"حتى تعود الكويت كما كانت درةً للخليج"، مقولة اتفقنا على ترديدها واختلفنا فيما بيننا على تحديد مسار العودة إلى ذلك الماضي البهيج، ولو عدنا بالذاكرة إلى تلك الحقبة الجميلة التي كانت فيها الكويت "درة" واستعرضنا معاً المجالات التي حققت لوطننا العزيز مكانة متقدمة في محيطها الإقليمي، لوجدنا من بينها الرياضة التي كانت تشكّل بقعة ضوء "زرقاء" في مسيرة الريادة الكويتية، ولن يختلف اثنان على الحقيقة الراسخة في أذهان مَن عايش تلك المرحلة أو مَن قرأ عنها في صفحات التاريخ أن كرة القدم قد حققت للكويت إنجازات نوعية ونجاحات كبرى لم نزل نعيش على أطلالها.وعلى النقيض مما سبق، أصبحت الكرة الكويتية في السنوات الأخيرة مضرباً للمثل السيئ في المنطقة، وتحوّلت إلى بيئة مشبعة بمشاعر الإحباط واليأس بعد أن أُصيبت بفيروس "الشلل المؤقت" الذي ضرب الدولة بمختلف قطاعاتها الرسمية والأهلية، حتى هرمت وشاخت وأصبحت كهلة، وتحوّلت إلى سلسلة صدئة مهترئة، ومعضلة القائمين عليها أنهم حائرون من أي حلقة يبدأون، وهكذا هم المسؤولون، في كل شيء يختلفون، ثم يتفقون في نهاية المطاف على الحلول الترقيعية والمسكنات الوقتية التي لا تعالج أصل المرض. دعونا نتفق معاً على أن الرياضة لا تقع في أعلى سُلّم أولويات الحكومة، بل تأتي في مراتب متأخرة، بل ربما تكون غائبة تماماً عن أجندة العمل الحكومي "المتعطّلة" منذ عقود، أو في أفضل الأحوال قد تحتل الرياضة ذيل قائمة الأولويات الحكومية. وفي موازاة ذلك، فلنتفق على أن كرة القدم (على وجه التحديد) باعتبارها الواجهة الأبرز للرياضة، لم تعد "طمباخية"، كما يراها المسؤولون الحكوميون، بل إنها غدت صناعة مربحة وسوقاً اقتصادياً جاذباً للموارد المالية والبشرية، وواجهة للمجتمعات وبرهاناً على تفوقها الحضاري، ولم ترِد فيما سبق كلمة مبالغة واحدة، فتطور الرياضة في أي دولة من دول العالم هو مقياس لتحضرها، لأن الإنجازات الرياضية لا تتحقق إلا من خلال اهتمام الدولة ورعايتها للرياضي (الفرد) وهو نواة المجتمع وأساسه.ومن الإجحاف أن نلقي بكل المسؤولية عن تدهور الأوضاع والنتائج على اتحاد الكرة، فسلطات مجلس إدارة الاتحاد مقيدة ضمن إطار لائحي محدد لا يمنحه الصلاحية في اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتطوير اللعبة، فملفات (إقرار الاحتراف - تطوير المنشآت - زيادة الدعم المالي - التخصيص) تتطلب مبادرة حكومية تتمثل في تقديم مشروعات قوانين إلى مجلس الأمة لمناقشتها وإقرارها ووضعها حيز التنفيذ، وفي حال عدم تحريك مبادرة من هذا النوع، فأعدكم بأن تظل كرتنا "على طمام المرحوم".من ينظر إلى واقع الكرة الكويتية بعين فاحصة ويحاول تشخيص حالها فسيدرك بمجرد إجراء فحص أولي سريع أنها أسيرة لأنظمة رثّة بالية عفى عليها الدهر وأكل وشرب، وأن تطويرها وإعادتها إلى مكانها الصحيح لا يتطلب أكثر من اتخاذ قرار يفلتها من قبضة الماضي ويضعها على طريق المستقبل، والمسؤول "الذكي" الذي يتمتع بقراءة جيدة للمتغيرات سيعي أن شريحة الشباب العاشقة بفطرتها لكرة القدم والتي تشكل الأغلبية في مجتمعنا لم تعد مستعدة لتحمل مزيد من الإحباط السائد على المزاج العام، وسيعي أيضاً أن إصلاح قطاع كقطاع الرياضة هو أسهل بكثير من إصلاح قطاعات أخرى تتطلب طبيعتها إجراءات أكثر تعقيداً. أعلم علم اليقين كما يعلم القارئ أن لتحقيق الإنجازات الرياضية مفعول السحر على أمزجة الشعوب، فهل يعلم المسؤولون - حفظهم الله - بذلك؟! أكاد أجزم أن أكثرهم لا يعلمون.قفّالعذراً يا حكومة، لا تلوموا الشباب إن ازدادوا سخطاً عليكم...
رياضة
بلا سقف: عذراً يا حكومة...
09-12-2013