من حق الباحثين قول كل شيء حول تراث شكسبير ودوره وشخصيته وسيرته الضائعة والملتبسة والمتشعبة والغامضة، ومن حقهم فك ألغازه وأحجيته. لكن كل ما يُقال عن شكسبير يسطع نجمه في لحظة ولكن سرعان ما يبدو عابراً وغير ومؤثر، فيما يستمر مسرح شكسبير في تألقه من مختلف الجوانب ويعتبر أحد أبرز الذخائر للمسرحيين والشعراء، بل يشكل أيقونة اللغة الإنكليزية ورايتها.

Ad

الشك في شكسبير بات مملاً ويغلب عليه الطابع التجاري والتسويقي والتسلقي وربما الترفيهي، في كل مرة يطل علينا أحدهم بمادة جديدة و{يدلقها} في السوق الثقافي باعتبار أن كلامه عن شكسبير عبقرية لم يسبقه أحد إلى تدوينها، وتروح الصحف ووسائل الإعلام تتحدث عنها غامزة من قناعة عبقري الثقافة الإنكليزية.

الشك في شكسبير بات فلكلورياً لكثرة الكتابة عنه، سواء في الصحف أو في الكتب، ونعرض هنا لبعض الشكوك الجديدة. كان الشك الأول من صاحب مسرحيات شكسبير؟ بدأت الأسئلة حول هوية مؤلف «هاملت»، مع أبناء جلدته الفيكتوريين، الذين رفضوا أن يصدّقوا أن ابن أسرة فقيرة يستطيع كتابة شعر ومسرحيات بهذا المستوى، وبحثوا عن الفاعل بين أبناء الطبقة العليا كريستوفر مارلو، المسرحي الآخر في زمن شكسبير، إدوارد دي فير، النبيل والشاعر المسرحي، وإرل داربي السادس، الجامعي وعاشق المسرح. إلاّ أن هؤلاء الفيكتوريين لم يتوصلوا إلى دليل واحد مقنع. وقد عزا البروفسور بريان فيكرز، الخبير الشكسبيري، شكّهم في هوية الشاعر، إلى الجهل والتكبّر الطبقي. واستمرت هذه الوتيرة التشكيكية ولم يشعر بعض غلاة الكتابة من هتك الشخصية الشكسبيرية، وحول كل كلمة ملتبسة في حياة شكسبير يبنون جبلاً من الكلمات والدراسات. فالناقد هارولد تريبيون يحلل متسائلاً كيف لابن تاجر ريفي لا يتمتع بأي ثقافة عالية أن يكتب مثل هذه الروائع. ويقول الصحافي انطوني أوليير سكوت مستنداً إلى عدد من «المشككين»: لا أحد يعرف الكثير عن شكسبير سوى أنه اشترى أراضي، وأقرض مالاً، ولاحق الذين لم يسددوا وأنه مثل في فرقة لندنية، وأوصى بأن يدفن في مسقط رأسه. فلم يترك لا كتباً ولا وثائق.

وزعم جون هادسون أن شكسبير شخص وهمي، وأن جميع ما كُتب تحت هذا الاسم يعود إلى امرأة يهودية اسمها اميليا بوسانو لانييه، وهي ابنة لأم وأب يهوديين هاجرا من إيطاليا. وذهب هادسون إلى أن هذه المرأة انتحلت اسم الرجل «شكسبير» عمداً كي تتجنب الوقوع في مصائب كانت تنتظر كل امرأة مبدعة في ذلك العصر... وهذا الزعم يحتاج الى دراسة خاصة، لا سيما حول علاقة شكسبير باليهود...

زجلية التشكيك

يسخر الشاعر اللبناني بول شاوول من كثرة مدعي اكتشاف من كتب مسرحيات شكسبير، وأخرهم كتاب جديد بعنوان «جان فلوريو، الرجل الذي كان شكسبير» (صدر حديثاً في باريس). وهذه ليست بدعة جديدة، باعتبار أن زجلية التشكيك في شكسبير تعود إلى سنوات، وقد رُشح 142 كاتباً أو شخصاً ليحلوا محل شكسبير. ويضيف شاوول: «لكن المفاجئ هذه المرة أن مؤلف الكتاب لامبرتو تاسيتاري يؤكد أن شكسبير ليس بريطانياً بل إيطالي. لكن الخبراء في شكسبير يشككون في هذه المقولة، إلى جانب مارك توين وفرويد وبورغيس وسواهم وآخرهم بيتر بروك. أما المؤلف الفذ الذي استفاض في نصه من دون أن يقنع، فقد تجاوز كل من قبله عندما اعتبر صاحب «عطيل» يهودياً.

والحال أنها ليست المرة الأولى التي يُشكك في جنسية شكسبير وديانته، فالباحث الإيطالي مارتينيو ايفار، أستاذ الأدب في جامعة صقلية، ادعى بأن شكسبير من عائلة صقلية هاجرت إلى إنكلترا بسبب الاضطهاد الديني، وبأن اسمه الحقيقي هو كرولانزا. دليله إلى ذلك أن كلمة شكسبير هي المقابل لاسم عائلة كرولانزا في الإيطالية!

كنا نسخر من العقيد معمر القذافي لأنه كان يقول إن أميركا اكتشفها رحالة عربي اسمه {الأمير كا}، وأن شكسبير من أصل عربي واسمه {الشيخ زبير}، لكن المفارقة والغرابة أن القذافي لم يأت بأفكاره أو شطحاته الكلامية هذه من كتابه الأخضر أو بنات أفكاره، فهو قرأها في كتب بعض الباحثين العرب، من أستاذ الأدب المقارن في جامعة اوكسفورد، صفاء خلوصي، كان أول باحث عربي ادّعى في مطلع ستينيات القرن الماضي أن شكسبير ليس من أصل إنكليزي، بل من أصل عراقي، وأن والده أو جدّه من جنوب العراق، واسمه الشيخ زبير، نسبةً إلى قضاء الزبير في البصرة، وقد هاجر من الأندلس إلى إنكلترا في القرن الخامس عشر، وهناك تحول اسمه على ألسنة الانكليز إلى شيك زبير ثم إلى شكسبير! وسوّغ ادعاءه بأن كلمة شكسبير ليس لها معنى في اللغة الإنكليزية ومعاجمها، وأيد هذا الزعم أو الادعاء الناقد السوري كمال أبو ديب، الأول ادّعى بأن أصل شكسبير العربي أمر معروف، فـ{شيخ زبير يعني الشيخ زبير. شيك يعني شيخ. سبير يعني زبير. يعني الشيخ زبير. الشيخ زبير بن وليم، أو وليم بن الشيخ زبير، فالقضية محسومة لا شك فيها}. والثاني ادّعى في كتابه {سونيتات أو تواشيح وليم شكسبير} بأن اسمه أيضاً شيخ زبير، وهو سوري الأصل من قرية صغيرة مجاورة لبلدة صافيتا السورية. وأقام ادّعاءه على أساس أنه ليس {أمراً عادياً في إنكلترا إبان القرن السادس عشر، وقبل بناء الأمبراطورية، أن يملك شاعر إنكليزي كل هذا القدر من المعرفة عن المناطق النائية من العالم}...

هل ثمة مسرحية أشد سخرية من هذه الادعاءات والفذلكات، كأننا أمام {اسكتش} {مستر لغات} لعباس شاهين وعادل كرم. يبقى أنه ما الجدوى سواء أكان شكسبير عربياً أو ايطاليا أو افريقيا؟ بالطبع لو عدنا إلى الشاعر سعيد عقل لقال لنا إنه لبناني فينيقي!

صدرت الطبعة الثانية من رائعة صاموئيل بيكيت {في نهاية اللعبة} عن {منشورات الجمل}، بعد الطبعة الأولى التي صدرت عن سلسلة المسرح العالمي الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت في التسعينيات. وتأتي هذه المسرحية بعد {في انتظار جودو} التي صدرت في طبعتها الثانية قبل أشهر عن دار {الجمل}.

المسرحيتان نقلهما بول شاوول إلى العربية بترجمة درامية قابلة للتمثيل ومختلفة عن الترجمات الأدبية التي عرفناها عند كثير من مترجمي المسرح العربي، سواء من ترجموا شكسبير، أو برشت أو هارولد بنتر أو بيتر فايس، أو سوفوكل، أو يوريبيدس أو حتى آرثر ميلر وتينيسي ويليامز. علما أن ثمة مترجمين مهمين في العالم العربي، كالمصري محمد عناني، أو المسرحي الجزائري الراحل محمد بن قطاف، من دون أن ننسى اقتباسات المخرج المغربي الكبير الطيب الصديقي.