أحذر مبكراً من أن نكتشف أننا نتجه أو يتم دفعنا إلى الخلف. لقد منحنا الله مصر مرة ثانية بعد أن ضاعت أو كادت، عادت إلينا وطناً لكل المصريين، وذلك بفضل أبناء مصر الذين خرجوا في معركة استرداد الوطن، وانحاز الجيش الوطني لشعبه، ووضع أبناؤه وقائدهم أرواحهم على أكفهم فداء لوطنهم وشعبهم. ولأن الموقف لا يحتمل تردداً ولا نملك ترف الوقت والتفكير طويلاً والانخراط في جدل بيزنطي لا طائل وراءه، فإن الحل، بل الاختيار، كان أن يتولى قيادة البلاد من قاد قواته في مهمة استعادة الوطن حامياً ومحمياً بشعبه. وقد كان، وهكذا أصبح السيسي رئيساً لمصر، قائداً للمصريين. الكثير من الملاحظات الجديرة بالتوقف أمامها ظهرت خلال الفترة القصيرة الماضية، ووجدت من الأمانة أن أطرحها للنقاش العام من أجل الوطن المستعاد.

Ad

الأكيد أن روحاً جديدة قد دبّت في أوساط حياتنا، سواء على مستوى الإحساس الشعبي العام أو على المستوى الحكومي بمستوياته المختلفة، سواء كان انسياقاً ووراء أداء الرئيس الجديد أو إعجاباً أو اضطراراً، فبات المسؤولون يتباهون باستيقاظهم المبكر، ليس هذا فقط بل بإنهائهم للكثير من المشكلات التي ورثوها، أو سعيهم على الأقل إلى حلها. بتنا نسمع كثيراً أن الرئيس يتابع بنفسه ويتواصل مع المسؤولين لمتابعة التكليفات اليومية في بعض الأحيان منه.

 كل هذا هو تعبير عن حالة جديدة، وكل هذا ملامح لإيجابيات بتنا نلمحها في المجتمع حتى لو كان بدرجات قليلة نسبياً، ولكن هل هذا يكفي؟ أظن أن هذا السؤال هو سؤال المرحلة، لا يملك شخص أن يشكك في نوايا الرئيس وصدقه في ما يهدف إليه، أنا شخصياً أستطيع أن أكون شاهداً على هذا الصدق، وذلك التفاني اللامحدود بلا غرض إلا رفعة الوطن، واستعادة مكانته التي فقدها منذ عقود طويلة. أظن أن الإجابة المنطقية الصادقة هي أن هذا لا يكفي، ذلك أن هذا الحراك مازال حتى الآن في إطار الحراك الانفعالي غير المنضبط، بمعنى أن ما نشهده الآن من حالة فوران وحركة دؤوبة بين المسؤولين، أو معظمهم، هو رد فعل مع رئيس جاد وحاسم، وهم هنا يتفاعلون مع هذه الحالة، ولكنه يظل تفاعلاً غير منضبط، لأنه ببساطة لم يوضع بعد في إطار "سيستم"، أي نظام متماسك وعلمي ومحدد الرؤية والأهداف.

ظللت سنوات طويلة أختصر مشكلة مصر الأساسية في غياب هذا "السيستم". كلمة السر في تقدم الأمم والشعوب، "النظام" وجود نظام علمي يدير شؤون الوطن بكل تفاصيله، نظام واضح يتم فرضه على أسلوب العمل وعلاقات أطرافه، نظام يحدد الأدوار ويقسمها، وحاسب على مدى الالتزام بالمسؤوليات، وفوق كل هذا "رؤية" هي عنوان هذا النظام. أعلم أن الرئيس السيسي في هذه المرحلة يعكف على دراسة تشكيل فريق المعاونين له في المجالات المختلفة، وعلى أهمية هذا الإجراء وهذا الانغماس في دراسة من يمكن أن يكون معاوناً أو مستشاراً في أي مجال من المجالات، فإنني أدعوه في البداية إلى أن يكلف فريقاً علمياً متخصصاً في بناء نظم الدولة، ولا بأس أن يكون هذا الفريق مزيجاً من خبراء مصريين وأجانب، يجلس معهم يخبرهم برؤيته التي ينبغي أن تكون الإطار لهذا النظام، وأن يترك لهم بعض الوقت ليخرجوا له بنظام حديث يجمع بين حداثة الحضارات والمجتمعات التي فاقتنا في هذه المجالات، وبين طبيعة المجتمع المصري وظروفه ومشكلاته.

لن يتمكن الرئيس وحده مهما كان عمق رؤيته وصدقه وتفانيه، وهي صفات أشهد له بها وأكثر، أن يعمل وحده، أو أن يعمل من خلال وسائل قديمة وأساليب تقليدية، أو عبر نظام بال قديم ممزق مليء بالعيون والثغرات، نظام تغيب فيه الرؤية المتكاملة التي تعتمد المعايير العلمية أسلوباً أساسياً في التنفيذ والقياس وبناء علاقات العمل.