ترتبط الكويت مع بلدة دارين في المملكة العربية السعودية بعلاقة تاريخية تعود إلى بداية نشأة الكويت، إذ إن دارين ميناء رئيسي في السعودية تتوقف فيه السفن الكويتية وغيرها، للتجارة والتزود بما تحتاج إليه وهي في طريقها إلى الموانئ الأخرى في الخليج أو في الهند. ويتذكر كبار السن بلدة دارين جيداً ويعرفون سكانها من العائلات العربية التي نزح معظمهم من نجد أو من البحرين أو من المنطقة الشرقية كالاحساء. وقد زرت هذه البلدة الصغيرة مؤخراً وتعرفت على شيء من تاريخها، وتجولت في أحيائها برفقة الأخ صلاح السيف، ومضيفنا الأخ مساعد سعود الغنيم. وقبل الدخول في معالم البلدة، أقول إن دارين ميناء صغير لكنه قديم جداً يقع في الجزء الجنوبي الغربي لجزيرة «تاروت»، التي تقع مقابل مدينة القطيف السعودية. يوجد في دارين أقل من 300 منزل حالياً، وعدد من المساجد وسوق صغير ومدارس وميناء جميل مقابل منطقة مرتفعة من اليابسة يقع فوقها قصر قديم، أو قلعة تاريخية يعود تاريخ بنائها إلى زمن اختلفت فيه الروايات مثلما اختلفت حول من شيّدها. ولدارين تاريخ يعود إلى أكثر من 5000 سنة، وهناك العديد من الآثار القديمة التي لم تحظ بالدراسة والبحث الكافيين لمعرفة تاريخ هذا الميناء. ويقول بعض الباحثين إن الفينيقيين سكنوا هذه الجزيرة ومنها انطلقوا إلى العراق قبل آلاف السنين. ولا أريد أن استرسل في الحديث عن التاريخ القديم لدارين، فهذا ليس موضوعنا، بل أريد أن أتحدث عن قلعة دارين أو قصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني كما يحلو للبعض أن يسميه. هذه القلعة التي اندثرت ولم يبق منها سوى أطلال قليلة تحتل أعلى موقع في الجزيرة وتطل على الميناء. لقد بنيت القلعة حسب رأي الباحث جلال الهارون قبل أكثر من 400 عام ولا نعلم يقيناً من بناها، فبعضهم يقول الإسبان، وبعضهم يقول الأتراك، وبعضهم يقول إن الذي بناها هو الشيخ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني السبيعي. على كل حال القصر سكنه محمد بن عبدالوهاب وأسرته بعد أن قام بترميمه وتوسعته. ويوجد بجانب القصر بيت جميل مازال قائماً كان يسكن فيه عبدالعزيز بن فهد الرزيحان، وانتقلت ملكية البيت إلى ابنته مريم، ثم اشتراه فتحي البنعلي الذي استخدم جزءاً منه كمتحف تاريخي صغير. وقبل أن نختم مقال اليوم، أود أن أشير إلى الارتباط المجتمعي بين أهل الكويت وأهل دارين من خلال قصة للمرحوم عبدالله بن مضف المضف. فقد ولد المضف في الكويت عام 1921، وبعد ولادته بفترة قصيرة تُوفي والداه فقام بتربيته عمه جاسم بن إبراهيم المضف. وعندما بلغ عبدالله من العمر نحو 18 سنة، أبلغه عمه أن له أختاً من الأم تعيش في دارين، حيث إن والدته تزوجت من أحد أبناء أسرة السادة من سكان دارين، وأنها أنجبت منه بنتاً تعيش مع والدها، ففرح عبدالله المضف كثيراً بالخبر، لأنه ليس له أخ أو أخت في الكويت، ولذلك بدأ يتردد على دارين لزيارة أخته لأمه وأسرتها، ولكثرة تردده على دارين أطلق عليه اسم عبدالله الداريني.

Ad

في المقال المقبل سنعرض لكم شيئاً عن شيخ دارين محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، وسنتحدث عن هوشة أهل تاروت مع أهل الكويت.