قامت جرافات لا تعرف تبعيتها بإزالة بعض مباني سوق السلاح، الذي أنشئ في خمسينيات القرن الثامن عشر تقريبا، منذرة بإزالة وهدم بقية المباني التابعة له، ما جعل المجلس البلدي ينتفض لوقف تلك الإزالة.

Ad

شكلت أسواق المباركية الواجهة السياحية والاقتصادية للكويت م-نذ زمن بعيد، وتعتبر مقصد الكثير من تجار الدول المجاورة، ويعود تاريخ إنشائها الى عام 1850 تقريبا، حسب الكثير من المؤرخين، وقد استعادت بريقها مؤخرا بعد قيام الحكومة بتطويرها وتجهيزها لتكون محط أنظار السياح والمواطنين.

وتتعدد تخصصات مباني هذه الاسواق، ويعتبر سوق السلاح، الذي يقع في سوق الغربللي- جنوب شارع المباركية، ابرزها، حيث كان مقصدا للراغبين في شراء الأسلحة بأنواعها وغيرها من المستلزمات، وقد تخلى الكثير من أصحاب محلات هذا السوق عن تجارة السلاح، ولم يبق حاليا الا محلان، اما البقية فتحولت إلى بيع العطور ومستلزمات الخياطة للاسلحة، وغيرهما من السلع، التي لم تستطع ان تصادر من السوق اسمه القديم.

وفي إجراء مشوب بالكثير من الغموض فوجئ اصحاب محلات السوق التراثي والتاريخي بإنذارات بضرورة إخلاء المحلات لهدم السوق واقامة مشروع تجاري بدلا منه، وبالفعل قامت جرافات لم تتبين تبعيتها بهدم احد مباني السوق، ما اثار حفيظة المواطنين قبل المسؤولين، لاسيما ان تلك المباني التاريخية ابرز ما تبقى من ذاكرة الكويت.

ومن هذا المنطلق قام عدد من اعضاء المجلس البلدي، ممثلا في لجنة محافظة العاصمة، بمخاطبة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كونه المسؤول الاول والاخير عن تلك المباني التاريخية، للتدخل ووقف هدم السوق، وتبين ان بعضها تعود ملكيته لاشخاص، وليس من ممتلكات الدولة، وقد استحصلوا من البلدية عام 1996 على قرارات بإزالة واعادة بناء عقاراتهم.

أملاك الدولة

في هذا السياق، ابدى رئيس المجلس البلدي مهلهل الخالد أسفه لما قامت به تلك الجرافات، «والمصيبة الكبرى ان بلدية الكويت عندما خاطبناها بضرورة وقف تراخيص الهدم اجابت بأن تلك المباني ملك خاص»، مؤكدا ان «تلك المباني تراث، والقانون يحتم على الدولة تثمينها لتدخل ضمن ممتلكاتها التراثية».

وقال الخالد، في تصريح لـ«الجريدة»، إن المجلس طلب، من خلال سؤال تم توجيهه للبلدية، الحصول على نسخة من تراخيص هدم تلك المباني، مع ضرورة وقف الهدم حتى يتبين الامر.

تحرك سريع

بدوره، شدد رئيس لجنة محافظة العاصمة، التابعة للمجلس البلدي د. حسن كمال، على ان «هناك تحركا سريعا مع ادارة املاك الدولة والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لوقف ازالة مباني السوق التاريخية، لكن للاسف توجه (املاك الدولة) هو الازالة الفورية»، داعيا المجلس الوطني للثقافة الى تحرك حيال «املاك الدولة للفصل في هذا الامر».

وبين كمال، في تصريح لـ»الجريدة»، ان «الكويت ليست بحاجة إلى ان تحول السوق الى مشروع استثماري، لان التاريخ الكويتي لا يعوض بثمن، خاصة ان سوق السلاح يعتبر من المناطق التاريخية المهمة بالكويت ومقصدا للسياح والمواطنين»، مؤكدا ان هناك قوانين تلزم الجميع بضرورة المحافظة على تلك المباني التاريخية.

إزالة همجية

أما العضو علي الموسى فقد وجه سؤالا لإدارة أملاك الدولة حول «كيفية اتخاذ هذا القرار اللامبالي ومن وافق عليه»، مبينا أن المجلس قابل بعض أصحاب تلك المحلات، الذين أمضوا في محلاتهم أكثر من 80 عاماً توارثوها من أجدادهم، وتبين أن تلك الآثار قد أزيلت بالكامل بشكل همجي، واليوم هناك أصابع اتهام لشخص واحد لا يوجد أحد يستطيع أن يصل إليه.

وقال الموسى إن المجلس سيوقف جميع الإزالات غصباً أم طيباً، فتاريخ الكويت لا مجال للعب فيه.

تاريخ الكويت

بدوره، قال العضو أسامة العتيبي «انهم لا يجدون اذاناً صاغية من الجهة المعنية بالهدم، فاليوم البلدية تقول إن هذه هي أملاك خاصة، والذي وزّع الإنذارات أملاك الدولة، فمن نصدّق ومن نكذّب؟».

وأكد العتيبي أن المجلس البلدي سيقف وقفة صارمة من أجل وقف الإزالة، مشيراً إلى أن الشخص الذي اتخذ هذا القرار لا يريد للكويت خيراً.

أميركا وأوروبا

من جانبه، قال عضو المجلس البلدي د. منصور الخرينج لـ»الجريدة»: إننا «فوجئنا بتعليل بلدية الكويت بأن تلك المباني المزالة هي أملاك خاصة، فأين القانون الذي ينص على استملاك جميع المباني التاريخية وتحويلها إلى تراث؟»، مضيفا انه «يمنع منعاً باتاً في الدول الأوروبية وأميركا التعرض للمباني التاريخية، والشجر والأسوار التي مضى عليها أكثر من 40 عاما، أو إزالتها أو ترميها إلا بموافقة خاصة، وتحت إشراف بلدية المنطقة نفسها، لأنها تعتبر تحت تصرف الدولة مباشرة».

آراء المواطنين

ولا تختلف آراء المواطنين من رواد أسواق المباركية عن آراء أعضاء البلدي، للحرص على تراثية السوق ووجوب حمايته من أي محاولة لإزالته.

وفي هذا السياق، أكد حسين كمال أن «السوق يعتبر من الأسواق التاريخية التي لم تمسه آفة التطوير، التي محت تحت جناحيها كل ما هو متعلق بكويت الماضي».

وبيّن كمال، وهو من رواد المباركية، أن موقع السوق يغري بعض المستثمرين، مشيراً إلى أنه من الضرورة أن يقف أعضاء مجلس الأمة والمجلس البلدي يداً واحدة ضد إزالة السوق وحماية التراث من أي عبث به.

ذكرى جميلة

أما المواطنة آمنة اليعقوب التي كانت موجودة بالسوق مع أحفادها فقالت لـ»الجريدة» إنها تسعد عندما تأتي إلى أسواق المباركية، لاسيما سوق السلاح الذي كانت له ذكرى جميلة مع جدها، حيث كان يملك محلاً يبيع به الذخيرة واكسسوارات الأسلحة في الماضي، مشيرة الى أن جدها باع المحل قبل أكثر من 40 عاما إلى ابن عمه الذي مازال يملكه.

وقالت اليعقوب إن آخر مكان يذكرها بكويت الماضي هو المباركية، مستغربة سكوت الحكومة عن الذين ينوون هدم عبق الماضي، مطالبة إياها بأن تستملك كل المواقع التراثية وبالتحديد اسواق المباركية وتجعلها فقط مكانا تراثيا وتاريخيا، واعطاء التجار أراضي خارجية لإقامة مشاريعهم عليها، ضاربة مثالا بمجمع الأفنيوز الذي وصفته بالناجح مع أنه بعيد عن مدينة الكويت.

طمس الجوانب التاريخية

من جانبه، ذكر المواطن حمد عبدالله العوض انه من رواد اسواق المباركية، وبالتحديد سوق السلاح الذي يعشق التسوق فيه والجلوس في مقاهيه، مبينا ان هناك تخبطا كبيرا خاصة في تطوير اسواق المباركية.

وضرب العوض مثالا على ذلك بالقول: «عندما هدموا سوق الحريم (سوق واقف) واعادوا بناءه من جديد، لوحظ انهم لم يجيدوا بناءه مثلما كان، وقد تم طمس كل الجوانب التاريخية فيه، ولذا فاننا نخشى على سوق السلاح الذي يريدون ان  يمسحوه عن الوجود ويبنوا مكانه مشروعا آخر».

وحث العوض الشيخة امثال الاحمد كونها رئيسة العمل التطوعي والمشرفة على سوق المباركية والاماكن التراثية على ان تتحرك لمنع حدوث عملية طمس الجوانب التاريخية، متمنيا من الحكومة ان تحذو حذو دوله قطر التي بنت ورممت «سوق واقف» الموجود في الدوحة بشكل تراثي وتاريخي جميل جعلته محط انظار الجميع.

«المجلس الوطني»: ليس بوسعنا إيقاف الإزالة

أكد الأمين العام المساعد في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي أن المجلس الوطني ليس له سلطة على المباني القديمة الواقعة في سوق السلاح بمدينة الكويت، مبيناً أن هذه العقارات تعود ملكيتها إلى أفراد يديرون شؤونها وفقاً لمصالحهم الشخصية لأن القانون يمنحهم حرية التصرف بممتلكاتهم لاسيما أنها موثقة بشكل قانوني.

وأضاف العسعوسي: «حينما علمنا بقرار إزالة هذه المباني الأثرية تحركنا باتجاه منع سريان القرار وخاطبنا الجهات المعنية في مؤسسات الدولة ومنها بلدية الكويت وإدارة أملاك الدولة، لكن ليس بوسعنا إيقاف هذا القرار لأن الأمور تسير ضمن القنوات القانونية ولا يمكن عرقلتها، لمجموعة أسباب في مقدمتها: أن هذه المحلات أو المباني لا تعود ملكيتها إلى الدولة بل هي عقارات خاصة يملكها أفراد، كما أن المجلس الوطني ليس باستطاعته اتخاذ أي إجراء ضد القرار طالما أن هذه المباني خارج بقعة أملاك الدولة».

وحول ما إذا كانت المؤسسات الحكومية تحرص على التنسيق مع المجلس الوطني، أوضح العسعوسي أن المجلس الوطني يسعى إلى المحافظة على المباني التاريخية ويعمل على ترميمها وصيانتها للحفاظ على ميزتها الفنية وطابعها التاريخي، لذلك يدأب المجلس الوطني على إبراز النماذج العمرانية التي تمثل جانباً من تراثنا المعماري.

وتابع: «لكن يشترط أن تكون هذه المباني مملوكة للدولة أولا ثم يتم تصنيفها وفقاً لقانون المباني الأثرية المعمول فيه بالكويت، لكي يشرف عليها المجلس الوطني ويتولى مهمته في المحافظة على الإرث المعماري».

وأعرب العسعوسي عن امله في عدم إزالة أي مبانٍ قديمة بعيدا عن التنسيق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للتحقق من أهمية العقارات من الناحية التاريخية.