أصدر المجلس الأعلى للتخطيط تقريراً شاملاً عن أداء الوزارات والجهات الحكومية، تبدأ «الجريدة» نشره كحلقات يومية تستهلها اليوم بالتقرير الخاص عن التعليم في الكويت، وأسباب ضعفه وتراجع التحصيل العلمي للطالب.

Ad

وبين التقرير أن تكلفة الطالب الكويتي في التعليم تفوق كثيراً المتوسط السنوي العالمي الطالب الواحد بمقدار 11 ضعفاً، مؤكداً أن النظام التعليمي في السنوات الاخيرة شهد تراجعاً في مستوياته ومكوناته، مما يشير إلى وجود أزمة حقيقية.

وقال التقرير إن الدراسات السابقة كشفت عن ضعف عام لدى الطلاب في جميع المراحل في مادتي الرياضيات واللغة الإنكليزية، مما يمثل وضعاً خطيراً، ولاسيما أن هاتين المادتين تعتبران من المرتكزات الأساسية في تطوير مناهج التعليم في الدول المتقدمة، محذراً في الوقت ذاته من المناهج الدينية التي لا تخلو من شوائب وسيطرة العقل الأصولي عليها، مما يؤثر سلباً في حالة التماسك الاجتماعي.

اعترفت الحكومة بفشل التعليم في الكويت، بسبب ضعف اداء النظام التعليمي، وارتفاع نسبة الرسوب والتسرب، وضعف ارتباط التعليم باحتياجات السوق، وضعف معايير جودة التعليم، وقلة ساعات التدريس، وضعف مخرجات التعليم كأحد مهددات التماسك الاجتماعي، فضلا عن ضعف الخدمات التعليمية، وعدم اعتماد الجودة في تعيينات المعلمين وضعف طرق التدريس.

وكشف تقرير المجلس الاعلى للتخطيط ان تكلفة الطالب الكويتي في التعليم العام بلغت 14475 دينارا، اي ما يعادل 50662 دولارا، اجمالي تكلفة الطالب في مرحلة التعليم الاساسي، وهذا يعني ان تكلفة الطالب الكويتي في التعليم تفوق كثيرا المتوسط السنوي العالمي للطالب الواحد الذي يبلغ 4611 دولارا بنحو 11 ضعفا.

وقال التقرير ان ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس يرتبط بازدياد الانفاق على التعليم في بلدان العالم المتعددة، فقد بلغ متوسط الانفاق على التعليم في الكويت 17% من اجمالي الانفاق الحكومي في عام 2004، بعد ان كان 10.1% فقط في عام 1999، وهذا الانفاق يتعدى النسبة المخصصة في معظم الدول الاوروبية التي وصلت إلى 13%.

وأضاف ان الموارد المخصصة لتعليم كل طالب في مراحل التعليم العام زادت من 6636 دينارا في العام الدراسي 2000-2001 الى 14475 دينارا في عام 2008-2009، اجمالي تكلفة الطالب في مرحلة التعليم الاساسي، حيث كان متوسط تكلفة الطالب في مرحلة الرياض 3983 دينارا في العام نفسه، والابتدائي 2870 دينارا، والمتوسط 3220 دينارا، والثانوي 4402 دينار.

وزاد ان الكويت تحتل المرتبة السابعة عشرة في العالم من حيث الانفاق على العملية التربوية، ووصلت نسبة انفاق الكويت على التعليم عام 2011 الى 13% من مجموع الانفاق العام، وتمثل ما نسبته 3.9% من الناتج المحلي الاجمالي، مقابل نسبة 1.3% في الامارات، و3.3% في سنغافورة، وهذا الانفاق يتجه الحجم الاكبر منه الى التعليم التطبيقي والجامعي، حيث يزيد الانفاق عليهما بمقدار ضعفين الى ثلاثة اضعاف الانفاق على المراحل التعليمية الاخرى، اضافة الى ان معظم هذه المصروفات يوجه الى المرتبات والاجور والمباني، حيث تشمل 80% من المصروفات.

وشدد على ان النظام التعليمي في السنوات الاخيرة شهد تراجعا في مستوياته ومكوناته، ما يشير الى وجود ازمة دقيقة يمكن رصدها في المظاهر التالية:

ضعف أداء النظام التعليمي

إن احدث مؤشر للتنمية البشرية هو المؤشر الذي يعتمد بشكل رئيسي على الحالة التعليمية او المستوى التعليمي للشرائح السكانية بالدول بحسب معيار البنك الدولي عام 1999، وبحسب هذا المعيار اصبح الإنسان ومدى نموه وتطوره في الجانب المعرفي والمهاري من خلال التعليم هو الاساس للتنمية البشرية.

ومن هذا المنظور لو نظرنا الى اداء التعليم في المدارس الحكومية بمراحلها المتعددة لرأينا ان اداء العديد من الطلبة في التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي في معظم المواد الدراسية، بما في ذلك التخصصات الادبية والعلمية، لا يرقى الى المستوى المطلوب الذي وضعته وزارة التربية في مناهجها، ويرجع احد اهم الاسباب في ذلك إلى ضعف تحصيل الطالب للكفايات الاساسية في المرحلة الابتدائية، ما يعكس بدوره ان المدرسة الابتدائية لا تحقق الاهداف المنشودة منها من حيث مخرجاتها التي تسعى من خلالها الدولة الى وضع اساس قوي لتنمية بشرية، واعداد كوادر وطنية متميزة وربما كانت هذه هي المشكلة الكبرى التي تواجه وزارة التربية في الوقت الحاضر.

كما ان هذا العائد التحصيلي المتواضع لا يتفق مع كلفة الطالب في هذه المرحلة التي تتكفل بها الدولة، والتي تبلغ قرابة 10 آلاف دولار سنويا، فضلا عن الكلفة التي تتحملها الاسرة، اضافة إلى ان التحصيل في مراحل التعليم المختلفة لا يتفق مع وجود معدل قليل لنسبة عدد الطلاب الى المدرس الواحد الذي هو 8:1 في مرحلة الرياض، و6:1 في المرحلة الابتدائية، و7:1 في المرحلة المتوسطة، و6:1 في المرحلة الثانوية لعام 2011، اضافة الى ذلك فإن العبء التدريسي للمعلم يعتبر قليلا نسبيا كل ذلك كان يجب معه ان يكون المردود التحصيلي افضل من المستوى الحالي.

وقال التقرير ان الدراسات السابقة كشفت عن ضعف عام لدى الطلاب في جميع المراحل في مادتي الرياضيات واللغة الانكليزية، ما يمثل وضعا خطرا لاسيما ان هاتين المادتين تعتبران من المرتكزات الاساسية في تطوير مناهج التعليم في الدول المتقدمة، والمادة الوحيدة التي تحظى باهتمام اكبر نسبيا من جانب الطلاب والنظام التربوي هي مادة التربية الاسلامية، حيث جاء التحصيل فيها في المرتبة الاولى بالنسبة لبقية المواد، ما يثير ازمة في هذا الجانب هي ان مناهج التربية الاسلامية تحتل مساحة اكبر من اللازم في مناهج التعليم العام على حساب المواد العلمية، اشارة الى وجود قصور حقيقي في آليات ادارة النظام التعليمي في البلاد.

ومن الظواهر البارزة على تراجع نوعية التعليم ان الكويت احتلت المرتبة 92 بين دول العالم على صعيد جودة التعليم الابتدائي، والمرتبة 75 على صعيد جودة التعليم الاساسي، ويتمثل ضعف اداء النظام التعليمي ايضا في غياب تربية المواطنة عن مناهج وزارة التربية، ولا نعني بتربية المواطنة تلقين النشء الاناشيد الوطنية واحترام الرموز السياسية للبلد فقط، وانما العمل على تطوير العقل النقدي لدى الطالب وتسليحه بالمهارات الحياتية والاجتماعية والتحليلية للتعامل مع المعلومات، من اجل اعداده للعصر الجديد وهذا ما اكدته تلك الدراسات، حيث كان التحصيل لطلبة جميع المراحل التعليمية في مستوى المعرفة والتذكر اعلى منه في مستوى التفكير وتوظيف المعرفة، اشارة الى وجود ضعف عام لدى الطلبة في المهارات العقلية العليا لمستويات المعرفة المتمثلة في الفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم.

ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب

ومن المشكلات الاساسية التي تواجه التعليم في الكويت ارتفاع نسب الرسوب، والارتفاع النسبي لنسب التسرب، ففي عام 2006 كانت نسبة الرسوب في المرحلة الابتدائية 2%، والمتوسطة 4.1%، والثانوية 7.9%، وكانت نسب الرسوب لدى الطلاب اعلى من الطالبات في كل المراحل، وتعتبر نسب الرسوب في المرحلة الثانوية متساوية مع باقي الدول العربية، لكنها اعلى من متوسط نسب الرسوب في الدول التي شاركت في البرنامج الدولي للمؤشرات التربوية التي كانت 4% رغم ان هذه الدول اكثر فقرا من الكويت.

اما نسبة التسرب في المرحلة الثانوية فبلغت 14% للذكور و7% للاناث عام 2005، وهذه افضل نسبة من معدلات نسب التسرب في المدارس الخاصة، حيث وصلت معدلات التسرب الى 21.6% للطلاب و19.2% للطالبات، وفي عام 2006 ارتفع معدل نسب التسرب في المرحلة الثانوية ليصل الى 15% للذكور و8% للاناث، وتعتبر النسبة الاعلى للتسرب بين طلاب منطقة الجهراء التعليمية بنسبة 35%، والاقل في منطقة حولي بـ1%.

ضعف ارتباط التعليم باحتياجات السوق

واكد التقرير أن ارتباط التعليم باحتياجات سوق العمل ضروري جدا، ولعل أحد مؤشرات نجاح النظام التعليمي يكمن في تأثيره في قوة العمل، والتعليم يستطيع ان يرتبط باحتياجات السوق من خلال عدة وسائل، ابرزها محاولة تمهين التعليم الثانوي وما في مستواه لاعداد الجيل لمتطلبات سوق العمل، وخصوصا ان الدولة مقبلة على جعل الكويت مركزا تجاريا وماليا.

واذا اردنا ادراك العلاقة بين متطلبات سوق العمل والمخرجات التعليمية فإننا نرى غياب التنسيق بين التخطيط للتعليم ومتطلبات سوق العمل والخطط الاقتصادية للدولة، وجعل اصلاح التعليم اولوية للدولة لاصلاح سوق العمل، حيث توجد وفرة في المهن والوظائف التقنية والفنية تشغلها حاليا العمالة الوافدة المتخصصة، في ظل وجود بطالة وباحثين عن العمل من خريجي الجامعات والكليات العلمية والنظرية.

ومن ابرز مظاهر ضعف ارتباط التعليم باحتياجات السوق ان الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تخرج تخصصات لسوق العمل دون وجود دراسات فعلية حول الاحتياجات المطلوبة لسوق العمل، والنتيجة طلاب يدرسون تخصصات لا علاقة لها بسوق العمل، الامر الذي يؤدي إلى اهدار طاقات عشرات الآلاف من الشباب بقبولهم في تخصصات لا تفيد المجتمع.

ضعف معايير جودة التعليم

وقال التقرير ان صرف الدولة على التعليم لا يسهم بشكل فعال في رفع كفاءة قطاع التعليم، ومازالت هناك حاجة ماسة للاستثمار في مصادر التنمية البشرية من خلال التعليم اذا اردنا الاستمرار في تنويع القاعدة الانتاجية واصلاح الخلل في الهيكل الاقتصادي، وإحدى الطرق لبلوغ هذه الغاية هي العمل على رفع كفاءة النظام التعليمي، فالتعليم حاليا يعاني ضعفا في مخرجاته وعدم ارتباطه بمتطلبات سوق العمل، والدلائل على ذلك كثيرة منها دراسة التقييم الطلابي لمخرجات التعليم الابتدائي والتعليم المتوسط التي قامت بها وزارة التربية بمساعدة البنك الدولي عام 2005 التي اشارت الى ان حوالي 4% فقط من طلاب الصف الرابع الابتدائي حققوا مستوى عاليا من التحصيل وما تبقى كان تحصيلهم متوسطا أو منخفضا، وان طلاب الصف الثاني ايضا لم يكونوا بأفضل من اقرانهم طلبة الصف الرابع الابتدائي في تحصيلهم الدراسي.

ومن المعايير التي ادت الى ضعف جودة التعليم انخفاض معدلات الدافعية للدراسة لدى المتعلمين وغياب المبادرة والابتكار عند الطلاب والمعلمين، من خلال استخدام وسائل تقليدية في التدريس وعدم استخدام وسائل حديثة في القياس والتقويم وغياب التعليم الذاتي والمبادرة الذاتية وتحقيق الذات، اضافة الى التركيز على اسلوب الحفظ والترديد والتذكر وعدم استخدام اساليب التدريس الحديثة مثل الاكتشاف والتعلم التعاوني والتركيز على تحفيز الطالب للنجاح في الامتحانات، وليس على تنمية شخصية الطالب او تفكيره النقدي، كما هو الحال في المدارس الاجنبية الخاصة.

ضعف الخدمات التعليمية

وذكر التقرير ان من المؤشرات التي يمكن تعرفها للدلالة على ضعف مستوى الخدمات التعليمية استعراض نتائج الدراسة الميدانية التي اعدها فريق تطوير الادارات التربوية وتحقيق المهنية المنبثق عن فريق عمل الحكومة لتقييم واقع الادارات المدرسية في الكويت من ان هناك شبه اجماع بين اعضاء عينة الدراسة التي بلغت 85% من اولياء الامور والطلبة والاداريين والمعلمين على عدم وجود الكفاءة وصفات القيادة لدى الادارات المدرسية الحالية المتمثلة في عناصر الاشراف والمتابعة والتنفيذ والعلاقات الانسانية والتنمية المهنية، اضافة الى التنظيم وخط السلطة وسير العلاقات ووضع رسالة المدرسة واهدافها.

وخلصت الدراسة الى ان صفات القيادة في المدارس الحكومية ضعيفة، وبحاجة الى تطوير من خلال البرامج التدريبية المكثفة للارتقاء بها، اضافة الى ذلك فإن حوالي 92 من افراد عينة الدراسة التي ضمت 59 الف مواطن اكدوا فشل المدارس في تطوير القوى العاملة الوطنية، وان 85% تقريبا يعتقدون ان المباني الدراسية الحالية دون المستوى المطلوب.

ضعف إعداد المعلمين وتأهيلهم

واوضح التقرير ان دراسة المشروع الوطني للتقييم الطلابي التي قامت بها وزارة التربية بمساعدة البنك الدولي كشفت عن ضعف معلمي المدارس الحكومية، وان العلاقة بين عملية اعداد المعلمين والتحصيل العلمي للطلبة غير جيدة، وان المعلم في الكويت يفتقر للكفاءة المهنية في عملية التدريس، ما يستدعي اعادة النظر في كفاءة ونوعية برامج اعداد المعلمين ونوعيتها، ما يشير الى انه لا يمكن تطوير التعليم بدون ضمان جودة برامج اعداد وتأهيل المعلمين، ومن الامور المألوفة ان المعلم في الكويت بحاجة الى تدريب قبل الخدمة وخلالها كي يصبح معلما فاعلا في تدريسه وتعليمه، وهذا يتطلب منه ان يكون مالكا للمعرفة والمهارات المطلوبة.

قلة ساعات التدريس

واردف التقرير ان النظام التعليمي في الكويت يتصف بقلة ساعات العمل المدرسي، فالعام الدراسي في الكويت يتكون من 30 اسبوعا لرياض الاطفال، و33 للتعليم الابتدائي، و32 للتعليم المتوسط والثانوي، بينما العام الدراسي في الدول الاخرى يصل الى 40 اسبوعا في المتوسط.

والطالب في الكويت يمضي نحو 12% من الوقت اقل مما يمضيه الطالب في الدول الاخرى في التعليم، كذلك تقل الساعات التدريسية في التعليم الحكومي عنها في التعليم الخاص بمقدار 70% تقريبا في المرحلة المتوسطة وحوالي 50% في المرحلة الثانوية، علاوة على ارتفاع معدلات التغيب اليومي لدى المعلمين، كل هذه الاسباب مجتمعة تشكل احد مقومات ازمة التعليم في الكويت.

ارتفاع الهيئة الإدارية

وكشف التقرير ان المؤسسات التعليمية في الكويت تعاني تضخما في الجهاز الاداري، فمقابل كل 100 معلم في الكويت يوجد 48 اداريا وعامل خدمات، منهم 25 في مدارس التعليم العام و7 في مدارس التعليم الخاص و16 في المناطق التعليمية.

وبصورة عامة فإن عدد الاداريين وعمال الخدمات اعلى في مدارس الدولة منها في مدارس التعليم الخاص، حيث ان التعليم العام يوظف فردا واحدا من غير الهيئة التدريسية لكل 28 طالبا، بينما يوظف التعليم الخاص فردا واحدا من غير الهيئة التدريسية لكل 44 طالبا.

ضعف مخرجات التعليم

وذكر التقرير انه رغم إتاحة فرص التعليم للجميع والانفاق السخي على التعليم فإن وضعه غير مرضي عنه، خصوصا في ما يتعلق بمخرجات التعليم، وقد اشارت نتائج دراسة المؤشرات التربوية وبناء القدرات الوطنية التي قامت بها الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، بالتعاون مع اليونسكو، إلى ان متوسط تحصيل تلاميذ المرحلة الابتدائية كان متواضعا، ما يعكس بدوره ان المدرسة الابتدائية لم تحقق الاهداف المنشودة منها من حيث مخرجاتها.

كما دلت دراسة اخرى للمرحلتين المتوسطة والثانوية في عام 2004 على تدني التحصيل في جميع المواد، واظهرت دراسة التقييم الطلابي لوزارة التربية بمساعدة البنك الدولي للعام الدراسي 2004-2005 لطلبة الصفين الرابع والثامن في مجال التربية الاسلامية واللغتين العربية والانكليزية والعلوم والرياضيات ان نحو 47 في المئة تقريبا من الطلبة في الصف الرابع الابتدائي تحصيلهم ضعيف، وان حوالي 49 في المئة تحصيلهم متوسط، بينما 4 في المئة حصلوا على تحصيل مرتفع ومعظمهم من الفتيات.

وتابع ان ضعف مخرجات التعليم يظهر ايضا في النتائج التي حصلت عليها الكويت في الاختبارات العالمية، وبناء على هذه الشواهد والبراهين على تدني مستويات التعليم لمعظم نواتجه، سواء على المستوى المحلي او الاقليمي او الدولي فإن ذلك كله يكاد ينبئ بعمق الازمة التي يعيشها النظام التعليمي في الكويت.

وبسبب ضعف مخرجات التعليم الحكومي والتراجع في مستوى التعليم، وسط شعور متزايد بعدم الرضا عن أداء التعليم الحكومي، اتجه كثير من أولياء الامور الى إرسال ابنائهم الى التعليم الخاص، حيث وصل عدد الطلاب الكويتيين في التعليم الخاص إلى نحو 56 الف طالب في العام الدراسي 2010-2011، ويشكل هذا العدد نحو 19% من مجموع الطلاب الكويتيين في التعليم ما قبل الجامعي.

ويعتقد كثير من اولياء الامور ان التعليم الخاص يمكن ابناءهم من الحصول على القوة المعرفية والمهارية والاتجاهات الجديدة التي لا يستطيع النظام الحكومي توفيرها لهم، والخوف هنا من ان هذه الثنائية من التعليم العام الحكومي والخاص تؤدي الى طبقية التعليم بين ابناء الشعب الكويتي، وهو ما يؤثر بالسلب على حالة التمسك الاجتماعي للمجتمع.

الاصولية الدينية

وقال التقرير في ضوء التطورات الدولية المتسارعة في ميادين الاكتشافات المتعلقة بالثورة المعلوماتية وتعاظم اهمية المعرفة ومسايرة متطلبات سوق العمل وحاجة المجتمع الى التغيير سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا تقتضي الضرورة مراجعة المناهج والبرامج الوطنية للتعليم بين حين واخر لاحداث تغيير نوعي في اعداد الانسان الكويتي وتأهيله للمستقبل المنشود.

وثمة تحديات تواجه تغيير المناهج التعليمية وفي مقدمتها الخلافات في التوجهات السياسية والاجتماعية والثقافية عن مكنونات ومكونات المناهج وخصوصا المناهج الدينية التي لا تخلو من شوائب وسيطرة العقل الاصولي عليها مما يؤثر سلبا في حالة التماسك الاجتماعي للمجتمع.

وتغيير المناهج يجب الا يقتصر على تغيير المحتوى والمضمون وانما يمتد ايضا الى تغيير الاهداف وطرق التدريس واساليب التعليم وعمليات القياس والتقويم، ومن اجل ذلك يجب ان نشرك المعلمين ومديري المدارس والموجهين الفنيين واصحاب الاختصاص والخبرة وواضعي السياسات التعليمية وعمداء كليات اعداد المعلمين وممثلين عن المجتمع المدني في عملية تغيير شاملة بحيث تاتي المناهج متفقة مع حاجات المجتمع الكويتي بكل شرائحه ومتطلباته وتطلعاته وآماله المستقبلية، وخصوصا فيما يتعلق باستراتيجية الدولة في مجال تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري بحلول عام 2035.

ان مراجعة المناهج والبرامج الوطنية تستدعي دراسة الطابع الثقافي السائد وتخليصه مما يعانيه من ازمات وفي مقدمتها ازمة المواطنة والهوية الاجتماعية التي تحتاج الى اعادة التثقيف اي معاودة بناء ثقافة التعليم وهذا يتطلب حدوث تغيير كلي في التفكير والمواقف والقيم من خلال اعادة النظر في مناهج التعليم السائدة من اجل تكوين مواطن جديد يحترم التنوع الثقافي والمذهبي والديني والعرقي، اذا اردنا ان نواجه تحديات الاندماج الاجتماعي ونعمل على تماسك المجتمع وهذا لا يتأتى ما دام تعليمنا يعتمد على صناعة عقول جامدة من خلال التلقين المباشر وتقديم المعرفة في قوالب معلبة ومحاربة روح الابداع والنقد.

تنمية الإبداع

قال التقرير إن السياسات المرتبطة بالتنمية البشرية في ما يتعلق بالتعليم العام تؤكد تنمية مهارات التفكير الحر والابداعي ونبذ جميع مظاهر الفرقة وتعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ولعل دور التعليم العام من خلال ما يطرحه من برامج ومناهج وما يطرحه من معارف ومعلومات واتجاهات وقيم يعتبر ضعيفا في تأثيره على تنمية نوعية تفكير الطالب واخلاقياته واتجاهاته التي تشكل بدورها الارضية المطلوبة للتماسك الاجتماعي والمواطنة الصالحة، وهذا ما تشير اليه الوقائع الميدانية من ان كل الاستراتيجيات التي وضعتها وزارة التربية من اجل اعداد الطالب للمواطنة والتماسك الاجتماعي لم تفلح على ارض الواقع من حيث الاداء الفعلي مما اثر سلبا في تبلور واكتمال المواطنة، وتكشف دراسة حول بعض الاسباب التي ادت الى عدم تبلور روح المواطنة والتماسك الاجتماعي بالمجتع المدرسي الى اغفال بعض مديري المدارس المعالجة لبعض الظواهر التربوية السلبية التي تنعكس على المجتمع الطلابي وغرس بذور الاختلاف والانشقاق بين الطلبة خاصة في جوانبها الطائفية والمذهبية، اضافة الى قصور في عملية دعم الانشطة التربوية الهادفة سواء الصفية واللاصفية مثل حصص التربية الفنية والتربية الموسيقية، مما يشير الى ضرورة استقلالية التعليم وعدم ترك الساحة مكشوفة لتدخل الاشخاص او التيارات والانصياع الى توجهاتها وهو ما ينعكس بدوره سلبا على تربية النشء ونظرتهم الى التعليم.

وأضاف ان مناهج وزارة التربية تفتقر الى المبادرة في خلق اجواء يتعلم من خلالها الطالب المسؤولية الاجتماعية وقوامها احترام الاخر الذي يتقاسم معه تاريخا وعيشا مشتركا ويواجه معه مصيرا واحدا وهذه كلها من مستلزمات التماسك الاجتماعي للمجتمع فبسبب ضعف تاثير التعليم لم يعد الطالب مدربا على كيفية التواصل مع الاخرين، لانه لم يتعلم مهارات التواصل والتعاون في اداء المهام المشاركة، فالتربية ليست مقتصرة على المواطنة والوحدة الوطنية فحسب وانما تمتد الى تثقيف وتوعية العقل بالقيم والمبادئ السليمة في ظل تنامي مخاطر التعصب والتطرف الديني والقبلي والطائفي.

إصلاحات جذرية

ذ\ر التقرير ان التعليم الجيد هو ركيزة اساسية للتنمية البشرية وهو يمثل لنا تحديا لابد من مواجهته في احداث اصلاحات جذرية تكمن في تبني رؤية واضحة للمناهج ترتكز على تبني قيم التسامح والمشاركة الاجتماعية وتقدير مكانة المرأة ومحاربة ثقافة الفساد ووقف التطاول على القانون والمحافظة على البيئة والحفاظ على المال العام وتبني فلسفة التطوع لخدمة الوطن والحفاظ على تماسكه الاجتماعي والعمل على محاربة ظاهرة التطرف بكل اشكاله وانواعه.