لماذا تخصصت في أدب الطفل؟

Ad

من الطفولة تكون البداية، والأمم التي ترقى بمفاهيمها ترقى بطفولتها.. ولنا في رسولنا الكريم )صلى الله عليه وسلم (الأسوة المثلى، ومن يتتبع حياة الرسول الكريم وعنايته بالطفولة يدرك مدى عمله الاستراتيجي البناء، وقدرته على التعاطي مع هذه الفئة الصغيرة البريئة، لأنه يعلم ما تعني هذه الفئة وما هي مقبلة عليه. ولم تكن تلك العناية رفاهة، إنما من أسس البناء الاجتماعي للدولة. بل أن اعتناءه بالأطفال بلغ حد تقصير وقت الصلاة أو زيادته. وردّ بعض الفتيان عن الحرب رغم عزمهم، وحرص على تعليمهم وتوفير وسائل الترفيه والتسلية والثقافة الممكنة في ذلك الزمان. وكان يستمع لهم، ويتودد إليهم، يمازحهم، يعطيهم بعض الأسرار، يمنحهم ثقته، ليكونوا قادة ونجوماً في المستقبل.

وأين نحن اليوم من ذلك؟

اليوم تغيرت مفاهيم كثيرة، أصبحت الوسيلة أهم من الغاية، وباتت قيمة الأشياء ببريقها لا بمضامينها. لم تعد الطفولة هماً، بتنا نسمع بمؤتمرات وأبحاث هنا وهناك، يحضرها مكرمون، يخرجون بعد حصولهم على درع التكريم ويتركون القاعات خالية. معظم مؤسسات الطفولة أصبحت ديكورات، وأحلام الطفولة تسمرت أمام الشاشات الكبيرة والصغيرة، نسمع خطباً رنانة ولا نجد إلا تجارب محدودة تبدأ وتنتهي من دون تأثير كبير وثمرة واضحة... وأشير هنا إلى أن دولة الكويت كانت ولا تزال سباقة في جوائزها التي تقدم سنوياً لتشجيع الكتابة للطفل، في مجالات مختلفة، من مسرح وقصة وشعر وموسيقى وكرتون.. وهي تقدم سنوياً أعلى الجوائز في هذا القطاع.

ما سر كل هذا الاهتمام بالطفل؟

يهمني العمل للأطفال وليس معهم، الأول تجربة أعمق ليست مزمنة ولا مرحلية. صحيح أن العمل للطفل مرهق وغير مجد في حينه... لكنه يعطي ثماراً بعيدة الأمد. أما لو عملنا من خلال منهجية عملية علمية تطبيقية جماعية واضحة، ليس كما نرى من فردية أو مستوردة، أو من خلال لجان مهمتها موقته، أو باستعارة برامج مدبلجة، وأفكار محنطة... لأصبحت الأمور كلها مختلفة. وحتى ذلك الحين يبقى العمل الفردي أجدى نفعاً لأن مستلزمات العمل الجماعي الإبداعي غير متوافرة لدينا حتى الآن.

ماذا تقصد بذلك؟

أقصد أموراً كثيرة لا تقتصر على جانب واحد. أذكر مثلاً برنامجاً للأطفال، أكثر من ثلثه مستورد مع أن ميزانياته كبيرة جداً، كل شيء لدينا مستورد، ليس عندنا منتج فكري مميز يمكن اعتماده للطفل العربي المسلم في كل مكان، حتى الأفكار نستوردها من الخارج... عندما يريد أحد ما أن ينشئ مؤسسة معنية بالطفولة يبحث في الغرب... المؤثرات الغربية والرسوم الأجنبية... وبات كثير من إنتاج العرب غربي الهوى... وبعض بلادنا مناهجها معربة... وحتى المساحة التي يسمح لنا بالتحرك خلالها لا نتقن فيها عملية التعليم، بل نرى أن التلقين هو الغالب.

كيف؟

الطفل اليوم في حالة تغريب شبة شاملة ممنهجة، وبعض الاستثناءات مهمشة، لو سألنا مجموعة من الأطفال كيف يمضون أوقاتهم اليومية سنجدها موزعة بين فضائيات غربية، أو مستغربة، وبين ألعاب البلاي ستايشن والآيباد والشاشات المتنوعة... وغير ذلك من ملهيات غير المجدية... وحتى محطات الأطفال التي تريد أن تكون جادة نراها إمَّا متعثرة لا تكمل مشروعها، أو مضطربة ومضطرة إلى ركوب الموجة واللجوء إلى برامج خفيفة مربحة سريعة الإنتاج، بسيطة التكاليف، فيظهر المشروع البناء تجارة.

وأين يقف أدب الطفل العربي من كل ذلك؟

أدب الطفل العربي هو اليوم مثل أي موضوع يتعلق بالطفل، لكنه أكثر تهميشاً لأسباب عدة. أولا، أين هم الأدباء المسلمون المهتمون بالأطفال؟ أطلعت أخيراً على دراسة علمية في مصر أفادت أن أدباء الأطفال العرب المعاصرين لا يتجاوزون المئتين... وبعضهم ذهب إلى رحمة الله... والمقصود طبعاً الأدباء المحترفين وليس الهواة، ثم ما هو معيار أدب الطفل... أعرف أشخاصاً ممن تجاوزوا الخمسين وليست عندهم أي تجربة وأي علاقة بأدب الطفل ومفاهيمه، فجأة يريدون كتابة قصة للطفل. في إحدى المرات اطلعت على قصة فائزة في جائزة إقليمية كبرى... فوجدت فيها عشرات المشكلات من دون ذكر الأخطاء اللغوية لأنه يمكن تجاوز الخطأ اللغوي وتعديله، أما الخطأ المعنوي فلا يمكن تعديله.

ومن المسؤول عن وضع هذه المعايير؟ أليس أدباء الطفل أنفسهم؟

لا تقتصر المسألة، باعتقادي، على أدب الطفل وحده، إنها منظومة متكاملة. الفكرة في مجتمعنا ليست ناضجة، مثل أي عمل نقوم به ونستهدف الطفل، حتى بات الأخير ساحة للتجارب الفاشلة، وأصبحت لدينا اليوم على امتداد العالم العربي نماذج مشوهة، نراها يومياً على التلفزيون، فتبدلت المفاهيم والقيم، ولم تعد الأمور مجرد نزهة، بل معركة طويلة الأمد، محنة حقيقية، وليست كما يقول البعض ويتكلم. الطفولة تعاني إما من جاهل لا يعي خطورة الواقع، أو من لا مبالٍ بالواقع نفسه، أو من منشغل بهموم أخرى... والأخطر من كل هؤلاء من يريد أن يطبق مفاهيم الآخرين على صغارنا، ليشيع بينهم أفكاراً أخرجت الكثير من أبنائنا عن قيمهم، وباتت مساجدنا مهجورة إلا في أوقات محددة، وباتت مدارسنا مجرد مستوعبات بشرية تؤقت لفترة محددة، وبات الكتاب مصدر هم لا للطالب وحده بل للمسؤول والتاجر والكاتب.

كيف تفسر فشل أدب الطفل العربي في تحقيق العالمية؟

علينا أولاً أن نحقق «العربية» قبل أن نفكر بالعالمية. لدينا مهمة تخص طفلنا العربي المسلم ولا نستطيع منافسة الغرب في كثير من الأمور، فكيف نطلب من الأضعف أن ينافس! خصوصاً أنّ بيئاتنا العربية ليست بيئات حاضنة لمثل هذا الأدب... كأمور كثيرة في عالمنا العربي.

وهذا التراجع خارج من رحم الواقع. هل كل شيء في العالم العربي «متقدم» بينما أدب الطفل المسلم متأخر! إنه جزء بسيط جداً من منظومة متكاملة، لو صلحت المنظومة صلح حال هذا الأدب... وليس العكس.

تنشر قصصك على الإنترنت... ألا تخشى السرقات الأدبية؟

على العكس تماماً، أرحب بالسرقات الأدبية، وأقصد طبعاً ما أكتبه للطفل. ولطالما تمت طباعة قصصي هنا وهناك من دون إذني.. وبعض القصص... بل كثير منها وجدت عليها اسم شخص آخر.

ألا يزعجك ذلك؟

على الإطلاق، بل يفرحني. المهم عندي أن تصل الفكرة إلى الطفل... وهذا أفضل شيء عندي، فمرحى بالسرقات الأدبية كرمى لعيون الأطفال.