ما كانت المصالحة الوطنية الفلسطينية الأخيرة واردة في قاموس حركة حماس قبل انهيار جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي هي أحد فروعها، ومثلها مثل هذه "الجماعة"، وكل فروع "الإخوان" في العالم، تابعة للتنظيم الدولي، وتردد القسم الإخواني بـ"الولاء والطاعة" للمرشد العام، ويشارك في مجلسها التشريعي ممثلون من هذا التنظيم، ومن عدد من الفروع الملحقة به من بعض الدول العربية والإسلامية كالأردن.

Ad

قبل ثورة يونيو، التي أسقطت محمد مرسي، وأزاحت الإخوان المسلمين من الحكم في مصر، لم تكن "حماس" في وارد المصالحة الوطنية الفلسطينية، وغير معنية باتفاقيات القاهرة ولا ببيان الدوحة، وكانت تعتقد أن الوضع الفلسطيني كله أصبح في يدها طالما أن الجماعة الإخوانية قد حققت كل هذه الانتصارات التي حققتها في أرض الكنانة وفي تونس، وقبل ذلك في تركيا، والتي تنتظر تحقيقها أيضاً في ليبيا وفي سورية... وأيضاً ربما في الكويت وفي الأردن وفي السودان وفي الإمارات!

لكن وبعد ما يشبه حلم اليقظة الوردي السريع وجدت حركة حماس، التي بقي يطاردها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) سنوات طويلة، وقدَّم لها تنازلات مجزية ومغرية، وخاصة على صعيد تركيبة المجلس الوطني الفلسطيني لإلحاقها بمنظمة التحرير، أن حلمها هذا قد تبخر وأنها بانهيار نظام الإخوان المسلمين قد خسرت مصر التي هي منفذها نحو العالم، ووجدت أنها غدت تُعامَل كتنظيم إرهابي على اعتبار أنها فرع من "الجماعة"، وأن كل عضو فيها، من القيادة حتى القاعدة، قد أقسم ويده على المصحف الشريف على "الولاء والطاعة" للمرشد العام، وأنها في الحقيقة تتبع تنظيمياً، مثلها مثل كل الفروع الإخوانية، للتنظيم الدولي، وتتلقى أوامرها منه بالنسبة لكل شيء.

ولذلك فإنها لم تتردد ولو للحظة واحدة عندما جاءتها الإشارة من القيادة الفلسطينية، وليس من حركة فتح، لجلسة جديدة لاستئناف حوار الوحدة الوطنية، ولذلك فإن موافقتها على اتفاقية القاهرة وعلى إعلان الدوحة الشهير جاءت تلقائية وبدون أي تردد، وكل هذا كخيار لا غيره خيار يخرجها من المأزق الذي أصبحت فيه، والذي أقساه وأشده وأكثره تأثيراً عليها هو انهيار علاقاتها مع مصر.

ثم وتقضي الأمانة أيضاً أن القيادة الفلسطينية، أي منظمة التحرير، كانت هي بدورها بأشد الحاجة إلى هذه الخطوة ولو من قبيل المناورة، بعدما أشرفت مهلة التسعة أشهر من المفاوضات مع الإسرائيليين بوساطة أميركية جدية هذه المرة على نهايتها بدون إحراز أي تقدم، فالرئيس محمود عباس (أبومازن)، الذي يعرف "حماس" أكثر مما تعرف نفسها، أراد أن يلعب هذا "الكرْت" أيضاً كما لعب "كرْت" الانضمام إلى خمس عشرة هيئة دولية للضغط على الأميركيين، وحملهم على أن يضغطوا بدورهم على الإسرائيليين لإخراج عملية السلام من المأزق القاتل الذي غدت تمر به.

والسؤال الذي من المؤكد أنه يتردد الآن بعد هذه الخطوة، وبخاصة في الأوساط الفلسطينية وفي بعض الأوساط العربية، هو: هل يا ترى بعد هذا الذي جرى في غزة قد انتهى الانقسام الفلسطيني فعلاً؟ وهل "حماس" ستنفذ ما وقعت عليه أم أن كل ما في الأمر أن هذا مجرد هدنة ستنهار عند أول منعطف طريق؟

والجواب أنه حتى يمكن الاطمئنان إلى أن نوايا حركة حماس صادقة بالفعل فإن عليها أن تنهي علاقاتها التنظيمية بالتنظيم الدولي، وأن تقطع كل صلاتها بـ"إخوان" مصر والمرشد العام وبـ"إخوان" الأردن، وأن توقف اندفاعتها الأخيرة في اتجاه إيران، وعليها أيضاً، وهذا هو الأهم، الانضباط ببرنامج منظمة التحرير، وأن تدعم بقناعة وأمانة (أبومازن) وهو يخوض هذه المعركة الطاحنة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الخامس من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.