تستخدمين الفيروسات لإعداد البطاريات. ألا يُسبب ذلك المرض؟ عندما يفكر الناس في الفيروسات، تكون الأنفلونزا أول ما يخطر على بالهم. ولكن ثمة فيروسات تصيب البكتيريا في كل مكان، من المحيط إلى الأمعاء. ولا تلحق هذه الفيروسات الأذى بالإنسان.للفيروس الرئيس الذي أعمل عليه خيط واحد من الحمض النووي في طبقة من البروتين، وهو حميد. فلا يصيب هذا الفيروس إلا نوع محدد من البكتيريا ولا يقتله، بل يبطئه فيما يستغله ليتكاثر.متى فكرت في استخدام الفيروسات لإنتاج مواد للبطاريات؟استوحيت ذلك من الطريقة التي يعد بها حيوان أذن البحر قوقعته الصلبة، مستخدماً الحد الأدنى من المواد العضوية. فيستعمل هذا الحيوان بروتينات ليحفز نمو كاربونات الكالسيوم تدريجياً وفق نمط هندسي محدد. فكرت في استخدام علم الأحياء لأخرج من إطار المواد المستخدمة دوماً. وتشكّل الفيروسات مثالاً مميزاً للتجميع الذاتي الذي تتحلى به بنية منظمة من البروتين، فضلاً عن أن التلاعب بها جينياً سهل.لمَ نحتاج إلى أنواع جديدة من البكتيريا؟نستخدم بطاريات يُعاد شحنها في كل أوجه حياتنا اليومية، من الهواتف الخلوية إلى الكمبيوترات والسيارات الهجينة وغيرها. وتُعتبر بطاريات ليثيوم أيون الأكثر استعمالاً في الأسواق، فإن إنتاجها يحتاج إلى مكونات عالية التفاعل، فضلاً عن أن تأثيرها سلبي جداً في البيئة.بينما نحاول زيادة كمية الطاقة التي يمكن تخزينها وإعداد بطاريات قابلة لإعادة الشحن تدوم فترة أطول، لا يمكننا استخدام مطلق مواد: نحتاج إلى مواد أكثر توافراً لا تلحق الضرر بالبيئة. كما تعلمين، لا يمكننا رمي البطاريات التقليدية لأن الكثير من المواد المستعملة فيها راهناً، بما فيها الكادميوم والرصاص، تلحق أذى كبيراً بالبيئة. ولهذا السبب، نركز على البطاريات الحيوية القابلة لإعادة الشحن.كيف تصنّعين هذه البطاريات الحيوية؟للتأكد من إمكان استخدام فيروس لإنتاج مواد تُستخدم كأقطاب، بدأنا العمل على فيروس صغير يُدعى M13 bacteriophage يتمتع بشكل أنبوبي طويل.بإدراج جينة محددة، حملنا هذا الفيروس على إنتاج طبقة من البروتين تتحد مع مركبات مثل أكسيد الكوبالت أو فوسفات الحديد. وبما أن هذا الفيروس طويل وأنبوبي الشكل، تمكنا من إعداد أسلاك نانوية بواسطة هذه المركبات. وقد استخدمناها في قطب نموذج لبطارية ليثيوم أيون حيوية.بعدما برهنت أن هذا ممكن، كيف حسّنتِ أداء هذه البطاريات الحيوية؟حسّنا أداء الأقطاب المصنوعة من أسلاك نانوية معَدّة من فوسفات الحديد بتحديد تسلسل جيني لفيروس يتحد بفاعلية بأنابيب نانوية كربونية تتمتع بقدرة إيصالية عالية. لتحقيق هذا الهدف، بدأنا العمل على مليار فيروس مختلف، وأرغمناها على التفاعل كيماوياً مع الأنابيب النانوية الكربونية بخلطهما معاً في أنبوب اختبار.ولكن كيف استبعدت الكثير من هذه الفيروسات؟اخترنا منها ما علق بالأنابيب النانوية الكربونية. وقد بلغ عددها نحو ألف، وتخلصنا من الباقي. عزلنا بعد ذلك تلك الفيروسات وأعددنا نسخاً عنها بوضعها في مضيف بكتيري من خلال العدوى، علماً أن هذا تفاعل طبيعي بين الفيروسات والبكتيريا. كررنا بعد ذلك عملية الاتحاد مع الأنابيب النانوية الكربونية، مستخدمين الفيروسات التي اخترناها. ثم انتقينا منها ما شكّل الاتحاد الأقوى مع تلك الأنابيب.ما يميز الفيروسات الأكثر فاعلية؟نبحث عن الأفضل، أي الفيروس الذي يستطيع أن يطوّر تفاعلاً قوياً ومحدداً لا يقتصر على تحفيز أسلاك فوسفات الحديد النانوية على النمو واتخاذ شكل محدد، بل يعمل أيضاً كنوع من الغراء يوحّد الأسلاك النانوية مع الأنابيب النانوية الكربونية، مولداً مركباً يتمتع بقدرة إيصالية أعلى.عندما توصلنا إلى فيروس محدد يمكنه توحيد المواد الموصلة بقوة، عملنا مجدداً على إعداد النسخ وطليناها بمركب الأسلاك النانوية (في هذه الحالة، فوسفات الحديد). قمنا بعد ذلك بتجفيف الأسلاك النانوية المركبة هذه، التي تجمع بين فوسفات الحديد والأنابيب النانوية الكربونية، ووضعناها في بطارية. وهكذا، حصلنا على بطارية قابلة لإعادة الشحن، مثل أي بطارية أخرى من هذا النوع، مع اختلاف واحد: أعدّ أحد القطبين أو كلاهما بطريقة حيوية.هل يمكنك إيضاح خصائص تطوير بطاريات بالاعتماد على فيروسات؟من مميزات استخدام الفيروسات أننا نستطيع العمل بها على حرارة متدنية تعادل أحياناً حرارة الغرفة.تشمل الخصائص المميزة الأخرى مرونة الفيروسات. فبتبديل الشفرة الجينية، يمكننا حمل الفيروس عينه على الاندماج مع مواد مختلفة في آن واحد، معدين بذلك مركبات نانوية متعدد الخصائص. صحيح أن التحكم في مجريات الأمور على نطاق نانوي بالغ الصعوبة، لكن ذلك يتيح لنا ابتكار خصائص جديدة لا تتوافر في مواد أكبر.تعملين على هذه النماذج منذ مدة. فما آخر ابتكاراتك؟تضم البطارية التقليدية مهبطاً، مصعداً، مادة كهرلية تعبرها الأيونات المشحونات، ومادة فاصلة لإبقاء القطبين منفصلين. عندما تنتقل أيونات الليثيوم المشحونة إيجابياً من المصعد إلى المهبط خلال إفراغ البطارية، تنتج تياراً كهربائياً.نعد أخيراً بطارية ليثيوم هوائية تعمل بالتفاعل مع الأكسجين في الهواء. برهنا أن ذلك ممكن باستخدام فيروساتنا المعدلة جينياً لبناء أسلاك نانوية نستخدمها في مصعد البطارية. ويعود ذلك إلى أن الأسلاك النانوية المعدة من الفيروسات تتمتع بسطح حاد. وبخلاف الأسلاك التي تُعَدّ بالطرق الكيماوية التقليدية، تمتاز أسلاكنا بسطح أكبر يحدث عليه النشاط الكهربائي-الكيماوي خلال إفراغ البطارية أو شحنها.ما مدى النجاح الذي تحققه بطارياتك المختلفة، مقارنة بما هو متوافر في الأسواق اليوم؟لا تزال بطارياتنا الحيوية قيد التجربة. لكننا قدّمنا البراهين على أدائها المذهل. فإنها تفتقر إلى مدى الحياة الضروري لتتنافس مع البطاريات التجارية. فلا يمكننا استعمالها إلا لتشغيل أجهزة صغيرة مثل المصابيح اليدوية، الساعات، ومصابيح LED. أما السيارات والكمبيوترات، فتحتاج إلى كمية أكبر من الطاقة التي تدوم فترة أطول. لذلك علينا أن نواصل العمل على تحسين أدائها.بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تبقى هذه البطاريات قابلة للشحن طوال آلاف الدورات، علماً أنها تفقد راهناً صلاحيتها بعد مئات الدورات فقط. يبقى هدفنا الرئيس من استخدام الفيروسات ألا تقتصر وجهة استخدام هذه البطاريات على الأجهزة الإلكترونية، بل أن تشمل أيضاً تشغيل السيارات الكهربائية في المستقبل.ما الطريقة الفضلى للتخلص من البطاريات الحيوية عند الانتهاء من استخدامها؟هدفنا الرئيس إعداد بطاريات تتحلل حيوياً بالكامل. لا شك في أن بطارياتنا تُعتبر راهناً أفضل للبيئة لأن، المواد التي نستخدمها في إنتاج الأقطاب، بما فيها الحديد أو المواد التي ترتكز على المنغانيز، لا تضر بالبيئة، بخلاف الكثير من المواد المستخدمة اليوم، مثل الكادميوم والرصاص.ما المشاكل الأخرى التي قد تساهم الفيروسات في حلها؟يقدّم علم الأحياء الحلول لمشاكل كثيرة من خلال عمليتي الانتقاء والتطور. لذلك تحظى بفرص كبيرة عندما تطبق هذا العلم على مشاكل لا تُعتبر عادة حيوية. فما الضرر من استخدام التطور لابتكار حلول جديدة؟
توابل - Hi-Tech and Science
استخدام الفيروسات لإنتاج بطاريات صديقة للبيئة
12-03-2014