يمضي كثيرون من منافسي رئيس الحكومة نوري المالكي في العراق أياماً مليئة بالقلق، وهم يترقبون درجة التوتر التي تهيمن على حركاته السياسية الأخيرة، فبعد أسابيع من تداول المعنيين في بغداد إشاعات عن "خطوة كبيرة ومفزعة" قد يقوم بها نتيجة شكوكه في نتائج الاقتراع التشريعي المقرر نهاية الشهر الجاري، قدم المالكي حزمة شكوك جديدة للجميع، وهو يرسل الأربعاء الماضي، قانون طوارئ للبرلمان، يتضمن أسوأ ما يمكن أن يحصل خلال حكم عسكري يعلق الحياة الدستورية.

 ويعتبر سياسيون عديدون إرسال قانون مثير للطوارئ أمراً يصعب تمريره في البرلمان، لكنه يعد رسالةً من المالكي لخصومه، تحدد المدى الذي يمكن أن يبلغه محاولاً التمسك بمنصبه وتعقيد عملية محتملة لانتقال السلطة إلى بديل شيعي معتدل بعد الانتخابات، خصوصاً أن المالكي تحدث في أكثر من مناسبة عن "وصول البرلمان إلى طريق مسدود" يجعل من حق مجلس الوزراء أن "يتصرف" في ملفات المال والأمن وغيرها.

Ad

والخصوم الذين يضعون تحت كلمة "يتصرف" ألف خط، يشعرون أن خطوات المالكي الأخيرة منذ نجاحه في استبعاد مرشحين بارزين من الانتخابات، بأوامر قضائية مثيرة للجدل، هي أمور كفيلة بتحويل الإشاعات إلى وقائع سياسية قائمة، وأمر واقع يريد فرضه على منافسيه أو حلفائه في واشنطن وطهران.

التفاصيل التي تضمنتها مسودة القانون كانت كافية لإشاعة أقصى درجات الحذر في أوساط الساسة، وصباح أمس الأول الخميس وقف معارضو المالكي خلف منصة المؤتمرات الصحافية بمجلس النواب وراحوا يقرأون فقرات من قانون الطوارئ الذي كتبه مستشارو رئيس الحكومة القانونيون، المتهمون بأنهم نشأوا وتراكمت خبراتهم في ديوان صدام حسين نفسه.

الشيخ صباح الساعدي المعارض البارز للمالكي، أمسك بمسودة قانون الطوارئ أمام كاميرات الصحافة، وراح يقرأ أكثر طلبات الحكومة إثارة للريبة والشك: فالمادة الثامنة من القانون تعطي لرئيس مجلس الوزراء فرض قيود على الأشخاص وحظر التجوال وإلقاء القبض على المشتبه في سلوكهم، فضلاً عن إعطاء القانون صلاحية للحكومة بفرض الإقامة الجبرية على الأشخاص ذوي الخطر على النظام.

الساعدي الذي أصدرت المحاكم قراراً بمنعه من الترشح، على خلفية انتقاداته اللاذعة للسلطة، طرح سؤالاً كبيراً عن كيفية تصويت مجلس الوزراء على هذا القانون، الذي "أعطى صلاحية تفتيش أي مكان، وتقييد حرية الأشخاص بالتظاهر وصلاحية لتفريق التظاهرات بالقوة، وأعطى صلاحية فرض قيود للسفر خارج العراق وإبعاد الأجانب عن العراق وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والنشر".

وتساؤل الشيخ الساعدي يشير إلى الوزراء المنتمين إلى كتل تعارض سياسات المالكي، مثل الأكراد والصدريين والعرب السُّنة، والذين يمررون قوانين المالكي المثيرة للجدل، ويتنصلون من مسؤولية معارضته في مجلس الوزراء، ملقين بالمسؤولية كلها على البرلمان.

الأمر الآخر هو أن توقيت وصول القانون إلى البرلمان ارتبط بحركتين مثيرتين قام بهما المالكي في اليوم ذاته، فقد رفع دعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا، ضد رئيس البرلمان أسامة النجيفي، محاولاً التدخل قضائياً في وضع جدول أعمال المجلس، وتمرير موازنة مالية مرفوضة من السُّنة والأكراد، كما نظّم المالكي مؤتمراً صحافياً مليئاً بالغضب والتهديد، اتهم خلاله الخصوم بمحاولة تأجيل الانتخابات واعتبر ذلك "نهاية العراق"!

وإذ يقلل البعض من إمكان أن يتحول جو التهديد والوعيد هذا إلى فعل "انقلابي" يقف وراءه المالكي، فإنه يحبس أنفاسه كذلك، حين يحاول تخيل لعبة المماطلة الطويلة والمكلفة التي ستتمخض عنها، أي نتائج انتخابية لا ترضي طموح رئيس الحكومة الذي اعتاد أن يكون أقوى رجل في العراق منذ 8 أعوام، ويتعرض اليوم إلى أقسى اختبار نفسي وهو يلاحظ اتساع جبهة معارضيه، وملل الناخبين من الإخفاق المتواصل وأزمات لا نهاية لها، أفقدته معظم شركائه المحليين.