يتصف الخجول باضطراب علاقاته مع الآخرين من خلال افتقاره إلى المبادرة لعدم جرأته، مما يمنعه من إظهار حسناته الكثيرة، لأن الخجل يكبّل اليدين عن كل نشاط.

Ad

ومن مظاهر الخجل على الصعيد الجسدي أنه يجعل صاحبه غير متوازن في حركاته، أحمر الوجنتين، يصيبه الارتجاف وتتسارع خفقات قلبه. أما على الصعيد العاطفي فإنه لا يتمكّن من التعبير عن مشاعره فيظهر وكأنه عديم الإحساس. وعلى الصعيد العقلي فإن أفكاره تتخبط عند أي مواجهة فلا يستطيع التعبير عنها فوراً بمنطق سليم.

ومما لا شك فيه أن الخجول يرغب في التخلص من هذا الوضع، لكنه لا يعلم كيفية الانتصار عليه والخروج منه. والمهم أن يقتنع في البداية أن الملايين في هذا العالم يتملكهم الشعور نفسه، أما إذا أراد الانعتاق منه فعليه أولاً أن يقنع نفسه مردّداً: «أريد أن أشفى من الخجل وسأشفى!». فهذا التأكيد للذات هو الخطوة الأولى التي معها يبدأ الوثوق بنفسه.

أسباب الخجل

العامل الرئيس للإحساس بالخجل هو فكرة خاطئة تتمحور حول شعورنا بإذلال نفسنا أو اعتقادنا بأن الآخر يحتقرنا. والخجول ليس أرعن ولا مثيراً للسخرية، لكنه يظن ذلك. وإذا لم يقتلع من عقله هذا الاعتقاد الخاطئ فإنه لن يتخطى الوضع الذي يعيشه. وفي ما يأتي سنوجز ببضعة أسطر الأفكار الخاطئة التي تسبب الخجل:

1  الاحتقار الذاتي المجحف

يتجلى احتقار الذات عندما يكون بعض الطلاب مثلاً أمام امتحان شفهيّ فإنهم يرتعشون ويتلعثمون أمام المعلّم علماً بأنهم أنهوا امتحانهم الخطي بنجاح. وعلى الشاكلة عينها يقف بعض المحامين أو الاختصاصيين لإلقاء خطاب في ندوة فيرتبكون ويلقون محاضرتهم وكأن تلميذاً صغيراً يقرأ درسه، فلا يأبه المستمعون للخطاب القيّم ولا يهتمون بمحتوياته، فلا يجرؤ المتكلم بالوقوف ثانية أمام الجمهور.

2  رعونة وهميّة

يعتقد البعض أن مظهره الخارجي غير لائق وأنّ تصرفاته تبدو خرقاء، وأن دخوله إلى القاعة يثير سخرية الحاضرين. وهذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة، كما أن هذه الأمور يمكن اكتسابها بالتعلم والمطالعة والملاحظة ومعاشرة الغير.

3  خوف من السُّخرة

يتجلى هذا الخوف عندما لا نتجرأ على التعبير عن مشاعرنا العاطفية في المناسبات العائلية وغيرها بسبب اعتقادنا أنها لن تلاقي استحساناً فتتوقف الكلمات في حلقنا وتتملكنا البرودة فنؤذي أنفسنا ونؤذي الآخرين.

4  ارتياب بالنفس متتابع حيال الإخفاق

قد يتعرّض الإنسان لإخفاق أو لمشكلة مالية بسبب أزمة اقتصادية أو غيرها، والخجول لا يعتبر نفسه ضحية الظروف بل يحمّلها مسؤولية عدم الحذر فينغلق على ذاته ويمتنع عن الظهور في المجتمع ولا يصغي إلى أية نصيحة مهما كان مصدرها.

5  علة ظاهرة يبالغ في أهميتها

أحياناً قد يكون للخجل سبب ظاهر كمثل فتاة تظهر الندوب أو حب الشباب على وجهها، أو رجل أصلع الرأس، أو شاب أعرج، لكنّ المظاهر غير الجميلة ينبغي ألا تخفي الحسنات التي يملكها هذا الشخص.

6  الخجل ليس مظهراً من التواضع

يجب ألا نخلط بين الخجل والتواضع. التواضع ميزة وفضيلة لدى الإنسان، أما الخجل فهو عيب وشائبة.

اتخاذ الموقف

لا يكمن علاج الخجل في تهدئة الألم أو إخفاء مظاهره بل ينبغي معرفة الأسباب الحقيقية للوضع الذي نعانيه، وعلة الخجول أن يدرك بكل عمق وموضوعية ما هي الأفكار الخاطئة التي تعرقل حياته فينتزعها بغضب من حنايا عقله وقلبه ويقرّر الانطلاق مجدداً بكل إيمان وثقة.

والآن قل لنفسك أيها الخجول: «سأتغلّب على خجلي وأنني على ثقة بالتخلص منه إلى الأبد»، وتعالَ معنا كي نلقي نظرة على سبل العلاج.

العلاج

لا يكتفي العلاج الفاعل بتسكين الألم بل يقتلع جذوره أيضاً. فإذا كانت لديك أفكار مخطئة بحق نفسك فما عليك سوى مواجهتها وتقييمها لتكتشف مقدار ظلمك لنفسك وابتعادك عن الحقيقة، وهذا الأمر يتم بالتروي والتفكير والإيحاء العميق.

• أولاً: لنفترض أنك تريد إلقاء كلمة بين الحاضرين فإذا بك ترتجف ويصعد الدم إلى رأسك وتغيب الكلمات عن بالك، اسأل نفسك: «لماذا أخاف؟ هل الناس المجتمعون يفوقونني معرفة؟ إذا كنت أنا من الفئة المتوسطة فإن أكثرية الموجودين مثلي، وهناك فئة أقل معرفة مني، أما الذين لديهم معرفة تفوق معرفتي فهم أقلية لها أيضاً نواقصها وأخطاؤها، إذا أنا من الأكثرية التي تتمتع بمعرفة لا بأس بها فلن أخاف من أحد ولا أحد يمكنه تخجيلي».

• ثانياً: تتهم نفسك بعدم الأناقة والتصرف غير اللائق أمام الغير فتجمد هذه الفكرة تحركاتك كافة وتجعلك منحرف المزاج، قف لحظة واسأل نفسك: «هل أنت متكلف أم ثقيل أم أحمق؟» بالطبع لا إذاً فمخيلتك هي التي تصوّر لك هذا الأمر والناس قد لا يهتمون بم ترتدي فهم غالباً لا ينظرون، أما إذا قمت بحركة غير مناسبة فالسبيل إلى تصحيحها بسيط جداً وما عليك سوى الاعتذار بكل سهولة وكأنك في بيتك.

• ثالثاً: الخجل من الأشخاص المسيطرين. تستطيع التغلب على هذا الشعور مع الوقت عندما تتأكد ألا فرق بين الأشخاص الذين يقابلهم هذا الذي تخجل منه وبينك، وعندما تقابله ادخل بشكل طبيعي جداً وقل في نفسك: «سيمر كل شيء بهدوء فأنا لست منزعجاً وسأبقى متماسكاً». وسينتهي اللقاء وتخرج أيضاً بهدوء وبساطة فيتبين لك أنك كنت موهوماً.

• رابعاً: تخجل من التعبير عن مشاعر الصداقة والعرفان والحب لأنك تخاف من السخرة! فأين هي السخرة إذا عبّرت بكل بساطة عن عواطفك الصادقة تجاه الآخر؟ إنه شيء جميل وطبيعي جداً أن نتمكن من التعبير عما يخالجنا بصدق وإخلاص، ومن غير الطبيعي أن نمتنع عن القيام بذلك عند الضرورة.

• خامساً: الانعزال بسبب خسارة أو فشل. هل تساءلت يوماً كم من العظماء الذين بلغوا القمم تعرّضوا للفشل في حياتهم؟ وهل من نجاح كبير لم تسبقه عشرات التجارب الفاشلة؟ لقد أصبت بفشل فانعزلت ولا تريد رؤية أحد. فمن قال لك أولاً إنك أنت الوحيد الذي سبّب هذا الفشل؟ وكيف تستطيع  تصحيح هذا الفشل والانطلاق مجدداً إذا انعزلت بعيداً عن الناس؟ حان الوقت لتقول لنفسك: «لا شيء غير اعتيادي في هذه الصعوبات، فالجميع يتعرض للمشاكل ولن أفقد اتزاني ولا حيويتي».

• سادساً: تتعذب من عيب أو نقص فتظهر استياءك منه أمام الحاضرين، وهذا الضعف يجب أن تتغلب عليه. فإذا كان لوضعك علاج كيماويّ استعمله لتشفى، وإن لم يكن فحاول تجاوزه قدر المستطاع. أما كيف يتمّ ذلك فأنت متأكد تماماً أن لديك حسنات وفضائل عقلية وعاطفية تلفت النظر أيضاً وتثير الإعجاب والتقدير، وعندما تقتنع بقيمتك تجاه نفسك تكون قد خطوت الخطوات الأولى نحو الشفاء.

• سابعاً: سلوكيات العمل. في هذا الميدان لا تتجرأ على الدفاع عن مصالحك عند التفاوض مع الزبائن أو لا يمكنك إعطاء الأوامر لمرؤوسيك أو التعامل مع الخدم إلى أن يأتي وقت يتبين لك فيه أنك تخطئ في تصرّفك، فهل من المعقول أن تصبح ضحية سهلة كي يلتهمك الآخرون؟ إن الذين يستغلون وضعك للإفادة منه ينبغي أن يتوقفوا عند حدهم فأنت لم تعد لقمة سائغة لهم وتستطيع منذ الآن الدفاع عن مصالحك.

• ثامناً: للعلاج الجسدي أيضاً مكانه في هذا المقام، فالتغذية المناسبة والتمارين الرياضية والنوم الجيد وعدم الإرهاق كلها تساعد على الانتصار على الخجل.

في الختام، يجب ألا ننسى أننا جميعاً ضعفاء فانون لا حول لنا ولا قوّة إلاّ بالله العلي القدير، فإذا توجهنا إليه بدعائنا وصلواتنا فإنه سميع لنا مجيب.