بدأت تتكون لدي قناعة بأن طريقة التفكير وما تجيره الأفكار من عواطف مسؤولة بشكل مباشر، ليس فقط عن تقدم الفرد وسعادته، بل أيضاً عن تقدم المجتمع. فالتفكير الإيجابي يساعد الفرد على التطور وبلوغ السعادة، بينما يعوق التفكير السلبي تحقيق ذلك.

Ad

وبما أن العواطف تتشكل لدينا وفق ما نحمله من أفكار، فهي بذلك تلعب دوراً رئيسياً في استعداد الفرد للتطور والإنجاز، أو في استعداده للتقاعس والتذمر. إذاً فالعلاقة متلازمة بين ما نحمله من أفكار وما نشعر به من عواطف، وكذلك هي العلاقة بين ما نشعر به من عواطف وما نعيشه من واقع. لذا فإن عملية تغيير الواقع أو تطويره لابد أن تبدأ أولاً بتغيير نمط تفكيرنا السلبي، ومن ثم تغيير ما نشعر به من عواطف سلبية.

وكما أنه يوجد عقل ووعي جماعي، يوجد أيضاً ما يسمى بالعاطفة الجماعية، وهي تلك العواطف التي يشعر بها الناس بشكل جماعي حتى تشكل ظاهرة مجتمعية "وسوف أتحدث عن دراسة بخصوص هذا الموضوع في مقال مقبل". ومن أهم الوسائل للتأثير في العاطفة الجماعية وتوجيهها الخطابات السياسية. فنوعية الخطاب الذي يستخدمه القادة السياسيون تؤثر بشكل مباشر في عواطف الناس، فإن كان الخطاب إيجابياً شعر الناس بالأمل، وإن كان سلبياً دبت في نفوسهم مشاعر اليأس والإحباط.

تابعت الأسبوع الماضي الخطاب السنوي للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ألقاه في الكونغرس؛ كان خطاباً مميزاً ومفعماً بالإيجابية على الرغم من صعوبة المرحلة التي يمر بها الرئيس والتحديات الخاصة بالوضع الاقتصادي وبمشروع التطوير الصحي وغيرها من الملفات الساخنة والمعلقة، إلا أنه لخص ما تم إنجازه خلال العام الماضي وحدد ما يرمي إليه من أهداف، ثم عرض خارطة الطريق التي سيتبعها للوصول إلى أهدافه.

خطابه أعطى انطباعاً بأنه قائد قوي وجدي، خصوصاً عندما حث المجلس على التعاون معه لبلوغ الهدف، مع تأكيده بأنه ماضٍ في مشروعه حتى وإن لم يجد التعاون المنشود من المجلس. طرح أوباما خلال حديثه أمثلة حول تجارب شخصية ناجحة ومدعاة للفخر كي يؤكد قدرة الشعب الأميركي على النجاح في حال واجهوا الصعاب والتحديات.

مع انتهاء الخطاب لا تملك إلا أن تشعر بالطاقة الإيجابية التي تغمرك وتدفعك إلى العمل دون كلل أو ملل حيث امتلأ قلبك بالأمل ودب فيك النشاط، فهذا نموذج للخطاب الإيجابي المحفز للإنجاز.

لم أستطع تجنب المقارنة بين خطاب أوباما وخطابات الأغلبية من سياسيينا، حيث تشعر عندما تستمع إلى العديد منهم برغبة عارمة في الصعود إلى أعلى مبنى في الكويت كي ترمي نفسك من سطحه نتيجة الجرعة الزائدة من السلبية والإحباط. وفي أحسن الأحوال بدل الشعور بالرغبة في الانتحار، قد تشعر بالغضب الشديد والحقد والكره تجاه مسؤول معين، فئة معينة، مذهب معين أو بعض الخصوم السياسيين.

وعندما يغذي الخطاب السياسي المشاعر السلبية ويعززها، ندخل جميعاً في دوامة العجز والإحباط والاكتئاب وهي مشاعر عدوة للنجاح. والرابح الأكبر في هذه المعادلة هو ذلك السياسي الذي ندعمه لأنه يبرد جبودنا، بينما الخاسر الأعظم هو نحن ومستقبل أجيالنا. وللحديث بقية.