الشَّيْخُ: من أدرك الشيخوخةَ، وهي غالباً عند الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرم.

Ad

هكذا عرّف المعجم الوسيط كلمة الشيخ، لذا لن أشعر بانزعاج نفسي عندما أُسبق يوسف القرضاوي بالشيخ، فتخطي سن الخمسين يعطي لكل شخص الحق في أن يوصف بالشيخ، ولكن ليس كل من يحمل وصف الشيخ يحظى بحصانة أو احترام.

ترددت كثيراً قبل أن أكتب عن القرضاوي الشيخ القطري الذي كان يحمل الجنسية المصرية، ولكنه فضّل عليها أخرى أعطته جواز سفر يدخل به بلده السابق مصر، لاحظت مبكراً ذلك النهم لديه للعودة للانتقام والاستحواذ، أذكر عندما حملته أيادٍ خفية ليؤم الصلاة في ميدان التحرير في الجمعة التالية لسقوط نظام مبارك، لم يكن ذلك مفهوماً وقتها، كيف ولماذا أتى هذا الرجل ليقفز فوق رؤوس وأكتاف المتظاهرين التلقائيين والمدسوسين والمنظمين، ولكن الأمر أظنه بات مفهوماً الآن، وبعد ذلك ازدادت زياراته لمصر بلده السابق، وحرص على أن يكون في مقدمة الصورة دائماً وحمل مهمة الترويج لفكر التنظيم الذي ينتمي إليه، وتم تكليفه من أطراف غير معلومة حتى الآن للقيام بهذا الدور، وقد يكون من المناسب هنا التذكير بأنه هو من قام بمهمة حل شعبة "الإخوان" في قطر ووقف نشاطها في قطر مقابل ضمان الدعم الكامل للجماعة على مستوى العالم وهذا موضوع آخر له حديث آخر.

ظل القرضاوي يحوم حول الأزهر المؤسسة الأهم في العالم الإسلامي وترددت شائعات وقتها عن أنه يتم الإعداد لتحقيق حلمه بالقفز والاستيلاء على منصب الإمام الأكبر الذي يشغله العالم الفاضل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وبعدما اختطف مرسي منصب الرئاسة فُتِحت الأبواب أمام الشيخ القطري وبات ضيفاً دائماً ثقيلاً على قلوب المصريين الذين يدركون حقيقته والذين كانوا يزدادون يوما بعد يوم، كان يطل من خلال اللقاءات التليفزيونية التي أجاد الأداء فيها، لكن الذي كان أكثر إيلاماً هو احتلاله لمنبر الجامع الأزهر بوضع اليد، ففي تلك الفترة لم يكن لأحد الحق في أن يعترض على سادة الأمر الذين أمسكوا بتلابيب البلاد من جماعة "الإخوان"، لذلك اعتاد الشيخ القطري أن يخطب الجمعة عدة مرات من فوق منبر الأزهر داعياً الناس إلى تأييد "الإخوان" ومشروعهم الذي كان يحمل اسم "النهضة" ولم يرَ المصريون منه إلا الخراب.

لم يتحمل القرضاوي، مثله مثل كثيرين من أمثاله، صدمة يقظة المصريين وإطاحتهم بالإخوان من الحكم، بمن فيهم ممثلهم في قصر الرئاسة محمد مرسي، وأصابته ثورة المصريين بمزيج من الصدمة والغضب والارتباك وعدم القدرة على السيطرة على النفس أو الألفاظ والأفعال، وبدا ذلك واضحاً من خلال تخبطه وتصريحاته الغاضبة، والتي تجاوز فيها في اللفظ والموقف تجاه شعبه السابق وبلده الذي كان ينتمي إليه، ولم يسلم من تجاوزاته الإمام الأكبر الذي يتميز بعفة اللسان والتسامح فلم يرد على تجاوزاته اللفظية وهجومه الشخصي ورفض مجرد مناقشة فكرة طرده من هيئة علماء الأزهر، أيضاً لم يسلم منه الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق الذي وصل القرضاوي في تجاوزاته اللفظية تجاهه إلى مستوى مفاجئ للجميع، حيث وصفه بأنه صاحب فتاوى سامة وتعليمات مشبوهة وأحكام مسيسة ووصف وجه دكتور علي جمعة بالقبيح، وقوله بالأحمق وفعله بالأرعن.

ولكي أكون غير متجنٍّ على الشيخ سناً فإنني هنا أشير سريعاً إلى نماذج جديرة بأن تدرس لتجاوزات الرجل الذي يفترض أن دوره أن يتصدى لإرشاد الناس، ولكنها هنا تدرس كنماذج ينبغي معرفتها لتجنبها، في مقال له تحت عنوان "وقفات مع شيخ الأزهر وقضية الانقلاب على الشرعية" يقول: إنه "كان ينبغي ألا تلوث عمامة الأزهر، ولحية شيخه، بمساندة هؤلاء، الذين أثبتت الأيام القليلة الماضية فساد طوياتهم، وسوء مكرهم، وظمأهم نحو السلطة، وسعيهم إلى سدة الحكم عبر دماء الشهداء، وأشلاء الأحرار"، وفي موضع آخر قال إن "الفساد تفشى في مختلف المؤسسات المصرية، وفي مقدمتها الأزهر".

هذا قليل من كثير من تجاوزات القرضاوي المستمرة تجاه الأزهر، الأمر الذي دفع مصادر في هيئة كبار علماء الأزهر، التي يشغل القرضاوي عضويتها، إلى وصف تعبيراته التي وردت على موقعه على الإنترنت، بأنها أثارت استياء الكثير من هيئة كبار العلماء، بينما اكتفى الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق بالتعليق بقوله إن "كل ما يقوله القرضاوي ليس من الإسلام في شيء"، مشيراً إلى أن القرضاوي، (87 عاماً)، أصبح غير مسؤول عما يصدر منه الآن، ومن جانبها، رفضت مشيخة الأزهر التعليق رسمياً على كلام القرضاوي، بقولها: "الأزهر وشيخه أكبر من أن يردا على مثل هذا الكلام".

الجديد الذي خرج به الشيخ القطري هو هجومه المخزي على الجيش المصري والتحريض عليه، مما دفع بعض المواطنين إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام المصري يتهمونه فيه بالتحريض على الجنود المصريين، وقد وصف الجيش المصري بالمتخازل والمهزوم، قائلاً: "إن الجيش المصري انهزم في ثلاث حروب 1948 و1967 و1956، وانتصر في حرب واحدة فقط، وهي 1973" وقبلها بأيام طالب الجنود المصريين بعدم الانصياع لأوامر الضباط.

لقد اختزل الشيخ الإسلام في "الإخوان المسلمين"، وقال إن من يهاجم "الإخوان" هو عدو الإسلام، وقبل، وهو في عمره هذا، أن يتحول إلى أداة لتحقيق أهداف الجماعة التي في ما يبدو لم يخضع فيها لمبدأ السمع والطاعة، ويفقد الرجل يوماً بعد يوم احترام جزء جديد ممن يكتشفون حقيقة مواقفه.