قرأت مؤخراً كتاباً رائعاً بعنوان "العرب: وجهة نظر يابانية" للمستشرق الياباني نوبوأكي نوتوهارا، الذي قضى ما يقارب الأربعين عاماً متنقلاً في بلاد العرب، باحثاً في الأدب العربي. مقدمة الكتاب ممتعة لأن الكاتب يعرض فيها، من منظور ياباني، وصفاً لبعض المظاهر في المجتمعات العربية التي أثارت استغرابه ويقارن بينها وبين اليابان.

Ad

استوقفتني العديد من الموضوعات، وأهمها إجابته عن التساؤل الذي دائماً ما يواجهه في الدول العربية، وهو: كيف لكم ألا تكرهوا الأميركان بعد قنبلة هيروشيما؟ حيث يقول: "المشكلة ليست في أن نكره أميركا أم لا، المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم نمارس نقداً ذاتياً بلا مجاملة لأنفسنا، بعدئذ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل، أما المشاعر وحدها فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً".

وعن تجربة اليابان في النهوض بعد الحرب يقول: "وعينا على خطأنا، ثم عملنا على تصحيح الخطأ... كان علينا أن نعي قيمة النقد الذاتي قبل كل شيء، ودون إنجاز النقد الذاتي بقوة لا نستطيع أن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء". ثم تساءل نوتوهارا مستغرباً: "لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا لا ينتقد العرب أخطاءهم؟".

ونكرر نحن نفس التساؤل: لماذا لا يستفيد الكويتيون من تجاربهم؟ ولماذا لا ينتقدون أخطاءهم؟ لماذا نهض اليابانيون بعد تجربة أقسى وأشد، بينما ندور نحن في نفس الحلقة المفرغة. السر حسبما أعتقد يكمن في ثلاثة أمور: النقد الذاتي، تحمل المسؤولية، العقلانية ونبذ النزعات العاطفية والتعامل بردود الأفعال.

وبينما ينهض اليابانيون، نصر نحن على الجلوس في مقاعد الجمهور نصفق ونطرب لمسرحيات سطحية ومكررة بسيناريوهات قديمة ولممثلين غير محترفين. نتفاعل وننقسم بين مؤيد ومعارض، وكأننا نشاهد المسرحية للمرة الأولى. ولأن كاتب النص والمخرج يدركان تماماً حدود الذوق العام فلا يكلفا نفسيهما تغيير النص أو تطويره ما دام شباك التذاكر عامراً، وردود الأفعال معلبة.

وكلما ساءت الأحوال، وجهنا سهام اللوم إلى الآخرين. الحكومة تتهم النواب، والنواب يتهمون الحكومة، والشعب منقسم، بعضه يتهم الحكومة ونوابها والبعض الآخر يتهم نواب الفريق المقابل. فلا وجود لطرف يتحمل الخطأ أو يعترف به، حتى ما يسمى بالمعارضة تعزي فشلها إلى المندسين والسماسرة. ونستخدم جميعاً نفس الأدوات مع تكرار فشلها في تحقيق أي تقدم على جميع الصعد. تستخدم الحكومة نفس الأدوات للتنصل من مسؤولياتها، ويستخدم النواب نفس الأدوات التي تهدف إلى التكسب السياسي ولا تغير شيئاً على أرض الواقع، ويستخدم الشعب نفس معايير التقييم التي تنتصر للمتكسب سياسياً، وتنبذ من يعمل بجدية لتقديم الحلول.  

أدرك اليابانيون ما لم يدركه الكويتيون، أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، السلطة والشعب وممثليه. وممارستهم للنقد الذاتي ساهمت في تصحيح مسارهم كشعب، بينما نصر نحن على توجيه اللوم للطرف الآخر، وننتظر الحل من الآخرين، وغالباً ممن هم سبب للمشكلة.