أيدت محكمة الاستئناف حكم محكمة أول درجة ببراءة مواطن من تهمتي غسل الاموال وارتكاب جريمة الربا الفاحش في دعوى قضائية ليست بمألوفة في الدعاوى القضائية الجزائية التي تنظرها المحكام الجزائية.وكانت النيابة العامة قد وجهت للمواطن بأنه أجرى عملية غسل للأموال المبينة بالتحقيقات مع علمه أن تلك الأموال متحصل عليها من جريمة الإقراض بربا فاحش بأن قام بإقراض المجني عليهم وهم خمسة مواطنين قرابة 300 الف دينار بفائدة اشترطها على كل واحد منهم، تحصل عليها وحاز واحتفظ بتلك الأموال في حساباته في ثلاثة بنوك محلية بهدف تمويه وإخفاء حقيقة تلك الأموال ومصدرها غير المشروع مع علمه بأنها متحصلة من جريمة. كما وجهت النيابة للمتهم بأنه استغل حاجة المجني عليهم وأقرضهم نقودا بربا فاحش بأن تحصل من كل واحد منهم على المبالغ المالية المحدد مقدارها بالأوراق بالزيادة عن المبالغ التي أقرضها لكل منهم، وطلبت النيابة عقابه بالمواد 230 من قانون الجزاء و1، 2، 6/1 من القانون رقم 35 لسنة 2002 في شأن مكافحة غسل الأموال، فيما أكدت التحريات أن حجم الأموال التي دخلت بحسابات المتهم من الثلاثة قرابة الـ500 الف دينار خلال فترة الواقعة.وقالت محكمة الجنايات برئاسة المستشار عماد المنديل وعضوية المستشارين اسامة العربي، وأحمد الياسين في حيثيات حكمها انها تشير تمهيدا لقضائها إلى أن جريمة الإقراض بربا فاحش الواردة في البند الثاني من تقرير الاتهام هي الأساس المكون لجريمة غسل الأموال الواردة بالبند الأول من ذلك التقرير وتدور الأخيرة مع الأولى وجودا وعدما بحيث إذا انتفت الثانية انتفت الأولى بالتبعية لها.وقالت المحكمة «لما كان ذلك وكان من المقرر بنص المادة 230 من قانون الجزاء إن (كل من استغل حاجة شخص أو طيشه أو هواه وأقرضه نقودا بربا فاحش يعاقب...إلخ). كما أنه من المقرر بنص المادة 151/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أن (تعتمد المحكمة في اقتناعها على الأدلة المستمدة من التحقيق الذي أجرته في القضية أو من التحقيقات السابقة على المحاكمة، ولها مطلق الحرية المطلقة في ترجيح دليل على دليل وتكوين اقتناعها حسبما يوحيه إليه ضميرها)، كما أنه من المقرر بقضاء محكمة التمييز أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع محكمة الموضوع إلى الأدلة المطروحة على بساط البحث، إذ إن تقدير الدليل ومدى كفايته لإدانة المتهم موكول إليها ولا معقب عليها (الطعن رقم 307/2004 جزائي جلسة 29/3/2005).وأوضحت المحكمة لما كان ذلك وكان نص المادة 230 من قانون الجزاء سالف البيان قد اشترط ثلاثة أركان لتحقق تلك الجريمة وهي 1- أن يكون هناك شخص محتاج للمال. 2- أن يعلم المقرض أن الشخص المقترض منه محتاج للمال أو أنه ضعيف النفس أو أنه طائش متسرع لا يعي عواقب الأمور فيستغل ذلك. 3- أن يقرض المقرض المقترض نقودا بربا فاحش.وبينت المحكمة «لما كان ذلك وكان المشرع لم يحدد – كما فعل المشرع المصري بنص المادة 339 من قانون العقوبات عندما جرم الإقراض النقدي إذا كان بالزيادة عن الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونا- وإنما جرم الإقراض النقدي بربا فاحش ولم يحدد لذلك معيارا محددا يعتمد عليه القاضي الجزائي دون اجتهاد منه؛ مما يجعل التقدير بتوافر الربا الفاحش في عملية الإقراض من عدمه قائمة على التقدير الشخصي للقاضي يختلف من حالة إلى أخرى ومن قاض إلى آخر، وهو ما لا يجوز في المواد الجزائية؛ لأن مهمة تحديد الأركان القانونية للجرائم هي من اختصاص المشرع وليس للقاضي الجزائي من دور سوى القول بتوافر تلك الأركان من عدمه. وإذ كانت المحكمة لا تطمئن إلى ما قرره الشهود من المجني عليهم من أن المتهم قد اشترط عليهم فائدة محددة لقاء إقراضهم مبلغا من المال إذ جاء قولهم في ذلك مرسلا لا دليل عليه، كما أي منهم لم يثبت أنه كان محتاجا لسداد المبلغ الذي اقترضه من البنك التابع له وجعله يسعى إلى المتهم ليقرضه ذلك المال فاستغله الأخير على النحو المبين بالتحقيقات، فضلا عن أن المحكمة ترى من واقع الأوراق أن المجني عليهم لم يكونوا في حاجة دفعتهم إلى اللجوء للمتهم لإقراضهم لأنهم لو كانوا فعلا بحاجة إلى سداد قروضهم لما عادوا مرة أخرى بعد سداد المتهم لهم تلك القروض بالاقتراض مرة أخرى وبمبالغ اكبر من التي سبق وأن اقترضوها سلفا، هذا فضلا عن أي من المجني عليهم لم يتقدم ببلاغ قبل المتهم يتهمه فيه باستغلال حاجته وإقراضه نقودا بربا فاحش وإنما رضي بالاتفاق الذي يزعمه مع المتهم ولم يكتشف الأمر إلا من خلال البنك الذي يتعامل معه المتهم. وإذ كانت المحكمة ترى عدم تحقق أركان الجريمة الثانية قوام الجريمة الأولى الأمر الذي تقضي معه والحال كذلك ببراءة المتهم مما أسند إليه عملا بنص المادة 172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.
محليات - قصر العدل
«الاستئناف» تؤيد حكم «الجنايات» ببراءة مواطن من تهم غسل الأموال والربا الفاحش
02-06-2013