بعد صدور حكم المحكمة الدستورية بتحصين مرسوم الصوت الواحد وإبطال المجلس بسبب عدم دستورية مرسوم إنشاء الهيئة العليا للانتخابات، الكل مشغول بتحليل هذا الحكم وتأثيره على المستقبل وما موقف المقاطعين منه؟ وما التركيبة المحتملة للمجلس المقبل؟ لكني غير مهتم بكل هذا لأنه ببساطة لن يختلف شيئاً عن الوضع الحالي وسيستمر التدهور والدوران في حلقة مفرغة سواء قُدر للمجلس المبطل أن يستمر أو سيشارك الجميع في الانتخابات القادمة، ذلك لأن أزمة البلد أعقد بكثير من كل هذه الشكليات. وأساس الأزمة يرجع إلى ما قبل خمسين سنة عندما أُقر الدستور لا عن قناعة من الشيخ عبدالله السالم بالحياة الديمقراطية كما يحاول البعض أن يروجه بسطحية، بقدر ما كان تأثراً بالعوامل الخارجية، ونتج عن ذلك دستور مشوه لم يكن الشعب بثقافته الاجتماعية ولا الأسرة بثقافتها القائمة على "السيف والمنسف" جاهزين له. وكان الخلل الرئيسي بالدستور هو كون الحكومة تمثل أقلية بالبرلمان خلافاً لما هو سائد في الأنظمة البرلمانية. فكان من الطبيعي للسلطة بذهنيتها آنذاك أن تستميل بعض الأعضاء عن طريق الوسائل التي يعرفها الجميع من أجل حماية نفسها وتمرير ما تريده من قوانين.  وساهم في هذا الوضع الفاسد قصر نظر المعارضة القومية آنذاك، وسقفها المرتفع الذي لم يأخذ في الاعتبار صعوبة تغيير ذهنية الأسرة الحاكمة وتوجيهها بهذه السرعة من عقلية التصرف دون الخضوع للمحاسبة إلى دولة المؤسسات والمحاسبة. فنتج عن ذلك ردة فعل أدت إلى التجنيس السياسي وزيادة الجرعة الريعية عبر تكديس المواطنين بالقطاع العام وزيادة المنح والعطايا بدون مقابل من أجل تخديرهم حتى يحلو للبعض نهب خزينة الدولة عبر التلاعب بالتثمين والمناقصات.

Ad

كل ذلك شوه أساس الدولة وصورتها، وأفسد المجتمع بكامله وفتته إلى فئات وطوائف وقبائل تتصارع فيما بينها على المناصب والمنح والثروة الناضبة، وتحول مجلس الأمة إلى مسرح يعكس هذا الصراع بدلاً من أن يكون أداة للتشريع والتخطيط للمستقبل، وتم إغراق نوابه بالمعاملات وحاجات الناس المرتبطة بالحكومة المتضخمة التي بيدها خيوط اللعبة، فلم يعودوا متفرغين للتنمية الحقيقية.  فبعض الشيوخ يحركون أدواتهم فيه لضرب بعضهم بعضا، ومن يخسر مناقصة مشروع يحرك أدواته في المجلس لمحاربة نفس المشروع، ونواب يمارسون هواية الاستعراض ولعب دور البطولة بالصراخ وتقديم الاستجوابات العبثية، وآخرون مشغولون بتوزيع المنح والعطايا يمنة ويسرة وكأن النفط باق للأبد، فيما "القطط السمان" يستمرون في الغرف من المال العام عبر مشاريع بعضها لا حاجة لها، وكلها لا تساهم في توظيف الكويتيين بشكل جدي، وبين هؤلاء وهؤلاء قلة قليلة فقط حريصة على البلد ومستقبله. شاهدوا المقابلات التلفزيونية فقط، فإنكم ستجدون ألا أحد يسأل عن مستقبل الميزانية في ظل استمرار التبذير، ولا أحد يتحدث عن شبح البطالة القادم، ولا عن كثير من المشاكل الحقيقية التي تنتظر قرارات جريئة، قرارات لا الحكومة ولا المجلس مستعدَان لاتخاذها، وكل ذلك نتاج النظام الريعي الذي يدمر المجتمع بشكل مستمر. أما الحكومة فحدّث ولا حرج، فلا رؤية ولا كفاءة ولا مسؤولية، بل هناك بالفعل 16 حكومة في حكومة واحدة، وأغلبية وزرائها يجدون الوزارة فرصة للاستفادة الشخصية، أما المحاسبة فهي بعيدة عنها كبعد "عبدلي عن خط وفرة" (كما يقول الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا) وخير دليل مهزلة "الداو" التي خسرت فيها خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار نتيجة الترف السياسي واللامسؤولية بين نواب الاستعراض ورئيس وزراء خائف على منصبه.  أضف إلى ذلك الإجراءات الباطلة لحل المجلس مرتين متتاليتين، والتي تعاملت معها الحكومة وكأن شيئاً لم يكن، ولم يتحمل رئيس وزرائها أي مسؤولية، ولم يقدم حتى اعتذاراً (وهذا أضعف الإيمان)، وكالعادة لن تتم محاسبة الكبار بل سيذهب الصغار ضحية هذه المهزلة.

باختصار، نحن لسنا في دولة بل فعلياً في كيان مؤقت يتم تصفية ثرواته تدريجياً، وسواء شارك الجميع في الانتخابات أم لم يشارك، وسواء كان النظام الانتخابي بأربعة أصوات أم بصوتين أم بصوت أم حتى بربع أصوت وبأي تشكيلة للدوائر فلن يتغير شيء، وسيظل المجلس مسرحاً للصراع وتصفية الحسابات، وستظل الحكومة ضعيفة وخاضعة للابتزاز وتحوم حولها الشبهات لأن الوضع الحالي لا يمكن إصلاحه، فهو ككمبيوتر مليء بالفيروسات ويجب عمل "فورمات" له بالكامل، ومفتاح "الفورمات" هو بإصلاح البنية الاقتصادية للدولة عبر إزالة إبر التخدير عن المواطنين التي مكنت الفاسدين من اللعب بمقدرات البلد، وبغير هذا التغيير الجذري سنظل نتعامل مع نفس الهراء ولكن في يوم آخر، أو كما يقال بالأميركي (SSDD)!