في ملاحظات مختصرة وجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الأمة عقب تفجيرات ماراثون بوسطن، ذكر: "نلعب كلنا دوراً في تنبيه السلطات. فإذا شاهدتم أمراً مريباً، فارفعوا الصوت". وفي العاصمة واشنطن، تحض لوحات إلكترونية الناس على البقاء متيقظين، كذلك ردد مسؤولو الأجهزة الأمنية، وعمدات المدن الكبرى، والخبراء الأمنيون شعار حقبة ما بعد الإرهاب الشهير: "إذا رأيت أمراً مريباً، تكلم". ولكن هل يعنون حقاً ذلك؟تُظهر الوقائع في الولايات المتحدة بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر أن حُماتنا المتمسكين بصوابهم السياسي لا يريدوننا أن نرى أو نتكلم أو نقوم بأمر ما، إلا إذا كان محبو المآسي لا يستطيعون تصنيفه ضمن إطار التمييز العرقي أو الجنسي، أو رهاب الإسلام، أو رهاب المثلية، أو التعصب القومي، أو أي أمر من هذا القبيل. لنواجه الواقع: نعيش في ثقافة انهزامية لا تؤيد الأعمال البطولية خلال الأزمات إلا بالكلام، في حين أنها تعاقب بعنف الأحكام السريعة والقرارات الأمنية الفورية التي تجعل أعمال البطولة هذه ممكنة في المقام الأول.لنتأمل ردود الفعل القوية تجاه المواطنين والمراقبين الذين واجهوا المخاطر خلال تفجير بوسطن وبعده. تذكر بعض التقارير أن مواطناً سريع البديهة أوقف خلال السباق طالباً يحمل جواز سفر سعودياً في العشرين من عمره اعتقد أنه يتصرف بغرابة، ولا يُعتبر الطالب مشتبهاً فيه في الوقت الراهن، إلا أنه لا يزال "موضع اهتمام" في هذه القضية. فقد فتشت مجموعة كبيرة من وكالات تطبيق القانون منزل هذا الطالب مساء الاثنين في منطقة رفير بمساتشوستس.لكن مراسل مجلة Time، مايكل كراولي، ذكر أن "من المؤسف أن يُعتقل شاب سعودي لأنه كان يركض خائفاً ولأنه عربي فحسب". كذلك راح المنتج الموسيقي سلادغرن يتأسف على موقع "تويتر" على "الأحكام النمطية في الولايات المتحدة". ووصف المذيع التلفزيوني الهندي غارغي راوات عمل هذا المواطن بـ"المؤسف". أما محرر مدونة Gawker، ماكس ريد، فأعلن: "يجب أن يقاضي هذا الفتى السعودي المسكين الرجل الذي هاجمه".علامَ؟ على أخذه إعلانات "إذا رأيت أمراً مريباً، تكلّم" على محمل الجد؟ فلنشنقه!إذا حاول الطالب السعودي اللجوء إلى القضاء، ندرك مسبقاً مَن سيؤمن للمواطن الحماية والمساعدة القضائية، ففي عام 2007، عندما أبلغ ركاب طائرة السلطات عن مخاوفهم من مجموعة من الأئمة تسببت بالكثير من الإزعاج خلال الرحلة، هدد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بمقاضاة الركاب الذين لجؤوا إلى السلطات. إلا أن الكونغرس مرر قانوناً يحمي مَن يحذرون من أي مخاطر.وكما قال النائب الجمهوري بيل شاستر آنذاك: "يجب ألا يُحاكم أي أميركي لأنه حاول منع عمل إرهابي. يجب ألا يُرغَم أي أميركي على التشكيك في قراره تنبيه السلطات، قرار قد ينقذ أرواح كثيرين".لا أحد يعلم ما يدور وراء الأبواب الموصدة فيما يتواصل التحقيق في عملية التفجير. غير أن البعض في مجال الإعلام والصحافة الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعية مقتنعون: المواطن الذي هاجم الشاب السعودي متحيز عنصرياً. وكل مَن يذكر جنسية هذا الطالب متحيز أيضاً. لننسَ الإرهاب، فالعنصرية هي الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمن القومي في أمتنا.كان هذا أيضاً رد الفعل غير الجدي تجاه أي شخص تجرأ على الهمس علانية أن شرطة بوسطن أصدرت بعد ظهر يوم الاثنين دعوة للتنبه لأي شخص قد يبدو مريباً، فقد طلب المحققون من رجال الشرطة التنبه لأي رجل "بشرته داكنة أو سوداء" يتحدث "على الأرجح بلكنة أجنبية".لكن المثير للسخرية أن شرطة بوسطن انتُقدت لأنها أصدرت تحذيراً شاملاً جداً في نظر البعض ومحدداً جداً في رأي البعض الآخر، فقد قال أحد النقاد: "ينطبق هذا الوصف على كل سكان بوسطن"، في حين احتج آخرون على الكشف عن أي تفاصيل وصفية، وغالباً ما جوبه هذا الوصف بالسؤال الغاضب: "لماذا؟".لماذا؟ لأننا إن أردنا حقاً محاكمة القتلة والمتآمرين، فمن المفيد أن نعرف شكلهم على الأقل، وهذا ما ذكرته أعلاه.ضُرب ستار من "الصمت" مجدداً بعد أن أُخليت طائرة تابعة للخطوط الجوية الأميركية في مطار لوغان في بوسطن يوم الثلاثاء بسبب شكوك حول راكبَين جالسَين في مقعدَين منفصلَين يتحدثان باللغة العربية، فوصفت شيمالا داسون في مدونتها هذا العمل بـ"جنون الارتياب العنصري"، وكتب محرر الموقع الاجتماعي التابع لـ"نيوزويك"، بريان رييس، أنه "مقزز"، في حين ذكرت معلمة اللغة العربية جنان طبرة بغضب: "هذا سخيف"."سخيف"؟ قولوا ذلك لعدائي الماراثون ولأفراد عائلاتهم المصدومين العائدين إلى منازلهم بعد اعتداء بوسطن الإرهابي. هم مَن كانوا في الطائرة في ذلك المطار عينه حيث خطف مجاهدون يتحدثون العربية في الحادي عشر من سبتمبر طائرتَين وهدموا البرجَين. لا أشكك في قرار أي منهم أو قرار المواطنين الذين أوقفوا الطالب السعودي، لأنني لم أنسَ.لم أنسَ الركاب وطاقم الطائرة الذين هاجموا ريتشارد ريد، عضو تنظيم "القاعدة" الذي كان يحمل متفجرات في حذائه خلال رحلة الخطوط الجوية الأميركية رقم (63)، قبل أن يتسنى له تفجير الطائرة فوق المحيط الأطلسي.لم أنسَ أيضاً براين مورغينشتيرن، عامل "سيتي سنتر" المراهق الذي اتصل بالسلطات عام 2007 عندما أحضر رجال من الشرق الأوسط أشرطة يَظهرون فيها وهم يطلقون النار ويصيحون "الله أكبر". فأُدين هؤلاء الرجال بالتخطيط لقتل جنود أميركيين في قاعدة فورت ديكس.لم أنسَ وعي الممثل جيمس وودز، الذي أبلغ المضيفة أن مجموعة من الرجال العرب الجالسين في مقصورة الدرجة الأولى في شهر أغسطس عام 2001 يتصرفون بغرابة، وتبين لاحقاً أنهم خاطفو طائرات الحادي عشر من سبتمبر، وأنهم كانوا يجرون اختباراً لما سيقومون به لاحقاً.لا يعفيك هؤلاء المراؤون عندما ينظرون إلى الوراء من الانتقاد العلني، إلا إن ضمنت مسبقاً أن مخاوفك وشكوك ستصيب في كل مرة، ولا شك أن هذا مستحيل.ليصمت الجبناء الذين يرفعون شعار "إذا رأيت أمراً مريباً، فلا تتكلّم" وهم يجلسون على الهامش، ملوحين ببطاقة مثل "رهاب الإسلام" و"العنصرية" بعد كل اعتداء إرهابي. أفضّل أن أُنتُقد على التنبيه من أي أمر مريب على أن أموت وأنا جالسة مكتوفة اليدين.
مقالات - Oped
شعار الولايات المتحدة الفارغ: «إذا رأيت أمراً مريباً... تكلم»!
20-04-2013