{الدساس} في الموسوعة الحرة {ويكيبيديا} أفعى غير سامة تندسّ تحت التراب، ويغطي جسمها قشور صغيرة ناعمة ما يجعل منظرها لامعاً، وتقع عيناها وأنفها في أعلى الرأس لتستطيع إخراجها وتترقب فرائسها، ومتى رأتها انقضت عليها وعصرتها حتى الموت.

Ad

{حسن الدساس} (تامر كرم) في الفيلم الذي كتب له السيناريو والحوار هشام يحيى وأخرجه هاني حمدي، لا يختلف كثيراً عن تلك الأفعى، فهو شخص مُخادع، غادر وقادر على التلون، يكمن في مخبأه إلى حين ينقضّ على عدوه، ويقتله، هو ما فعله مع الضابط الكبير {حسين الهراوي}، الذي انتزع نفوذه وسلطته ونكل به، وعقب أن استولى على ممتلكات عائلته وقضى عليها، وشيد مدفناً يُصر على زيارته في 6 أبريل من كل عام، ولم يكن يدري أنه سيأتي يوم سيثأر فيه الأحفاد!

عندما قالت حملة الدعاية إننا بصدد أول فيلم رعب كوميدي في السينما المصرية، توجست شراً خشية أن تنتهي التجربة إلى نتائج وخيمة، لكنني لم أملك رفاهية الرفض، وشاهدت {الدساس} مدفوعاً برغبة خفية في التعرف إلى الفيلم، وكانت المفاجأة المدهشة أن وجدتني حيال عمل يستحق التفاتة، نظراً إلى جدته وجديته وإثارته، بحاجة إلى تنويه واحتفاء بالفريق الشاب الذي أنجزه. فالفيلم متعدد القراءات، ومن يريد أن ينظر إليه بوصفه فيلم رعب كوميدياً يستطيع، ومن يلجأ إلى تفسير بعض مشاهده وحواراته بوصفها إسقاطات على وقائع تاريخية، ومواقف سياسية، له مطلق الحرية. أما إذا رأى أحد أن الفيلم يمزج الخرافة بالواقع فله أن يراه كذلك، خصوصاً أن {الحبكة} جاءت مضبوطة، والمعادلة منضبطة، والمتعة موجودة.

 تبدأ أحداث الفيلم برسالة هاتفية غامضة تقول: {مبروك وقع عليك الاختيار للمشاركة في برنامج الجريء}، وفي رؤية محسوبة بدقة، وشُح متعمد في ضخ التفاصيل، تصل الرسالة إلى {جابر} (محمد نشأت) صاحب مركز كمال الأجسام، {شريف} (محمد يونس) الذي يحلم بكتابة سيناريو أول فيلم رعب مصري، {الرايح} (أحمد فتحي) مدمن عقاقير، الفنانة التشكيلية {ياسمين} (سارة عادل) شقيقة رئيس المباحث {محسن ممتاز} (ثروت سعيد) نجل ضابط الاستخبارات في المسلسل الشهير {رأفت الهجان}.

 يعتمد الفيلم على محاكاة تهكمية للأعمال الفنية الشهيرة أو ما اصطلح على تسميته الـparody، فالمُجرم ينجح في الإيقاع بالضابط، وليس العكس، ويجري استعادة بعض الأفكار الموسيقية المعروفة، بينما تتدفق المفارقات الكوميدية الطريفة المكتوبة برقة وعناية.

في مقر الشركة التي ترعى برنامج {الجريء} وتحمل اسم {الفناء} (لاحظ مغزى الاسم) يلتقي المتسابقون الأربعة مدير الشركة المُقعد {عدنان} (لطفي لبيب) الذي يؤكد لهم أن البرنامج يضمن لهم مكافأة مالية ضخمة في حال البقاء على قيد الحياة، وقضاء يوم كامل في قصر {حسن الدساس} المهجور، وهي المقابلة التي تؤكد أن كل واحد من الأربعة يطمع في الفوز بالمكافأة، إما لتعويض النقص (جابر)، أو الوصول إلى الثروة (الرايح)، أو تحقيق الحلم (كاتب السيناريو)، أو بلوغ الشهرة (الفنانة التشكيلية). لكنها كشفت أيضاً أن كل واحد منهم مُصاب بعقدة مزمنة فشل السيناريو في {التخديم عليها}، وتعامل معها بخفة منقطعة النظير أملاً في أن يصنع منها {إفيهات} كوميدية، لكنها جاءت سطحية في مجملها، على عكس الغموض الذي اكتنف الحديث عن البيت الملعون، والكنز المخبوء فيه، فمع دخول الشباب القصر، وإغلاق أبوابه عليهم بواسطة الحارس (بيومي فؤاد) الذي يجيد الإنكليزية، ويبدو النسخة الأقرب إلى {أحدب نوتردام} أو {ديوجين} حامل المصباح الذي يفتش عن الحقيقة، يبدأ التشويق. لكن الموسيقى التصويرية (هاني كمال) تفسد الأجواء كونها لا تتوقف لحظة، ولا تترك فرصة للتأمل أو التقاط الأنفاس ومعايشة الأجواء، وتتطور الأحداث ببطء قبل أن يتغير الحال مع ظهور {الزومبي} أو الأحياء الموتى، ويُواجه {الدساس} بالتعويذة التي تقضي عليه.

باستثناء بعض المشاهد التي ترهل فيها الإيقاع، ينبغي الإشادة بالمونتاج المتوازي والنقلات المتقنة (أحمد عادل)، والتنويه بالبلاغة السينمائية للمخرج الشاب هاني حمدي، وحشد التفاصيل التي كان لها الفضل في إضفاء ثراء كبير على الصورة، سواء من ناحية اختيار زوايا التصوير أو الإضاءة الشاحبة  (أكرم ممدوح) أو الديكور (محمود النوبي) والماكياج والخدع (آية مصطفى) أو الجو العتيق للقصر، واللوحات السريالية المتناثرة في أرجائه، وتعكس العقلية المختلة التي كانت تتحكم في صاحبه. ويبقى التنويه بالوجوه الشابة الواعدة: محمد نشأت، محمد يونس، أحمد فتحي وسارة عادل.