بكل حسرة نقول إن البلد يسير من سيئ إلى أسوأ، والسلطة إلى الآن تريد الحكم بنفس الأسلوب الخائب الذي دمر البلد منذ 50 سنة إلى يومنا هذا، وهو أسلوب الترضيات والإبر المخدرة دون أن تدرك أن الزمن تغير، وما كان مقبولاً بالأمس لم يعد مقبولاً اليوم، وآخر إبداعات السلطة لترضية هذا وذاك هو الطريقة الكارثية في تسميات الشوارع.

Ad

فبعد أن كانت إعادة تسميات الشوارع لا تتجاوز العشرين أو الثلاثين حالة في السنة خلال السنوات الخمس الماضية، ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 120 حالة خلال السنة الماضية فقط، ولا تفسير لهذا الإسهال في إعادة تسميات الشوارع بأسماء شخصيات كويتية سوى أنه محاولة رخيصة من السلطة لكسب رضا عائلات وفئات معينة ظنا منها أن ذلك سيدعم حكم هذه العائلات ويطفئ غضبها على الحالة المتردية التي يسير بها البلد.

لكن نتائج طريقة التفكير التعيسة هذه حتماً ستكون عكسية لأن الناس بدأت تتساءل: على أي أساس تتم هذه التسميات؟ وما إنجازات هؤلاء (مع كامل الاحترام لهم ولعائلاتهم)؟ وما تعريف الإنجاز أصلاً؟ وأين الشفافية في الموضوع؟ وإذا كان لهؤلاء إنجازات فلماذا تنتظر اللجنة المختصة طلبات من عائلات لتسمية الشوارع بأسماء شخصيات محسوبة عليها؟ فإذا كان هناك شخصيات لها بصماتها على البلد فلماذا لا تطلق أسماؤها على الشوارع بعد دراسة وتحديد معايير من دون تقديم طلبات من عائلاتهم؟!

فهناك الكثير من الأسماء التي أطلقت على الشوارع لا يعرف الناس ما إنجازاتهم، وهناك أسماء يعرف الناس أن إنجازاتهم لا تتعدى كونهم نواباً سابقين أو آباء نواب سابقين أو كانوا مجرد "خوش ناس طيبين"، بينما هناك العديد من الشخصيات التي لها شأن أكبر لكن لم تتم تسمية شوارع بأسمائها! والأخطر من ذلك هو مواقع الشوارع التي تطلق عليها تلك الأسماء، والتي خضعت لمنطق الكانتونات الطائفية والعرقية والقبلية، فتجد أن جميع أسماء الشخصيات التي تطلق على منطقة ما كلها تنتمي إلى قبيلة معينة أو طبقة معينة فقط؛ لأن أغلبية سكان تلك المنطقة تنتمي إلى تلك القبيلة أو تلك الطبقة، وهو توجه خطير يزيد من الانقسام بين فئات المجتمع.

يخطئ من يستخف بخطورة هذه الفوضى في إعادة تسميات الشوارع وأثرها في المجتمع لأنها ليست متعلقة بمنصب يتبوؤه شخص غير مؤهل أو مظاهر فساد أخرى ينساها الناس بسرعة، لأن الناس تمر على شوارع الكويت يومياً وتقرأ هذا الأسماء يومياً، وبالتالي تتساءل يومياً: على أي أساس تمت هذه التسميات؟ مما يعمق الشعور بغياب العدالة الاجتماعية وطغيان منطق محاباة بعض العائلات وبعض الفئات على حساب أخرى.

بل حتى لو أتينا إلى عائلات بعض الشخصيات التي سميت الشوارع باسمها لوجدنا أنها غير راضية وتشعر بالظلم؛ لأنها تعتقد أن هناك شخصيات أخرى أقل شأناً من الشخصيات المحسوبة عليها ومع ذلك أُطلقت أسماؤهم على شوارع أكثر تميزاً من ناحية الطول والموقع!

الخلاصة أن سلبيات هذه الظاهرة كثيرة وخطيرة، وإن كانت السلطة تعتقد أنها ستكسب بعض العائلات بهذا الأسلوب فإنها ستخسر عامة الناس الذين يشعرون بالظلم وعدم المساواة عوضاً عن خسارة بعض الذين سميت الشوارع بشخصيات منها كما بيّنا في الفقرة السابقة.

 ولذلك لا بد من اتخاذ القرار الشجاع بإلغاء كل التسميات التي حصلت في السنوات الأخيرة وإلا فإن هذه الظاهرة ستكون عاملاً يضاف إلى بقية العوامل التي تزيد من تراكم الغضب الشعبي على السلطة وطريقة إدارتها للبلد، وهو غضب سينفجر يوماً ما إن لم تتدارك السلطة أمرها!