لا علاقة للعنوان بسوق العملات، علاقته بأرواح البشر، ففي حرب عام 2012 على غزة، قتلت إسرائيل أكثر من 1300 فلسطيني، معظمهم مدنيون، ونحو ربعهم أطفال، وفقدت إسرائيل يومها 13 جندياً، 7 منهم بنيران صديقة.

Ad

ولو أردنا ترجمة الحصيلة إلى سعر صرف بين أرواح النخبة وأرواح الحثالة كما يحلو للعالم المتقدم تصنيفها، يمكن أن نخلص إلى نتيجة مؤداها أن سعر الصرف العادل للإسرائيليين هو 100 فلسطيني مقابل كل إسرائيلي، وإذا خصمنا من قتلاهم ما تسببت فيه نيران صديقة، يصبح سعر الصرف 200 فلسطيني لكل إسرائيلي.

في الحرب الجارية حالياً، وحتى صباح الخامس من أغسطس 2014، بلغ عدد قتلى الفلسطينيين أكثر من 1800 قتيل، معظمهم مدنيون، من ضمنهم نحو 400 طفل، وفقدت إسرائيل 66 قتيلاً، اثنان منهم مدنيان. تحسن سعر الصرف عن الحرب السابقة وأصبح 27 فلسطينياً مقابل كل إسرائيلي، وبينما أثار هذا التحسن غضب إسرائيل، اعتبره الفلسطينيون ارتفاعاً يعيد بعض الكرامة إلى الروح الفلسطينية، مئة إلى واحد أو سبعة وعشرون إلى واحد تفاوت مقبول في سوق العملات، بينما ما هو مقبول بين البشر هو فقط التعادل في القيمة، وما لم يتحقق مبدأ أن للإنسان قيمة متساوية، فالمؤكد أن حرب غزة الثالثة لن تكون الأخيرة، وما ينطبق على غزة ينطبق على كل دول العالم وفي ما بينها.

بعد ثلاث حروب على غزة حدث تحول في الساحة العالمية لمصلحة الفلسطينيين، بان كي مون والرئيس الفرنسي ووزير خارجيته وأعضاء في البرلمان البريطاني ورؤساء دول في أميركا الجنوبية وإعلاميون وممثلون أميركان باتوا يتحدثون بقسوة عن جرائم إسرائيل، لكنه تحول غير كاف، وسوف يخفت بعد أول هدوء مؤقت، وسوف تستمر الأوضاع المأساوية للفلسطينيين وسوف يمتد اليأس والقنوط إلى جوارها القريب والبعيد.

وبينما تبدو دول العالم المتحضر حريصة على وقف انتشار اسلحة الدمار الشامل، تغفل حقيقة صارخة، هي ان اختلال سعر صرف الروح، يحول البشر، الكثير من البشر، الى اسلحة دمار شامل.

فعندما لا يترك للإنسان ما يعيش من أجله، يستمع إلى كل من يبيعه الأحلام، فهو يهرب من واقعه إلى ما يعطيه قيمة ومتعة مفقودة بعد مماته، إذ يكفيه حينها فتوى بصك يدخله الجنة، ليفجر نفسه وكل من حوله، و"داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام" و"الشباب"... إلخ، هي إفراز حقيقي للاختلال في سعر صرف الإنسان، ومعظم المنطقة العربية والإسلامية في فوضى عارمة، نتيجة الاختلال في سعر صرف كرامة الإنسان وروحه.

ليس هناك حل سحري أو سريع لمثل هذه الحالة، لكن سياسة صحيحة تردم فجوة في الاختلال، سوف يصاحبها انحسار أكبر في الفوضى وحالة عدم الاستقرار، والعكس صحيح، ففي حالة غزة سوف تعمل إسرائيل بدعم حضاري من دول متقدمة للحفاظ على هيبتها بالعودة إلى سعر صرف عام 2012 على أقل تقدير، وسوف يعني ذلك انتشاراً سريعاً لأسلحة الدمار الشامل في عنف يشمل العالم، ولن تستثني ساحته الدول المتقدمة.