كتب أحد أصدقاء الفيسبوك ساخراً على صفحته أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خرج من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 تحت وابل من القصف والخراب والقتل، صعد الباخرة في مرفأ بيروت وهو يرفع شارة النصر.

Ad

كان الأمر أشبه بكوميديا سوداء أو أحد أشكال السريالية التي يمارسها الزعماء الشموليون ويصدقهم شعبهم ويدأب على تقليد سلوكياتهم بدل محاسبتهم. احترقت بيروت بالنار والبارود وتفككت الدولة اللبنانية والوجود الفلسطيني فيها، وعرفات يرفع راية النصر ويبتسم كأن الأمل عنده أقوى من كل شيء. كان يتصرف ببرودة أعصاب، كأن الأثقال كافة فوق كتفيه لا تثنيه عن الابتسامة المعروفة والإصبعين على شكل الرقم سبعة. انتصر عرفات بما فيه الكفاية حتى صارت علامة انتصاره إشارة مقلوبة أو علامة على كارثة جديدة، كأنه كان يتلقى لكمة على عينيه ويرفع راية النصر، ربما كان يريد لم الشمل، ولكن الوقائع كانت تقول عكس ذلك.

كانت شارة النصر تلازم الزعيم الفلسطيني في كل مكان وزمان، مثل قبلاته السياسية التي كان يوزعها على الجميع، كبيراً وصغيراً، امرأة ورجلاً، ولم يكن يترك أحداً يراه من دون أن يهجم عليه بالقبلات، فيقبل من يلقاه ثلاثاً وأحياناً بقبلة إضافية على الرأس. آخر مشهد لعرفات في سفره الأخير إلى باريس للعلاج كان قبل أن يركب الطائرة، مرتدياً لباساً رياضياً وقبعة صوف روسية، والهزال الشديد يسيطر عليه، لكن لم يمنعه من أن يملأ يده بالقبلات وينثرها على الفلسطينيين ومصوري وكالات الأنباء. إنها القبلات الأخيرة.

كانت علامة النصر في حياته مثل فلكلور، مثل كوفيته التي باتت موضة عالمية. الأرجح أن شعارات النصر التي يعد بها أمين عام {حزب الله} حسن نصرالله هي نفسها شعارات عرفات، صارت موضة في خطبه الدورية والتلفزيونية والمناسباتية، بات يكرر وعده بالنصر. دمر لبنان في {حرب تموز} ولم يتوقف الإعلام عن الحديث عن أسطوانة النصر الإلهي، والآن يزداد الخراب في المعارك السورية وهو يتحدث عن الوعد بالنصر.

سواء في الشأن الفلسطيني أو السوري أو اللبناني، لم يعد المواطن العادي يريد انتصارات قاتلة، بل يريد أن يعيش بهدوء وسلام وأمان، ذلك لأن كل وعد بالنصر يجلب المزيد من الجنازات والتشرد والقتل والتفكك الاجتماعي.