كتبت فصول كتاب رضوان زيادة {التحول الديموقراطي} خلال خمس سنوات، منذ عام 2007، تاريخ مغادرة الكاتب سورية وانكبابه على هاجس إمكان تحقيق التحول الديمقراطي في البلدان العربية وفي سورية. الفصل الأول بعنوان {التحولات الدولية في الشرق الأوسط بعد 11 أيلول}، والفصل الثاني {ثورات الربيع العربي} والفصل الثالث {ولادة الثورة السورية} والفصل الرابع {عوامل التحول الديموقراطي}، والفصل الخامس {ربيع براغ} والفصل السادس {عملية الانتقال إلى الديموقراطية في تشيكوسلوفاكيا} والفصل السابع {إعلان دمشق وولادة المعارضة المنظمة} والفصل الثامن {التحول الديموقراطي والعدالة الانتقالية} والفصل التاسع {سوريا المستقبل}.

Ad

هذا ليس الكتاب الأول لرضوان زيادة عن الحياة السياسة في سورية بعد أزمتها أو ثورتها، فسبق أن أصدر كتاب {السلطة والاستخبارات في سوريا}.

يتخّذ زيادة من النظام الاستخباراتي مادة أولى لكتابه، باعتبار أنّه كان، وما زال، أداة الحزب الحاكم والركيزة التي اعتمد عليها للاستمرار على رأس البلاد ما يُقارب خمسين عاماً، بدءاً من عهد الرئيس حافظ الأسد، ثمّ عهد خليفته بشّار. والكتاب الجديد استكمال للكتاب السابق حول سورية وما يجري فيها.

رواد التحولات

على مدى تسعة فصول استطلع زيادة سيرة رواد التحولات الديمقراطية في العالم من جين شارب، والمهاتما غاندي، ومارتن لوثر كينغ وصولاً إلى «ثورات الربيع العربي»، قارن فيه بين التحول الديموقراطي في أوروبا الشرقية وبلدان أميركا اللاتينية مقارنة مع البلدان العربية. كذلك قام بدراسة مقارنة للتحول الديموقراطي في أكثر من 50 بلداً في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والغربية وأفريقيا، موازاة بين التجارب، والتعرف الى قصص نجاحها وتشكلها والدروس المستفادة، لا سيما أن موجات التحول الديموقراطي التي تحدث عنها المفكر الأميركي صموئيل هنتغتون بدأت في أميركا الجنوبية، البرتغال واليونان واسبانيا، وفي أميركا اللاتينية في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وغيرها، ثم في أوروبا الشرقية بولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا ورومانيا وغيرها.

يقارن المؤلف في كتابه بين ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا وبين ربيع دمشق في سورية، ويضع نظريات على مستوى تقييم التجربتين ولناحية الشبه بين النظامين والأجهزة الأمنية الاستخباراتية، مع الفارق في رأس الهرم السوري، حيث بشار الأسد يشكل ذروة الهرم، وأقرب أن يكون نظاماً شخصياً، عائلياً وبسلطات مطلقة ووراثية وبيولوجية، في حين كان ذلك مستحيلاً في قيادة الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي وهذا فارق جوهري آخر مع العلم أن التجربة التشيكية شبيهة بالتجربة السورية في إصدار إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي في أكتوبر 2004.

يهدف كتاب زيادة إلى الاستفادة من تجارب البلدان وتحشيدها لمواجهة ما تمر به سورية مع تحرر الكثير من المناطق من نظام الأسد وسيطرة الجيش الحر عليها.  ويعتبر المؤلف أن ثلاث مراحل يمر بها نجاح أي ثورة عربية وهي مرحلة تشتت النظام الاستبدادي وتفككه، مرحلة انتقالية آمنة، ومرحلة الاستقرار الديموقراطي. أما المؤشرات الاقتصادية مثل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور مستوى البنى التحتية وانعدامها، ومؤشرات أخرى لا تشكل عاملاً حاسماً في عملية التحول الديموقراطي. أكبر تحد يواجه أي بلد في مرحلة التحول الديموقراطي هو كيفية تفكيك النظام الشمولي. النظام السوري منذ الجمهورية الثالثة أي مع تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة عام 1963 لم يكن مختلفاً عن كثير من الأنظمة الشمولية التي قامت في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. لذا يجب أن تستفيد مرحلة التفكيك هذه من وفرة الدروس الضرورية التي تتضمن الانتقال الآمن والسلمي للديموقراطية.  

ويتطرق زيادة في كتابه إلى مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والعسكرية في سورية في ظل نظام البعث ولا يستثني القضايا الخارجية والاستراتيجية كقضية الجولان من جهة وقضية لبنان في السجل البعثي من جهة أخرى، ويعتبر أن التدخل العسكري السوري في لبنان الى ما لا نهاية، ودفع الجيش السوري أرواحاً بريئة من دون أن يعرف هدف وجوده هناك، قبل أن تتمكن الحشود اللبنانية الغاضبة من اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري من إخراجه. واليوم لا يزال النظام يكرر السياسة ذاتها عبر اللعب على التركيبة الطائفية اللبنانية من دون أهداف واضحة، أو حتى من دون أن يشرح للسوريين الهدف النهائي المطلوب تحقيقه من إثارة الفوضى المستمرة في لبنان، لا سيما أن السوريين قد دفعوا ثمناً باهظاَ لهذه السياسة، بدءاً بالإهمال الرسمي وبالتالي الشعبي ثم الدولي لقضية الجولان.  

ويخلص زيادة إلى القول إن معركة السوريين اليوم هي معركة مزدوجة: فمن جهة عليهم العمل لاستعادة الجمهورية، تلك التي تحوّلت تماماً الى مملكة يتوارثها الأبناء؛ ومن جهة أخرى العمل لاستعادة الديموقراطية. وفي الحالتين فإن السوريين جميعهم، بكل أطيافهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والإثنية، لا يختلفون أبداً على أولوية النجاح في كلتا الحالتين. فسورية أرض حضارات عريقة متعاقبة، منها انطلق فجر الحضارة الإسلامية. كانت على مرّ التاريخ منبعاً ومنارة للأفكار الخلاّقة والمبدعة، وكان للسوريين الدور الحيوي في نشر الفكر العروبي وعلى امتداد العالم العربي. عليهم الآن قيادة معركة الحريات ونشرها في العالم العربي، فدمقرطة الأنظمة العربية هي السبيل الوحيد لوضع أولويات ومصالح الشعوب على حساب مصالح الأنظمة، وهو ما يفتح المجال لبناء فضاء جيوسياسي واقتصادي عربي قادر على تحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة كافة، وعلى توظيف إمكانات هذا الفضاء، السياسية والاقتصادية، في استعادة الأراضي العربية المحتلة التي لم تجدِ عقود من إطلاق الشعارات في استعادتها.