصبر لا يتطلب أي تفسير مفصل لأنّ تحمّل المعاناة له معنى واضح في مختلف الثقافات.القدرة على تحمّل عدائية الآخرين: إذا نجحنا في تحمّل الكلمات المسيئة مثلاً من دون إبداء أي رد فعل، وإذا توصلنا إلى درجة معينة من ضبط النفس، فلن يجتاحنا الغضب بغض النظر عن العوامل الخارجية. هكذا يفقد الشخص الذي هاجمنا شفهياً توازنه ويتوقف عن مهاجمتنا في نهاية المطاف لأن الغضب في جوهره هو اعتراف بالعجز والملجأ الأخير لكل من يفتقر إلى حجج مقنعة. إذا نجحنا في السيطرة على مزاجنا ونوبات غضبنا، وإذا حافظنا على دم بارد وهدوء داخلي في مختلف الظروف، يمكن أن نحسن سلوكنا في المجتمع ونحصل على فرصة التأثير إيجاباً على الآخرين.على صعيد آخر، قد يكون الصبر بمثابة {درع قوي ضد الكلمة المسيئة} أو {سلاح أساسي لكل من يملك القوة}. وهو الصبر العلاج الشافي للغضب، وبدرجة أقل، للتنافر والانزعاج، علماً أن هذين العاملين يؤديان إلى تعكر المزاج بشكل مزمن.تجاوز العوائق: لتحقيق الهدف في الوصول إلى الصبر، يجب اكتساب القدرة على تجاوز العوائق ومصادر التعب، وبالتالي التحلي بهذا النوع الثالث من الصبر.ميزة حقيقيةيجب أن نعرف أن الصبر يعكس ميزة إيجابية. فهو الذي يسمح لنا بالمثابرة في نشاطاتنا اليومية وتحقيق النتيجة المرجوة من دون الشعور بالإحباط. أبرز ما يميز الشخص الذي يتحلى بالصبر هو قدرته على الانتظار تزامناً مع الحفاظ على الهدوء والمزاج الجيد في جميع الظروف تقريباً. إذا كنت بطبيعتك غير صبور أو اندفاعي، إليك بعض النصائح البسيطة لمساعدتك على التحلي بالصبر:• يمكنك أن تترقّب الأحداث، فهذا الأمر حتمي من الناحية العملية، لكن احرص على القيام بنشاط معين أثناء الانتظار: اليوم، تسمح لنا الهواتف الذكية برؤية البريد الإلكتروني وكتابة الرسائل وتدوين الملاحظات والقراءة ومشاهدة الأفلام...• في نطاق المعقول، خطط لتنقلاتك لتجنب ساعات من المعاناة الكبرى أو الانتظار في الصف أو مواجهة زحمة السير. هكذا تحدّ من المصادر التي يمكن أن تفقدك صبرك.• إذا شعرت بأنك تفقد صبرك، قم بتمارين التنفس العميق للشعور بالاسترخاء وزيادة القدرة على ضبط النفس.• إذا كنت لا تجد ما تفعله، أنظر من حولك وأظهر اهتمامك بما يحصل. لماذا لا تشارك في محادثة مع جارك؟• أخيراً، فكر بالمنافع الناجمة عن الانتظار، مثل اللحظات الممتعة التي ستمضيها مع الشخص الذي تنتظره. من الأجمل أن تستقبله وأنت تضحك حتى لو انتظرته لفترة أطول مما توقعت.باختصار، يشكل الصبر جزءاً من السلوكيات البناءة التي تساعدنا على مواجهة الأحداث المزعجة في حياتنا كي نتمكن من تحمّلها وبالتالي اكتساب هدوء داخلي.
توابل
تعلّم قواعد الصبر!
28-05-2014