تقنية التعلم بالاستبصار

Ad

قررتُ تحديد موعد مع معالِجة مختصة بهذه التقنية. كنتُ أعلم أن التعلم بالاستبصار يعني الإصغاء إلى الجسم والعواطف، لذا بدا لي أن هذا العلاج يناسب حالتي: كنتُ أتصرف بعدائية وكان مزاجي سيئاً دوماً وكنتُ أعجز عن إخفاء مشاعري السلبية أو تفريغها. شرحت الاختصاصية أنها لن تبحث عن أسباب الحالة التي أعبّر عنها بل إنها ستركز على طريقة التعبير التي أستعملها خلال جلسة العلاج.

بدأتُ أختصر لها عواطفي وتساؤلاتي سريعاً، فسألتني عن شعوري أثناء التحدث في هذا الموضوع. أجبتُها فوراً بأنني أشعر ببعض القلق. فتعجبت من ذلك لأن تعابيري لم تكن تدل على قلقي بحسب قولها، ثم شعرتُ برغبة في البكاء وانتابني حزن شديد ولكني لم أستطع تبريره. ربما أشعر بالحزن لأنني لم أعد أستطيع مشاركة أيامي مع المرأة التي أحبها بعد التغيير الذي طرأ على مكان عملها. لكني شخص منطقي بطبيعتي، لذا كنت أعلم أن شيئاً لن يغير علاقتنا ولم أكن أخشى خسارتها ولا أظن أنها ستنساني يوماً. لكن سرعان ما استدركت المعالِجة الوضع وطلبت مني عدم التفكير بشكل منطقي عند التعبير عن مشاعر مماثلة، بل من الأفضل أن أطلق العنان لذلك الشعور وأن أتركه يجتاحني قدر الإمكان. فخصصتُ بضع لحظات كي أصغي إلى حزني، فانتابتني مشاعر أخرى مثل انعدام الأمان والخوف.

بدأتُ أخبرها عن طفولتي القاسية والمشاكل التي كانت قائمة بين الوالدين. ماذا لو كان هذا الحزن العميق الذي أحمله في داخلي هو نتيجة الطفولة التي عشتها؟ استنتجتُ أنني أحتاج إلى استعادة حياتي ولا شك في أن الجلسات اللاحقة من هذا العلاج ستساعدني على تحقيق ذلك.

المقاربة السردية لمحاربة المعتقدات القديمة

قابلتُ معالِجة أخرى كانت متخصصة بتقنيات المقاربة السردية. في هذا الجزء من العلاج، يجب ألا تكون تجاربنا هي التي تمنح معنى لحياتنا بل يجب التركيز على القصة التي تنتجها هذه التجارب.

ما هي الأمور التي أختار سردها من بين تلك التجارب؟ على عكس تقنية التعلم بالاستبصار، لا تهتم المعالِجة هذه المرة بعواطفي حصراً بل بأسباب تلك العواطف وبالكلمات التي أستعملها لشرح القصة. اختصرتُ الأمر ببضع كلمات: في هذه القصة، لم يكن أمامي أي خيار آخر وأشعر بأنني ما عدت أستطيع السيطرة على حياتي. ثم نصحتني المعالِجة بإعادة إحياء معتقداتي القديمة. هل كنتُ أمام خيار واحد فعلاً؟ هل يجب المجازفة بعلاقتي مع الشريك لأجل منصب عمل؟ ثم سألتني المعالِجة عن أهم قيمة تطبع علاقتنا الثنائية، فأجبتُ بكلمة واحدة: الاحترام.

نجحت علاقتنا في تجاوز المصاعب بفضل الاحترام المتبادل. هذا الاحترام نفسه هو الذي جعلني أدعمها في مسارها المهني الجديد. وهذا الاحترام نفسه كان يمكن أن يدفعها إلى رفض المنصب الجديد لو أنها شعرت بأنني لا أوافق على خطوتها المهنية هذه. بفضل هذه القيمة، يمكن أن ننجح سوياً وأن يساهم كل واحد منا في نجاح الآخر أيضاً. بالتالي، هل كان لدي خيار آخر؟ هل كنت أسيطر على حياتي فعلاً؟ إذا كان الوضع كذلك، فلماذا أشعر بهذه التعاسة؟

استعملت المعالِجة الكلمات التي استخدمتُها للتحدث عن وضعي: انفصال، تعاسة، حزن... إنها كلمات قوية وهي كفيلة بإنشاء صدمة أولية بسبب احتمال الانفصال والخوف من الوحدة، ثم أوضحتُ لها أنني أكره أن يتخلى عني أحد. بما أن هذا الحب أساسي في حياتي، يصبح هذا التغيير في نمط الحياة مقلقاً بالنسبة إلي. اقترحت عليّ المعالِجة تطبيق تمرين يقضي بتذكر وتعداد الأشخاص المهمين في حياتي، مع استرجاع العبارات التي كان يستعملها المقربون مني في حالات مماثلة. فتذكرتُ تعابير إيجابية تؤكد على أن الجميع يثقون بي. منحتني تلك الطاقة الإيجابية راحة مدهشة. شعرتُ بأنني ألقيتُ بثقل أحزاني على طرف آخر.

استرجاع الأوقات المفصلية لاستعادة الثقة

تقضي هذه التقنية بالانتقال إلى مرحلة أخرى من الوعي، بما يشبه التنويم المغناطيسي، لأجل تذكر الأوقات المفصلية من حياتي، بدءاً من ولادتي وصولاً إلى الوقت الحاضر، بالإضافة إلى تحديد التوقعات للمرحلة المقبلة. حين أغمضتُ عيناي، طلبت مني المعالِجة تخيّل اللحظة الراهنة قبل الابتعاد عنها وكأني أطوف فوق مراحل حياتي الزمنية. عدتُ إلى الماضي ورأيت وجوهاً مألوفة ولحظات سعيدة. ماذا عن المستقبل؟ لم أشاهد شيئاً. يبدو لي المستقبل فارغاً. لم أتمكن من تصور أي حدث مستقبلي.

الأسوأ من ذلك هو أنني شعرتُ بالبرد والفراغ، فطُلب مني أن أسترجع حدثاً شعرتُ خلاله بالأمر نفسه. فعدتُ مجدداً إلى ذكريات طفولتي. هكذا تواصلتُ مجدداً مع عواطفي الدفينة واسترجعتُ أحاسيس الخوف والخسارة، ثم استرجعتُ المشاعر التي سبقت ذلك الخوف كي أشعر ببعض الارتياح قبل أن أستعيد اللحظات الصعبة. شعرتُ بالفرح والبهجة كأي طفل، ثم انتابني شعور جديد حين تذكرتُ أيام طفولتي الأولى. شعرتُ بالحماسة والسعادة حين فكرتُ بلحظاتي مع والدتي.

بعدما كنتُ أعتبر تلك الذكريات مصدر ألم وخوف، اكتشفتُ مشاعر السعادة والمتعة والمرح. في هذه المرحلة، كان يجب أن أغتني من هذه الأحاسيس الإيجابية وأن أحاول تسخيرها لتخيل أحداث مستقبلية. عدتُ إلى الحاضر ثم انتقلتُ تلقائياً إلى حقبة المستقبل، فأدركتُ فجأة أن ذلك المستقبل ليس فارغاً ولا سلبياً، بل إنه يعج بوجوه أعرفها: لم يتبخر الأشخاص الذين أحبهم بل إنهم هنا لمساندتي. لم يتغير شيء ولم أخسر معنى حياتي. سردتُ هذه التجارب على مسامع زوجتي ونجحتُ في اكتشاف مخاوفي الحقيقية وقد استعدتُ راحتي الداخلية في الوقت نفسه. ففهمت زوجتي ضرورة أن تُطمئنني إلى أنها لن تتركني. هذا ما يجب أن أعرفه كي لا أشعر بألم الفراق.