هل يؤدي تأثر الجمهور بدور أداه الممثل إلى حد الخلط بين شخصيته الحقيقية والشخصية التي يجسدها على الشاشة، بحيث يتحمل تبعاتها السلبية والإيجابية وترافقه في حله وترحاله؟ في تاريخ السينما، منذ بداياتها لغاية اليوم، نماذج كثيرة عن ممثلين ربط الجمهور بينهم وبين الشخصية التي جسدوها على الشاشة، فمحمود المليجي كان، بالنسبة إليهم، رمزاً للشر، كذلك فريد شوقي، واسماعيل ياسين وغيره من نجوم الكوميديا، كانوا بنظر الجمهور أشخاصاً سعداء في حياتهم، ويضحكون على الدوام، مع أن الحقيقة عكس ذلك تماماً.اليوم يستمر هذا الاعتقاد لدى شريحة من الجمهور، فيظلون يطلقون على الممثل اسم آخر شخصية جسدها إلى أن يتابعونه في شخصية جديدة، فيتفاعلون معه سلباً أو إيجاباً وفق طبيعة الدور الذي يؤديه، ويصل الأمر بالبعض إلى حد كرهه إذا كان الدور شريراً، أو التعلق به إذا كان الدور رومانسياً... في الأحوال كافة يعكس تفاعل الجمهور نجاح الممثل وإتقانه لدوره، لذا لا يغضبه أن ينتقد الجمهور تصرفات الشخصية التي جسدها عندما يلتقيه في الشارع والأماكن العامة. ظاهرة إيجابيةأحمد عبدالمحسنعبدالإمام عبدالله{تفاعل الجمهور مع شخصيات كثيرة جسدتها، لا سيما أدوار الشرّ في فترة التسعينيات} يشير الفنان عبدالإمام عبدالله، مؤكداً أن الناس في تلك الفترة كانوا يستوقفونه في الأماكن العامة ويتحدثون معه حول الشخصية التي يجسدها، واعتقد كثر أنها شخصيته الحقيقية.يضيف: {هذا التفاعل من الجمهور رائع، لكن ثمة أشخاصاً يبالغون في ردة فعلهم ما يسبب مضايقات للفنانين. حملت الأدوار التي أديتها سابقاً ذكريات طيبة وأذكر منها شخصيتي في مسلسل {الإبريق المكسور} بمشاركة الفنان القدير خالد العبيد، وشخصية سالم في مسلسل {سليمان الطيب}.يؤكد عبدالله أن تفاعل الجمهور مع الشخصية دليل واضح على نجاح الفنان في تقديمها بالشكل المطلوب، وهذا الأمر ينعكس إيجاباً على الوسط الفني، ويعطيه دفعاً معنوياً وحافزاً لتقديم مزيد من الشخصيات، لا سيما للفنانين الشباب. يتمنى أن يستمرّ الجمهور في تفاعله والثناء على مجهود الفنانين، {شرط ألا يتعدى التفاعل حدوده حتى لا يسبب ذلك إحراجاً لبعض الفنانين}.جواهر{لم أقدم مجموعة كبيرة من الشخصيات، ولكن عندما يتفاعل الجمهور مع أي شخصية أجسدها ينتابني شعور بالفخر والسعادة}، توضح جواهر لافتة إلى أن كثرة الظهور في الوسط الفني من دون تجديد في الشخصيات ليس أمراً مهماً، فيما الظهور في شخصية واحدة كل فترة يؤثر في نسبة كبيرة من المتابعين. تعتبر جواهر أن شخصيتها في مسلسل {ساهر الليل} في جزئه الأول تفاعل معها الجمهور بشكل أكبر من الشخصيات الأخرى التي جسدتها طوال مشوارها الفني. تضيف: {ثمة أشخاص يعتقدون أن هذه شخصيتي الحقيقية، وهذا الأمر جيد خصوصاً أن تفاعل الجمهور مع الشخصية يعني نجاح الفنان في تقديمها}.تعتقد جواهر أن الفنانين، اليوم، يهتمون بردود فعل الجمهور، وعدم تفاعله مع أي شخصية يقدمها الفنان يعني فشله في تقديمها بشكل صحيح، وتتابع: {أتمنى أن يتفاعل الجمهور مع الشخصيات كافة التي أجسدها، سواء على المسرح أو التلفزيون، ما يشكل دعماً كبيراً بالنسبة إلي ويحثني على تقديم مزيد من الأدوار المركبة التي تحمل رسالة هادفة وسامية أنقلها بشكل واضح إلى الجمهور}. أما تفاعل الجمهور بصورة مفرطة، برأيها، فقد يسبب للفنان بعض الإحراج، {لا يعني ذلك أنه يستاء من هذا الأمر بل أتمنى باستمرار أن يتفاعل الجمهور مع ما أقدمه على الساحة الفنية}.علي كاكولي«في كل عام أجسد شخصية سلبية أو إيجابية يتفاعل معها الجمهور بدرجة كبيرة»، يؤكد الفنان علي كاكولي لافتاً إلى أن تعامل الجمهور مع الفنان من خلال شخصية سبق أن جسدها لا يدعو إلى القلق أو الضيق، بل هو إيجابي بشكل كبير.يضيف أن تعامل الجمهور يختلف، حسب الشخصية التي يجسدها الفنان، وعبر عن سعادته بهذا الأمر، «حينما يؤدي الفنان الدور المطلوب منه على أكمل وجه عليه أن ينظر إلى ردة فعل الجمهور، فإذا تفاعل معه وطبقه بشكل حقيقي على شخصيته الخارجية فهذا يعكس نجاحه وقدرته البارعة في إيصال الدور بشكل صحيح».يرى كاكولي أن أدواره في معظمها لاقت الاستحسان، مثل دوره في مسلسل {أميمة في دار الأيتام} مع الفنانة القديرة هدى حسين، ودوره في مسلسل {عطر الجنة} للكاتب حمد بدر، بالإضافة إلى بقية أدواره التي أداها بثقة وإتقان.يتابع: {لا أعتقد أن ثمة دوراً قدمته من دون اقتناع، فمعظم الأدوار التي تعرض علي، سواء على خشبة المسرح أو على شاشة التلفزيون، أدرسها جيداً ولله الحمد تكون ردود الفعل إيجابية، وهذا الأمر بفضل من الله عز وجل}.يتمنى الاستمرار في تجسيد شخصيات مركبة تسهم في تطوره وفي حصوله على أدوار أفضل في المستقبل، {لا يقف طموحي عند حدّ معين بل أريد تقديم الأدوار كافة والشخصيات المختلفة}.الدور الأساسبيروت - ربيع عوادسلافة معمار«لا مشكلة لدي في تعامل الجمهور مع الممثل بناء على الدور الذي يؤديه، وليس من الضروري أن يعرف المشاهد شخصيتي الحقيقية، المهم إيصال الشخصية بالشكل الصحيح للمشاهدين»، تؤكد سلافة معمار لافتة إلى أنها تتفهم لهفة الناس لرؤيتها في لقاءات إعلامية ليتعرفوا إلى شخصيتها التي لا تعبر عنها في أدوارها التمثيلية، معربة في الوقت نفسه، عن إيمانها بالكيمياء بين الممثل والمشاهد.تتابع: «يحبني البعض ويكرهني البعض الآخر مهما كان الدور الذي أؤديه، ربما يذكّرهم شكلي بشخص لا يحبوه، فما من إنسان لا تختلف وجهات النظر حوله».حول كيفية تعاملها مع النقد توضح: «إذا جاء من شخص في المجال الفني أطالبه بإبداء رأي مهني وأقول له نورني، أما المشاهد فيحقّ له أن يقول ما يريد».نهلة داود«حين يتأثر المشاهد بشخصية الممثل التي يؤديها في عمل ما، جيدة كانت أم شريرة، فيعني ذلك أن الممثل نجح في أداء دوره وهذا هو المطلوب»، تقول نهلة داود لافتة إلى أنها، حين يعرض عليها دور معين، لا تفكر بالشخصية إذا كانت تحمل صفات حسنة بل بالدور ككل.تضيف: «عندما أقرأ عملا ما وأجد أن الفريق متكامل وجوانب تنفيذه مؤمنة كما يجب، وعناصر نصّه متكاملة، وسأضيف شيئاً معيناً خلال مشاركتي فيه، عندها لا أفكر بماهية الدور، إنما بالباقة المتكاملة التي يتألف منها العمل، خصوصاً أن نجاحه ككل وأداء دوري بطريقة صحيحة وحقيقية، سيدفعان المشاهد إلى النظر بعين مهنية حرفية، من دون الاهتمام ما إذا كان دوري شريراً او لا».وعن التنويع في الشخصيات تتابع: «بعد تقديمي شخصية «الشيخة ناهية» في مسلسل «وأشرقت الشمس»، كان لا بدّ من شخصية جديدة مختلفة، فكانت «نجيبة» في مسلسل «اتهام» (عرض في رمضان) المرتبكة دائماً ولا تعرف كيف تتصرف. إنها شخصية بسيطة في شكلها الخارجي لا توحي بقساوة «ناهية»، وهذا أمر مقصود بهدف التغيير».مجدي مشموشي{الممثل الجيد يؤدي الأدوار كافة، لكن المخرجين يسندون إلي أدوار الشر أكثر لأنها صعبة وأنا تخطيت مرحلة الأدوار التافهة}، يؤكد مجدي مشموشي، مشيراً إلى أن الناس يحبونه في أدواره المختلفة.مشموشي الذي عرف بتنوع أدواره والشخصيات التي جسدها حتى لو كانت في معظمها شريرة، وعد الجمهور بشخصيات جديدة يتحضر لتجسيدها، موضحاً أن الناس يتأثرون، أحياناً، بشخصية الممثل الذي يؤديها ويأخذون موقفاً منه، {هذا نجاح في حد ذاته ويكونون في قرارة أنفسهم على يقين بأن ما يجسده الممثل لا يعبر عن شخصيته الأساسية}.أعرب مشموشي عن فخره برأي الناس والصحافة بتمثيله، معتبراً ذلك أهم من الفوز بأي جائزة أخرى، فكل شخص يوقفه في الشارع ويلقي التحية عليه، وكل صحافي يمدحه... ذلك كله بمثابة جائزة له.تقلا شمعون{بات الجمهور يميز بين أداء الممثل وبين شخصيته الحقيقة، بالتالي اختيار الدور وتركيبته ونوعيته الأهم عندي} توضح تقلا شمعون، مشيرة إلى أنه حين يتعامل المشاهد مع الممثل بناء على الدور الذي يقدمه، فيتعاطف معه في حال كان دوره مسكيناً ويتمنى له الأسواء في حال كان دوره شريراً، يعني ذلك أن الممثل أدى مهمته على أكمل وجه.تضيف أن الإطلالات التلفزيونية والمقابلات الصحافية وغيرها كفيلة بإبراز شخصية الممثلين الحقيقية. حول ضرورة التنويع بين أدوار الشر والخير تتابع: {برأيي يتحمّل الممثل بنفسه عملية إبقائه في قالب معيّن، وليس المنتج، إذ من الضروري أن يدرك الممثل كيفية رسم مسيرته عبر اختيار أدواره. شخصياً، أرسم مسيرتي بنفسي لأنني لو أفسحت في المجال أمام المنتج لتسييرها، لكنت استمريت بالصورة النمطية نفسها منذ سنين، ففي كل مرة أؤدي دوراً ناجحاً تنهال عليّ العروض لتقديم شخصية مشابهة، وأنا أرفضها}.ظاهرة موقتة وضريبة للنجاحالقاهرة – بهاء عمريرى ماجد المصري، أن مسألة تقييم الجمهور للممثل بناء على الشخصيات التي يجسدها، ظاهرة غير فاعلة في الواقع، ذلك أن انتشار وسائل الإعلام والقنوات الفضائية أعطى فرصة لظهور الممثلين في برامج منوعات والتحدث عن حياتهم الشخصية وكيفية تعاملهم مع الأدوار التي يؤدونها، ما يساعد في جعل الشخصية الحقيقية للممثل أكثر قرباً من الجمهور.يضيف أن الانطباع السلبي، في الماضي، في حال كان الدور الذي يؤديه الممثل يتسم بالشر يظل لصيقاً بالممثل لفترة طويلة حتى يشارك في دور آخر، فيما يبدو الجمهور اليوم أكثر تفهماً لطبيعة الدور.يتابع: «يجب أن يصل الممثل في إقناع جمهوره إلى حد نسيان شخصيته الأصلية، لكن من دون تقييم الممثل على أساسها ووصمه بأخطائها وعيوبها».بين الحقيقة والخيالتتذكر رانيا يوسف دورها في مسلسل «أهل كايرو» الذي جسدت فيه شخصية سيدة مجتمع تحيط بها علاقات مشبوهة وجرائم فساد، وانتهى بها الأمر ضحية جريمة قتل، مشيرة إلى أن الدور ظل لصيقاً بها فترة طويلة إلى حد أن الجمهور كان يناديها«صافي» (اسم الشخصية في المسلسل)، فاعتبرت ذلك نوعاً من الإعجاب بالأداء وليس تحميل الممثلة خطايا الشخصية.توضح أنه ليس من الإنصاف أن يتعامل الجمهور مع الممثل بناء على الشخصية التي يقدمها، واعتبارها جزءاً من شخصيته الحقيقية، فهي رغم ذلك، لم تفكر يوماً في رفض شخصية ذات طبيعة سلبية، خوفاً من الربط مع شخصيتها الحقيقية.تضيف أن الأمر لا يقف عند حدود الشخصيات السلبية فحسب، بل قد يعتبر البعض أن أداء شخص لدور كوميدي تعبير عن أنه يضحك طوال الوقت ولا هموم لديه أو مشاكل، وهو أمر غير طبيعي أو منطقي.بدوره يشير هاني رمزي إلى أن بعض المتابعين لا يفرق بين طبيعة الفنان الذي يظهر على الشاشة ساخراً وضاحكاً في حال كان كوميدياً على سبيل المثال، وبين حياته في الواقع، فرغم حرص الفنان الدائم على الابتسام والبشاشة في المناسبات العامة حتى لو كان يواجه مشكلة، لكنه كإنسان، تظهر المشكلة على ملامحه أو تصرفاته، موضحاً أن البعض قد يفسر ذلك بأنه تعال على الجمهور وينسى أن الممثل الكوميدي إنسان بالدرجة الأولى لديه هموم ومشاكل.لا يعتبر المقارنات بين الممثل وشخصيات أعماله ممتدة التأثير بل موقتة تنتهي بظهور عمل جديد، بينما كان الأمر في الماضي يستمر لعقود طويلة، ضارباً المثال بممثلين مثل محمود المليجي، وزكي رستم، وعادل أدهم الذين برعوا في أداء أدوار الشر مع أنهم شخصيات ودودة في حياتها الطبيعية، حسب ما يحكي المقربون منهم، في المقابل ثمة ممثلون كوميديون مثل إسماعيل يس، وعبد الفتاح القصري انتهت حياتهم بمأساة وإفلاس.إفراط وضيقتعتبر دينا فؤاد أن تلك المقارنات والتعامل مع الفنان على أساس الشخصيات التي يجسدها، مسألة تحتمل وجهين: الأول إيجابي ويتمثل بنجاح الممثل في إقناع الجمهور بالدور الذي يقدمه والتأثير فيه إلى حد تذكره بعد الانتهاء من مشاهدة العمل وربط الدور بالفنان، وهو مات تعتبره نجاحاً للممثل.الثاني سلبي، تقول في هذا السياق إن أي أمر إذا زاد عن الحد فقد ينقلب إلى الضد، بمعنى أن الإفراط في التشبيه بين الشخصيات التي يجسدها الممثل وطبيعته قد يتسبب أولاً في ضيق الممثل بشخصية يقدمها، وقد يشكل ضغطاً نفسياً ودافعاً لرفض أعمال شبيهة خوفاً من تعامل الجمهور مع الفنان بشكل سلبي.وتلفت دينا فؤاد إلى أنه من الضروري عدم سقوط العاملين في الوسط الفني في فخ التكرار للشخصيات وحصر الممثل في نوعية أدوار بعينها، ما يسهم في ترسيخ قناعة لدى الجمهور بأن الشخصية التي يقدمها على الشاشة هي جانب من طبيعته.
توابل
لماذا يتوه الجمهور بين شخصية الفنان الحقيقية والدور الذي يؤديه؟
16-08-2014