فقدت الكويت أمس أحد رجالاتها البررة؛ شيخان أحمد الفارسي، عن عمر يناهز الـ94 عاماً، بعد مسيرة طويلة في العمل الخيري وخدمة وطنه الذي شهد قصة كفاحه المليئة بالعبر والمثابرة والمواقف التي تجسد معنى العزيمة والإصرار على النجاح، فقد كان للراحل إسهامات في دعم الاقتصاد الوطني.

Ad

المولد والنشأة

ولد الراحل شيخان أحمد الفارسي عام 1921 في فريج (حي) الشيوخ في منطقة الوسط قرب قصر السيف، وكان والده أحمد بن محمد أحد علماء الدين الأفاضل بالكويت، من مدينة (خُنْجْ) جنوب شرق بلاد فارس، وهو من أصل عربي، نزح أجداده من الجزيرة العربية إلى بلاد فارس بحثاً عن الرزق الحلال والعيش الكريم في القرن الحادي عشر الهجري.

لُقَّب والد شيخان بالفارسي لأنه عندما أتى إلى الكويت راح الناس ينادونه «بالفارسي» وصارت هذه التسمية لقباً لعائلته، وأصبح يعرف باسم أحمد الفارسي، وقد كان من الوعاظ المعروفين.

قصته مع التعليم

كانت طفولة شيخان صعبة ومؤلمة وشاقة، إذ ضاقت الحال بأسرته، وزادت ديونهم بعد وفاة والدهم، ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى تبدل إلى الأمن بعد الخوف والطُعم بعد الجوع.

بدأ «شيخان الفارسي» دراسته عام 1932 في مدرسة الشيخ عبدالعزيز حمادة، ومن بعدها التحق بمدرسة السعادة للأيتام، بعد ذلك التحق بمدرسة هاشم البدر القناعي التي كانت بداية طريقه لتعلم اللغة الإنكليزية محادثة وكتابة، حيث شعر وقتها بأهميتها.

ثم التحق شيخان بالمدرسة المباركية عام 1934، فتعلم بها القرآن الكريم والحساب وحساب الغوص والسفر، وقضى فيها ثلاثة أعوام. وقد أنهى شيخان دراساته بعدما وصل الصف السادس (الأول الثانوي)، ولم يكن هناك فصول دراسية أعلى من ذلك وقتها.

مشواره العملي

بدأ شيخان حياته العملية منذ أن كان في مرحلة الدراسة، فكان يذهب في فصل الصيف إلى البحر ويجمع «فلكة المحار» من الغواصين وينظفها ويبيعها، وكان يكسب من ذلك روبيات قليلة كانت تساعده على مواجهة أعباء الحياة.

بعد انتهاء الدراسة بالمباركية عَمِلَ شيخان مدرساً للمرحلة الابتدائية، ولكن لم يمكث بهذه الوظيفة طويلاً، فلم تكن هذه المهنة من أولوياته، رغم أنه ظل فيها حتى استطاع الحصول على بعثة دراسية بالخارج، وكانت في البحرين للحصول على شهادة الصناعة.

ومكث شيخان سنتين للدراسة بالكلية الصناعية بالبحرين، وحصل على الشهادة فيها، بالإضافة إلى إتقانه للغة الإنكليزية، وعاد بعدها إلى الكويت في عام 1942.

العسر واليسر

عاد شيخان إلى الكويت وكانت بانتظاره ظروف معيشية صعبة من حيث قلة الدخل وتراكم الديون على أسرته، ولم يستطع إخوانه الثلاثة تسديدها، ورغم هذه الظروف فإنه لم يستسلم، فالتحق بالعمل كمدرس بالمدرسة المباركية للمرة الثانية، وكان الراتب وقتها (15) روبية، وهو مبلغ لا يكفي بالطبع للإعاشة، وتغلب على ذلك بالعمل بعد ساعات الدوام المدرسي.

ولكن على الرغم من ذلك لم تتحسن الأحوال المادية، حتى إن شيخان كان لا يبدل «دشداشته» حتى تصبح بالية، بالإضافة إلى أنهم حين يطبخون الغداء لا يجدون ما يأكلونه في العشاء، وقد كان الجيران والمحسنون من أهل الكويت –وما أكثرهم– يجودون عليهم بالزكاة إما نقداً أو مواد غذائية.

 العمل التجاري

فكّر شيخان في ترك العمل بدائرة المعارف والبحث عن وظيفة أخرى، وبالفعل حدث ذلك في عام 1943، عندما التحق بالعمل لدى شركة هندسية تتبع الجيش الأميركي كانت تعمل في مجال تجميع قطع سفن خشبية ذات مواصفات خاصة لاستعمالها كجسور على أنهار إيران، وذلك لتتمكن القوات الأميركية من نقل المساعدات إلى الاتحاد السوفياتي عن طريق البر.

كما احتاجت هذه الشركة إلى مترجم لها مع «القلاليف» (النجارين) الكويتيين الذين كانوا يعملون لديها، وحصل شيخان على هذه الوظيفة لانطباق الشروط المطلوبة عليه، وكان يتقاضى آنذاك عنها 60 روبية، وقد كان شيخان يقطع مسافة كبيرة من قُرب قصر السيف إلى الشويخ سيراً على الأقدام، وتحمل مشاق الطريق من أجل لقمة العيش.

وعندما أنهت الشركة أعمالها في الكويت في عام 1945، عرض شيخان على المهندسين الأميركيين شراء بعض المخلفات من الشركة، وتم ذلك بالفعل، ثم أعاد بيعها وحقق أرباحاً معقولة، وكان هذا أول عمل تجاري يقوم به شيخان.

تقدم بعد ذلك بطلب للعمل لدى «دائرة تموين الأطعمة» وتم تعيينه بوظيفة كاتب لتنظيم عملية توزيع الأطعمة على الأهالي في «الفريج» (الحي)، ثم نُقلَ بنفس الوظيفة إلى منطقة «مسجد هلال» التي تقع بالمرقاب.

رحلته مع الشركات

لم يستمر شيخان كثيراً في وظيفة التموين، ففي عام 1946 دخل في شراكة مع «سيد حميد بهبهاني»، وأقاما شركة مقاولات لتوفير عمال لشركة نفط الكويت، وتوسعت الشركة وانضم إليها شركاء جدد، فزاد رأسمالها وكان الربح فيها وفيراً بفضل الله تعالى، ولكن لم يكتب لها الاستمرار طويلاً.

انتقل شيخان بعد ذلك لعمل شركة جديدة مع شركة «ويمبي البريطانية»، وقامت الشركة ببناء «البنك البريطاني»، ولم تستمر هذه الشركة أيضاً كثيراً.

قام شيخان بعد ذلك بمشاركة محمد حسين الكندري بتأسيس شركة مقاولات ذات طبيعة مختلفة في عام 1947، وكان دورها ينحصر في تجهيز البواخر بالمواد الغذائية، ولكن لم يكتب لهذه الشركة أيضاً الاستمرار رغم إمكاناتها الكبيرة، بل إنها تعرضت للإفلاس.

عزيمة لا تقهر

رغم الخسارة التي سببتها شركة النقليات لم يقف شيخان مكتوف اليدين أمام تلك المحنة، بل تقدم للحصول على قرض من أحد الأصدقاء، وبضمان مالي من المحسن عبدالله العلي العبدالوهاب المطوع، وكان المبلغ قدره عشرة آلاف روبية.

وقد استطاع شيخان أن يسدد كل ديونه بنصف المبلغ، وشارك في الباقي المرحوم – بإذن الله – عثمان الجيران، الذي دفع هو الآخر مبلغ «خمسة آلاف روبية، وقاما بفتح محل لبيع قطع غيار السيارات، وكان موقعه جزءاً من الأرض التي يشغلها مبنى دائرة البلدية.

وقد استمرت هذه الشركة سنوات عدة، وكتب لها الله عز وجل النجاح والتوفيق، إلى أن شعر كل منهما بالرغبة في أن يعمل بمفرده، وبالفعل تم ذلك وحصل «عثمان الجيران» على حصته التي بلغت حينئذ 70 ألف روبية.

واستمر بعدها شيخان في العمل بمفرده وإدارة تجارته بنفسه إلى أن شاء الله وأنهى أحمد – الابن الأكبر لشيخان– دراسته في هندسة الميكانيكا من جامعة الإسكندرية، ليتولى مهام العمل مع والده وليساعده في إدارة أعماله، وكذلك بقية الأبناء الذين قرروا بعد ذلك أن يستقل كلُّ منهم بالعمل بمفرده ومزاولة تجارة خاصة له.

وساعدهم والدهم على ذلك فأصبح - بحمد الله تعالى- لكل واحد منهم تجارته وأعماله، وبقي شيخان يشرف على أعماله وعليهم في الوقت نفسه.

المناصب التي تولاها

- عضو مجلس إدارة بنك الائتمان (بنك التسليف والادخار فيما بعد) 1964.

- عضو في مجلس التخطيط 1966.

- نائب رئيس معهد التخطيط الاقتصادي والاجتماعي 1966.

- عضو مجلس إدارة شركة أسمنت الكويت 1969.

- عضو مجلس إدارة شركة الخليج للتأمين 1970.

- عضو مجلس إدارة جمعية الدسمة التعاونية 1973.