قال الراوي: ولما جاءت الأخبار إلى الملك {تبع}، بوصولهم، فرح واستبشر وزال عنه القلق، وأحضر {الرمَّال}، قارئ الطالع، فحضر بين يديه وضرب الرمل فرأى جميع ما فعله {بنو قيس}، وقال إن الصناديق فيها رجال، فأرسل عبيده إلى قافلة {بني قيس} فكسروا بعض الصناديق، فلما رأتهم {الجليلة}، صاحت فيهم: {يا عبيد السوء لماذا تكسرون صناديقي؟} فقيل لها إن الرمَّال يقول إنَّ فيها رجالاً، فتقدمت وفتحت لهم عشرة صناديق، فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش، فقالوا {إن الرمال كذاب} وانصرفوا}.

Ad

 تابع الراوي: إن عجوزاً يقال لها {حجلان}، كانت {رمالة}، ضربت الرمل وعلمت ما فعله {بنو قيس}، وتبين لها أن الصناديق من طبقتين، في السفلي رجال وفي العليا قماش، ولما ضربت الرمل ثانية، رأت {بني قيس} يقتلون الملك {تبع} لا محالة، فقالت: {خير لي أن آخذ الوجه الأبيض عند {بني قيس}، فسارت إلى أن وصلت عندهم، فلما تيقنوا بمعرفتها لخطتهم}، قالوا: {استري على ما ستره الله، وفتحوا صندوقاً وأعطوها ثلاث {بدلات حرير}، فقالت: {}الآن أساعدكم على قتل {تبع}.

ثم طلعت العجوز عند الملك {تبع} والرمال بين يديه، وتقدمت إلى الملك وأشارت توصف حسن {الجليلة} وما أعطاها الله من الحسن والجمال:

 قد زينوا بني قيس لك عروساً

تجلى لأجلك كل هم وكود

للملك حقاً قد أحضروا

مليحة حلالها يزيل النقود

فأرسل وراها وخلي المحال

واسمع كلامي وأجلي الصدود

وادخل على بنت مرة وكن

لطيفاً بقطف ثمار النهود

 

قال الراوي: ولما سمع الملك {تبع} وصف العجوز لـ {الجليلة} نادى على الوزير يأمره أن يحضر {الجليلة} بالتبجيل والتكريم، فدخلت على الملك، وكان جالساً على كرسي المملكة، فسلمت عليه فرد عليها السلام وآنسها بالكلام، ورحَّب بها غاية الترحيب، وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة ألفاظها، فأخذ الملك بحديثها، فطلبت منه، أن يكرم قبيلتها وأعمامها وسادات أهلها، فأمر لهم بمكان ينزلون فيه وأمر بصناديق جهازها وباقي الأحمال بأن تحضر إلى هنا في الحال، لأنها مملوءة بالتحف والجواهر والقماش، {ومع كل ذلك فنحن أولاد عم}.

قال الراوي: فأمر {تبع} وزيره {نبهان}، أن يذهب في جماعة من الأعيان ليجهز قصراً للأمير {مرة}، والد {الجليلة}، ومن معه من بني عمه، وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب وما يلزم من الثياب، فأجاب الوزير: بالسمع والطاعة، وبعدما نفذ الأمر ووضع الصناديق في داخل القصر، التفت الملك {تبع} إلى الأمير {مرة} وقال له: يا عمي ما بقي من بعدي إلا أنت من مقامي فإن غبت أنا تكون أنت حاكماً مكاني} ويقول:

 ألا يا مرحباً يا أمير مرة

أنا منكم وأنتم اليوم مني

ترى لولا الجليلة لي تعاتب

وجابت لي الحسب والنسب مني

فما علمت أننا يمناً وقيساً

بني جدين أخوين بظني

فلا تعتب عليّ بقتل أخيك

ما قد صار ما بالعلم مني

قال الراوي: فلما فرغ {تبع} من كلامه، رحب بأهل العروس، وسأل {الجليلة} عن غرض آخر يمضيه لها، وكانت بدأت تفكر في {كليب}، وقد سمعت صوته عند القصر، يصرخ ويرقص في البستان، فقالت: {نعم أيها السيد الماجد، يبقى غرض واحد، لي نديم اسمه {قشمر}، لا يوجد مثله بين البشر، حلو الصفات سريع الحركات، يضحك الحجر، أحضرته في خدمتي ليسليني عند حزني، فإن حَسُن لديك اطلب أن يدخل ويلعب بين يديك}، فأجابها {تبع} إلى مرامها.

كليب يقتل {تبع}

وأمر الخدام بإدخاله ليرى طرفاً من أعماله، وعند وصوله إلى باب الإيوان نظر إلى السلسلة التي ذكرها {العابد نعمان} فامتنع عن الدخول، حتى أمر الملك الخدام برفعها عن الباب، فرفعوها وجاء {كليب} يمزح ويلعب بسيفه، فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الأرض بيديه ورجليه، فاندهش {تبع} من أعماله واستغرب من أحواله، ثم قال لـ {الجليلة}: {والله يا كاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول}.

 ثم قال قشمر، وهو {كليب}، لـ {تبع حسان}: {إن كنت تريد أن تطرب الآن فمُرّ سيدتي {الجليلة} أن تغنيك بأبيات من الشعر، فإن صوتها مليح ولفظها فصيح}. فقال لها: {هل تحسنين الغناء يا سيدة النساء؟}، فقالت: {أي وأبيك فإن كنت تريد مني أن أغنيك وأطربك وأسليك فمُر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب}، فاستصوب الملك {تبع} كلامها وأمر قشمر أن يقفل باب المخدع، فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الأمل وأنشدت {الجليلة} تقول من فؤاد متبول:

لقد قالت الجليلة بنت مرة

شربت الخمر ما بين الأمارة

شربنا الخمر في كاسات جوهر

فزال العقل وأصبحنا سكارة

بحضرة تبع الملك المسمى

بحسان إذا ما شن غارة

وقد أمسيت في قبضة يديه

ومن حبه شعِّل قلبي ناره

ألا يا حارس البستان صنه

وإن فرطت الطير طارة

فلما انتهت {جليلة} من هذا الشعر، زاد بـ {التبع} الوجد والغرام، ورأى {كليب} يلعب بالسيف الخشب، فقال له {تبع}: {عيب عليك يا قشمر أن ترقص بهذا السيف أمام الملك الأكبر} وأمره أن يدخل إلى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل، فأجاب كليب وامتثل، وعند دخوله إلى ذلك المخدع وجد سلاح {تبع}، فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل، كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل، بعدما فتح صناديق الأحمال وأخرج الفرسان والأبطال، فبقوا في ساحة الدار، وقاموا له بالانتظار، ثم دخل على الملك.

 وهكذا بدأ {كليب} ألعابه بالسيف البتار، ولعب به مثل الأبطال، وتقدم وهجم على الملك {تبع}، فانقطع من الخوف وأيقن بالهلاك والقلعان، فقال: {بالله عليك يا سيد الشجعان أن تعفو عني}، فقال {كليب}: {لا بد من قتلك كما قتلت أبي وأكون قد أخذت ثأري وبلغت إربي}، فقال {تبع}: {إذا كان لا بد لك من هذا الشأن فأمهلني ساعة من الزمن، فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال}.

 قال الراوي: ثم صمم {كليب} على عدم العفو عن الملك اليماني، وقطع رأسه وإخماد أنفاسه، ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم:

يقول كليب قهَّار الأعادي

كلام أشد من ضرب الهنادي

أنا قد صرت هذا اليوم حاكما

أتاني السعد من نيل المراد

أيا {تبع} إلينا قد جيت عاجلا

قتلت أبي وخربت البلاد

فما أبقيت قيمة للأمارة

وقد ألبستهم ثوب السواد

هتكت الأرض يا تبع بفعلك

وصيرت الأنام لك أعادي

جعلت رجالنا تشبه نسانا

وأذللت الأمارة في البلاد

فوالله ثم والله ثم والله

إله خالق كل البوادي

فلست براجع عن قطع رأسك

ولو ملكتني كل البوادي

فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم {تبع} فحوى قصده ومرامه قال: {بالله عليك أيها السيد المحترم أن تعفو عني وتجعلني من الخدام}، فقال كليب: {لا بد من قطع رأسك يا مهان}، ثم ضربه بالسيف على عاتقه، وخرج يلمع من علائقه، فوقع على الأرض قتيلاً، وفي دمه جديلاً، فلما رأته {الجليلة} قد مات زادت بها الأفراح وعانقت ابن عمها وقبلته وقالت له: {مثلك يكون الفرسان يا ليث الميدان}.

عَرشٌ ... وعُرس

 قال الراوي: ثم وضع {كليب} رأس الملك {حسان} المُكنَّى {تبع اليماني} على رأس السنان، وخرج مَنْ معه من الأبطال والفرسان، وطافوا شوارع البلدة وضربوا من وجدوه بالسيف المهند، وهم يقولون في لسان واحد: {هذا رأس سيدكم حسان، فقد عدمناه وقتلناه، وأرحنا الناس من شره وبلاه، ومن عصى هلكناه، ومن أطاع أبقيناه على قيد الحياة، وله منا الأمان على طول الزمان}.

ولما كان أكثر أهل {الشام} يكرهون {التبع}، اجتمع العساكر والأعيان وطلبوا من {كليب} الأمان، فأجابهم، ووعدهم بالجميل والخيرات، فدعوا له بطول العمر، ثم اجتمع {بنو مرة} وأكابر العشائر وقواد العساكر وألبسوه تاجاً مرصعاً بالجواهر، ثم أجلسوه على كرسي المملكة، وجلس قربه وزير الميمنة {نبهان} ووزير {التبع حسان}، ووقف أمامه الحجاب والأمراء والنواب، فحكم في معاملات الناس بالجود والكرم.

 وفي الليلة الثانية، اجتمع سادات القبيلة وزفوا عليه ابنة عمه {الجليلة}، فتعانقا عناق الأحباب، وزال عنهما الغم والاكتئاب، وباتا في حظ وانشراح إلى وقت الصباح، وكانت {الجليلة} طلبت من {كليب} أن يبني لها قصراً من أجمل القصور وينشئ فيه بستاناً يحوي جميع أنواع الزهور، فأجابها إلى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع الممالك.

 ثم نزل إلى الديوان، وجميع الوزراء والأعيان، وأعلمهم بذلك الشأن، فقال الوزير {نبهان}: {لا يوجد في هذه الأيام، من يقدر على ذلك، إلا {معمر} المُختص بالريان، ملك مصر، لأنه هو المشهور ببناء القصور الحسان، وهو الذي عمر قصر {تبع حسان}، فأرسل {كليب} واستدعاه إليه، ولما حضر بين يديه قبل الأرض وسلم عليه فقال له {كليب}: {أريد منك أن تبني لي قصراً من القصور الحسان، لا يوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينة جميلة المنظر تحتوي جميع الأشجار والخضر، فإن أتقنت الصنعة طبق المرغوب، نلت المقصود والمطلوب}.

وأما ما كان من أمر اليمن، فقد وصل خبر قتل {تبع} إلى صنعاء وعدن، فهاج الرجال وكثر القيل والقال، وكان للملك ابن عم من الأمراء، يقال له {عمران القصير}، وكان شديد البأس قوي المراس، فلما بلغته الأخبار صمم على غزو {بني قيس} بعسكر جرار، وركب في مائة ألف مقاتل، وجدَّ في قطع المراحل قاصداً بلاد الشام بكل سرعة واهتمام.

 قال الراوي: حين التقى الجيشان أمر {كليب} أن تقدَّم الفوارس إلى ساحة الميدان، وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الأخصام، فهاج الشجعان وبادروا إلى الضرب والطعان، وكان الأمير {كليب} أول العسكر كأنه الأسد الغضنفر، ثم التقى الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الأهوال.

ووسط الحرب والمعارك، برز الأمير {عمران} إلى ساحة الميدان فصال وجال وطلب نزال الأمير والأبطال، فأراد {كليب} أن يبرز إليه فمانعه حجابه وقالوا: {أيها الملك إن فينا أبطالاً وفرساناً يستطيعون محاربته، ثم برز فارس من الصناديد يقال له {ميمون بن الرشيد} فالتقاه الأمير {عمران} بقلب أقوى من الصوان، ولم تكن إلا ساعة من الزمان حتى استظهر {عمران} وطعن {ميمون} بالرمح فوقع قتيلا وصار في دمه جديلا.

ثم تقدم {عمران} إلى معركة الحرب، وقال: {أين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسية وتعرف شجاعة {اليمنية} و}القيسية؟} فبرز إليه آخر فأذاقه الموت الأحمر، وما زال يبرز إليه الرجال وهو يجندلهم على بساط الرمال، حتى قتل سبعة من الأبطال وكانوا من أكابر السادات، واستمر القتال على هذا المنوال تسعة أيام وهم في إبراز واقتحام.

حديث الرمل

 هنا استعظم {كليب} الأمر، واشتعل قلبه بلهيب الجمر، وقال: ما أريد إلا {عمران} فإذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح}، فلما أقبل الصباح، ركب {كليب} الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز إلى ساحة الميدان لقتل الأمير {عمران}، ولما صار أمامه صَدمَه صدمةً مُنكرةً، أشد من صدمات عنترة.

. ..واستمرَّا على ذلك الحال، إلى أن هجم {كليب} وقال:

ـ {خذها يا {عمران} من فارس الميدان وليث الحرب والطعان»، ثُم ضربه بالسيف على عاتقه، فخرج يلمع من علائقه، فوقع على الأرض قطعتين وحان عليه غراب البين، وبعد قتل الأمير {عمران}، تضعضع عساكر اليمن، فولوا الأدبار وركنوا إلى الهرب والفرار، فتبعهم {كليب} بالعسكر وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمة، وتابع آثارهم، حتى دخل ديارهم، فخرج إليه أكابر البلاد، طالبين العفو والأمان، فأجابهم كليب إلى ذلك الشأن، وارتد راجعاً إلى الشام.

وبعد عشرة أشهر، تم بناء ذلك القصر المذكور، فكان من عجائب الزمان والأوان، لأنه كان في غاية الإتقان، ثم نقل ابنة عمه {الجليلة} إليه، وكانت قد ولدتْ سبع بنات مثل البدور الطالعات، وذات يوم زار {مرة} ابن أخيه {كليب}، وبعدما دار بينهما الكلام طلب مرة أن يرحل برجاله، فرحب كليب بذلك.

قال الراوي: فرحل {مرة} بقومه ورجاله ونوقه وجماله، ونزل في واد كثير النبات، يبعد مسافة تسع ساعات، وكان {مرة} قد شاخ، فأقام الأمير {جساس} على بني بكر، فكان يحسن إليهم ويحكم بالإنصاف، فشاع ذكره واشتهر أمره، فكان الشعراء والفرسان يقصدونه، وهو يكرمهم ويخلع عليهم الخلع الحسان، ولم تكن إلا سنة من الزمان، حتى صار يحكم على مائة وعشرين ألف عنان.

 وأما ما كان من أمر {كليب} فإنه كان في سنوح الفرص يخرج إلى الصيد والقنص، وكان له عدة إخوة كل منهم مشهور بالمروءة والنخوة، وكان من جملتهم {المهلهل} الملقب بالزير، وكان جميل الصورة كأنه البدر، وهو صاحب هذه السيرة والوقائع المشهورة، وكان في تلك الأيام ابن عشرة أعوام، وكان في الشجاعة كسبع الغاب، لا يخاف أحداً ولا يهاب.

نوايا قتل الزير

 وكان {كليب} لفرط حبه لأخيه {الزير سالم} لا يعترضه بأمر من الأمور، بل يقابله بالفرح والسرور، وكان {الزير} يتباهى بشجاعته أمام أخيه وأنه لا يوجد في الفرسان ما يضاهيه، فقال له {كليب} في بعض الأيام: {أراك يا أخي مشتملاً بالملاهي فقلبك خالٍ من الهموم والأحزان}، فقال المهلهل: {ما دمت أنت في الوجود وأنا في خير لا أحسب حساب الغير، ولكن إن جار عليك الزمان وأحاط بك الحساد والخوان فأنا أرد عنك الأثقال وأجندل أمامك الأبطال}.

واتفق بعد ذلك بأيام، أن اجتمع أولاد {مرة} في الخيام، وضربوا تختاً من الرمل ليروا ما يحلّ بهم وما يجري عليهم، فبان لهم أن الأمير {جساس} لا بد من أن يقتل الأمير {كليب} ويظهر الوزير ويأخذ ثأره من دون ريب، ويقتل منهم كل أمير وجبار، بعد وقائع تستحق الاعتبار، فاعتراهم القلق والكدر وأجمع رأيهم على أن يقتلوا {الزير} قبل أن يكبر، وكان من جملتهم الأمير {سلطان بن مرة} فأنشدهم يقول:

على ما قال سلطان ابن مرة

مبيد الضد في يوم النزال

تبين عندنا جساس يقتل

كليب بن ربيعة ولا يبالي

ويأتي الزير بعده يا أمارة

يشتت جمعنا بين الجبال

ويمحي ذكرنا من كل أرض

ويفنينا ويسبي العيال

هلموا نقتله ونبيد اسمه

ونسلم من تصانيف الليالي

 

فلما انتهى السلطان من الشعر والنظم، وسمعه الأمير {جساس} ومن حضر من أبناء {مرة}، استحسنه جميع القوم وركبوا من ذلك اليوم وخرجوا من القبيلة قاصدين أختهم {الجليلة}، وكانوا ثلاثة وأربعين ولداً ذكراً، كل منهم أسد غضنفر، ثم قالوا لها إنه {ظهر في الرمل أن {الزير} يأخذ شأناً وأي شأن، فتنحطّ منزلتنا بين ملوك العرب، فاتفق رأينا على قتله قبل أن يكبر} فقالت: {إذا قتلتموه ينكشف الأمر ويأخذ {كليب} بثأره منكم فيزداد الشر، وما دام الأمر كذلك فأنا أجعل {كليب} يلقيه في المهالك.

 قال الراوي: فصبرت {الجليلة} إلى وقت العصر، حتى حضر {كليب} إلى القصر، وكانت شقَّت جميع ما عليها من الثياب، وأظهرت الغم والاكتئاب، فلما رآها {كليب} على تلك الحال تغيرت منه الأحوال، لأنه كان يحبها محبة عظيمة، فقال لها: علامك يا {جليلة}، مالي أراك في هذه الوبيلة فبكت من فؤاد متبول وأجابته بهذه الأبيات تقول:

أتاني الزير أخيك في غيابك

يريد فضيحتي بين الصبايا

قبضت عليه من عنقه فولى

وراح بسرعة وسط الخلايا

ألا يا أمير قل كيف تعمل

فاقتله وأرده المنايـا

وإن لم تقتله حالاً فإني

أروح اليوم من وسط الخبايا

وتبقى الناس تشتم في قفايا

وتبلى بالدواهي والرزايا.

الزير سالم (1 - 5) تبع اليماني يخضع بني قيس ويستعد لالتهام الجليلة