تقف فرنسا تقف عند مفترق طرق، فهي تمتلك قدراً هائلاً من الأصول القيمة، لكن لا يجوز لها أن تؤجل الإصلاحات التي طال انتظارها، وإلا فإن أهميتها ستتضاءل على نحو متزايد في ظل اقتصاد عالمي يتسم بالمنافسة الشرسة. وهذا هو التحدي الاقتصادي الذي يتعين على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء جان مارك آيرو، وجميعنا في الحكومة الفرنسية أن نتصدى له.إننا نواجه مسؤولية تاريخية: فنحن في احتياج إلى تحديث الاقتصاد الفرنسي، وتنفيذ إصلاحات هائلة في غضون بضعة أشهر من أجل توليد النمو الأكثر قوة وشمولاً، وتوفير المزيد من فرص العمل، وتقليص العجز العام. وهذا على وجه التحديد ما كانت الحكومة عاكفة عليه منذ الانتخابات التي جرت في وقت سابق من هذا العام؛ والواقع أنه لم يسبق لأي حكومة فرنسية أن نفذت هذا القدر الكبير من الإصلاح في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن. كان أداء الاقتصاد الفرنسي باهتاً أثناء السنوات العشر الماضية، خصوصاً فيما يتصل بالقدرة التنافسية، واستدامة الديون، والإنفاق العام، وسوق العمل. وتتلخص مسؤوليتنا في ضمان بذل أقصى جهد ممكن في كل من هذه المجالات حتى عام 2017، عندما تنتهي الفترة الانتخابية الحالية.ولكي نواجه هذا التحدي بنجاح، فقد عملنا على تصميم استراتيجية اقتصادية تستند إلى ثلاث ركائز: أوروبا، وضبط الأوضاع المالية، والقدرة التنافسية.وتشكل أوروبا الأولوية الأولى في نظرنا: حيث يشكل تثبيت استقرار منطقة اليورو وحل أزمتها الحالية ضرورة أساسية لتحقيق الاستقرار والتعافي الاقتصادي في فرنسا.وتصر حكومة هولاند على أننا لن ننجح في تحقيق هذه الغايات إلا من خلال تلبية ثلاثة شروط، فأولا، يتعين على أوروبا أن تتبنى نهجاً متوازناً في التعامل مع ضبط الأوضاع المالية- وهي عملية ضرورية، ولكنها قد تؤدي إلى نتيجة عكسية إذا تم تنفيذها بسرعة أكبر مما ينبغي. يتعين علينا إذن أن نكسر هذه الحلقة المفرغة من المخاطر المصرفية والمخاطر السيادية الكامنة في قلب أزمة منطقة اليورو. وهذا يتطلب تأسيس اتحاد مصرفي تام النضج- في ظل وجود هيئة إشرافية تشمل عموم أوروبا ونظام قوي للحل المصرفي والتأمين على الودائع- في أقرب وقت ممكن. وأخيراً، يتعين علينا في الأمدين المتوسط والبعيد أن نستكمل عملية التكامل في منطقة اليورو والتحرك إلى الأمام على مسار التضامن وتقاسم المخاطر- على سبيل المثال، من خلال وضع ميزانية خاصة لمنطقة اليورو.في أواخر نوفمبر، وافقت منطقة اليورو أخيراً على إعادة جدولة ديون اليونان من أجل تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها البلاد. وهي خطوة حاسمة نحو تثبيت الاستقرار، ولكن الطريق لا يزال أمامنا طويلاً. ففي عام 2013، سيكون لزاماً علينا أن نحول أنظارنا باتجاه بلدان أخرى (مثل قبرص وإسبانيا)، وضمان الحفاظ على الزخم اللازم لبناء الاتحاد المصرفي. يشكل ضبط الأوضاع المالية الركيزة الثانية التي تقوم عليها الاستراتيجية الاقتصادية الفرنسية، والواقع أن فرنسا لم تعتمد قط ميزانية متوازنة طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، وقد بلغ دينها العام مستوى غير مستدام عند 1.7 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار) في عام 2011. وواجبنا اليوم هو أن نرتفع إلى مستوى الحدث ونعمل على عكس هذا التيار الخطير.إن فرنسا ملتزمة التزاماً كاملاً بجهود ضبط الأوضاع المالية الكفيلة بإعادتها إلى موازنة متوازنة بحلول عام 2017، وهذا ليس مجرد التزام سياسي؛ فقد أولينا اهتماماً خاصاً لمسار فرنسا المالي في قانون تم استنانه في نوفمبر.وسيكون العام القادم بمنزلة علامة فارقة على هذا الدرب: إذ تستهدف فرنسا خفض العجز في عام 2013 إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد 5.2% في عام 2011، و4.5% في عام 2012، وخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بداية من عام 2014 فصاعداً. وهو التزام طموح، ونعتزم الوفاء به من دون اللجوء إلى السياسة الضريبية العتيقة التي تقوم على "فرض الضرائب والإنفاق": فعلى مدى الأعوام الخمسة المقبلة، ستكون تخفيضات الإنفاق أكبر من الزيادات الضريبية، لكي تصل إلى 60 مليار يورو على مدى خمسة أعوام.ومن الواضح أننا سنضطر إلى تحديث الإدارة الفرنسية لتحقيق هذه الغاية، والاستفادة من أفضل الممارسات في دول أخرى، ولكن التحدي الماثل أمامنا في السنوات الخمس المقبلة يتلخص في تكييف وترقية مؤسساتنا من دون تقويض جودة الخدمات العامة، والتي تشكل جزءاً لا يتجزأ من القدرة التنافسية التي تتمتع بها فرنسا.وأخيراً، ألزمنا أنفسنا باتخاذ تدابير تهدف إلى معالجة القدرة التنافسية التي أصابها الوهن، وذلك من خلال "الميثاق الوطني للنمو، والقدرة التنافسية، وتشغيل العمالة"، والذي يشتمل على خفض تكاليف العمالة لمصلحة أصحاب العمل بقيمة 20 مليار يورو، على أن يتم هذا على ثلاث مراحل. وسيعمل ائتمان جديد لضريبة الشركات على خفض الضرائب المفروضة على الرواتب بمقدار 6% لكل الأجور الأدنى من ضعفين ونصف ضعف الحد الأدنى للأجور- وهي الخطوة التي ستفيد أكثر من 80% من كل العاملين بأجر. ولأن التوقعات بالنسبة إلى أجندة فرنسا التنافسية مرتفعة، فسنضمن التنفيذ السريع للميثاق الوطني حتى يصبح بوسعه تحقيق النتائج بحلول عام 2013. ولقد صممنا ائتمان ضريبة الشركات من أجل تعظيم تأثيرها الإيجابي على الاقتصاد: ستهبط تكاليف العمالة على الفور من دون الإضرار بالطلب الكلي في عام 2013، لأن تدابير خفض الإنفاق (10 مليارات يورو) وزيادة الضرائب على الأسر التي ستمول هذا الائتمان لن تبدأ قبل عام 2014.ويهدف الميثاق أيضاً إلى تحسين بيئة العمل وخلق الآليات المصممة لتعزيز الإبداع والابتكار، مثل تمديد الإعفاء الضريبي لتعزيز البحوث والابتكارات. أخيراً وليس آخراً، أطلقنا إصلاحات كبرى لسوق العمل، وستعمل هذه الإصلاحات على ترسيخ نسختنا من نموذج "الأمن المرن" في شمال أوروبا. إن الشركات تحتاج إلى قدر أكبر من المرونة لضبط رواتب موظفيها وتعديلها في ظل ظروف اقتصادية معاكسة؛ ويحتاج العاملون إلى قدر أعظم من الأمان الوظيفي، وهو ما يوفره لهم التدريب وسياسات سوق العمل النشطة.نحن ملتزمون بإصلاح الاقتصاد الفرنسي، ولكننا ملتزمون بالقيام بهذا في حين نظل أوفياء لقناعاتنا السياسية، ومن دون المساس بكل ما يجعل فرنسا قوية ومتميزة: وهو نموذج اجتماعي يتسم بقدر كبير من إعادة التوزيع. وتشكل أوروبا، وستظل، جزءاً من الحل، إذا اتفقنا على أن المزيد من التضامن هو الخطوة التالية في رحلتنا المشتركة.إن أوروبا تحتاج إلى المزيد من التضامن، ليس من أجل التغلب على الأزمة واستكمال عملية التكامل في منطقة اليورو فحسب، بل من أجل سد الفجوة المتسعة بين أوروبا وشعوبها، أيضاً، وأنا أتطلع إلى عام 2013 بوصفه عاماً من التقدم على مسار تحقيق أهداف أجندتنا الوطنية والأوروبية على السواء، فكل هذه الأهداف تشكل وجهين لعملة واحدة في نهاية المطاف."بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"
آخر الأخبار
عام الحساب في فرنسا وأوروبا
25-12-2012