لا تطرح مسألة إقفال جريدة "الشاهد" أسبوعين قضيةَ رأي عام ولا قضية حريات. فهي باختصار تطبيق متأخر للقانون في حق مطبوعة تجاوزت حدود الحرية والمسؤولية الوطنية.

مَن لديه ملاحظات على القانون النافذ فليقترح تعديله، لكن ما حصل مع "الشاهد" ليس تعسفاً يستدعي تضامناً ولا افتئاتاً يتطلب انتصاراً. فلا القضاء متحامل ولا "الشاهد" تستحق التعاطف.

Ad

إنه قرار محكمة وليس قرار سلطة تنفيذية. فالنائب العام طلب، والقاضي فصل في طلبه. ولو كانت "الشاهد" تقترف للمرة الأولى جرمَ التعدي على حريات الأشخاص والهيئات وتنزلق عفواً إلى الإسفاف لقلنا ربما تكون زلّة عابرة. لكن سجلها حافل بانتهاك الحرية المسؤولة، والتعريض بالأشخاص والكرامات، وبالعشوائية المقصودة سعياً إلى تشويه صورة فرد أو جماعة أو نظام. وافتتاحيات "الحرس القديم والحرس الجديد" الثلاث في الأسبوع الذي سبق قرار الإقفال شاهد على "الشاهد". فهي لم تراعِ حرمةً ولم تنتقد حسب الأصول، بل صوّرت البلاد كأنها مركب غارق بلا ربّان، ورجالاتها أفراد مافيا منظمة همُّها النهب الحرام.

لا يستدعي إقفال "الشاهد" أي كلام ملتبس عن الحريات حتى ولو كان القانون سيئاً ويحتاج إلى تعديلات. فيكفي أن صاحب "الشاهد" يتفاخر بأنه يخسر القضايا بالعشرات ويدفع الغرامات بدون أن يرف له جفن، وآخرها يتجاوز مئتي ألف دينار. وكأنه يقول للقضاء: "أنا مستمر في هذا الغيّ ما دمتُ قادراً على الدفع، ولا تظنن أن أحكامكم تردعني عن هذه الممارسات"... ولنتذكر، أليس هو من شتم النائب العام فحكم بالسجن ثم استُبدِلت العقوبة؟!

دعونا من المتضررين الفعليين والدائمين من التجريح. ولنسأل الذين دافعوا عن صاحب "الشاهد" معارضين تأديبها بالإقفال، ما هو شعوركم لو تعرضتم لحملات يومية وشتائم رخيصة ورسومات كاريكاتورية سوقية؟ ألا تعتقدون أن الذين شُتِموا أو أُهينوا صراحةً أو بالغمز واللمز هم أبناء عائلات وأرباب أسر وأصحاب كرامات؟

نموذج "الشاهد" لا يشكل إساءةً إلى مَن يهاجمهم ويشتمهم فقط، ولا إلى الاقتصاد والعملة حين يتعرض بتجنٍّ لمؤسسات مصرفية، بل يتمثل خطره الأشد على الحريات وعلى الصحافة، فيجعل الناس يكفرون بحرية الرأي والإعلام ويعتبرون ضررها أكثر من نفعها ويتقبلون أكثر فأكثر فكرة التقييد السلطوي لها من وزارة أو حكومة أو من نواب معادين أصلاً للحريات.

لا للتضامن مع "الشاهد" صراحةً أو مداورة ولا لـ"نعم... ولكن". هذه مطبوعة تجاوزت واجب احترام المهنة والأصول والقانون وفوق كل ذلك احترام النفس والناس.

الجريدة