يجد الكنديون مرة أخرى أنفسهم وسط مؤامرة إرهابية دولية، فقد اتهمت الشرطة الكندية يوم الاثنين كلا من شهاب الصغير ورائد جاسر بالتآمر لتنفيذ اعتداء إرهابي "يدعمه تنظيم القاعدة" في كندا. يقيم هذان الرجلان اللذان يحملان جنسية أجنبية في هذا البلد، ويبدو أنهما كانا يخططان لاستهداف قطار ركاب ينقل المسافرين بين كندا والولايات المتحدة الأميركية، وأضافت الشرطة أن المتهمَين تلقيا "التوجيهات والإرشاد" من "عناصر تابعة لتنظيم "القاعدة" في إيران".لا بد من أن ذكر تنظيم "القاعدة" وإيران في جملة واحدة دفع البعض إلى الاستغراب، فهما خصمان لا صديقان. يلتزم القادة الإيرانيون بتفسيرات متشددة خاصة بالطائفة الشيعية، وينطبق الأمر عينه على معظم المجموعات المقاتلة التي تحظى بدعم طهران، ويُعتبر "حزب الله" المثال الأبرز.في المقابل، ينتمي أعضاء تنظيم "القاعدة وداعموه إلى السنّة المتشددين الذين يتمسكون بمعتقداتهم السلفية - الوهابية، وينظرون إلى المجتمعات الشيعية نظرة ازدراء. على سبيل المثال، استهل تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية عدد يناير عام 2011 من مجلته الدعوية الصادرة باللغة الإنكليزية، Inspire، بهجوم على المسلمين الشيعة، فقد نعتهم، فضلاً عن "الصليبيين الصهاينة" و"الأنظمة الخائنة"، بـ"الطرف الثالث من مثلث الشر".إذن، صحيح أن تنظيم "القاعدة" وإيران والمجموعات المقاتلة التابعة لها تكن العداء للولايات المتحدة، وإسرائيل، وعدد من الحكومات العربية، وقد نظمت عدداً من التفجيرات الانتحارية التي حصدت الكثير من الأرواح، وتطمح لتحقيق الأهداف السياسية عينها، إلا أن التوافق بينهما ينتهي عند هذا الحد. فقد أدت الحروب الأهلية الدموية التي اشتعلت في أجزاء من العراق ولبنان وسورية واليمن وأفغانستان خلال العقد الماضي إلى تأليب هذين الفريقين الدينيين أحدهما ضد الآخر.لكن الحاجة أرغمت أحيانا إيران والقاعدة على وضع خلافاتهما جانبا، ولا شك أن علاقة إيران (وحزب الله) بتنظيم القاعدة لا تزال غامضة، وأن هنالك أسبابا عملية، سياسية، وعقائدية تدفع المتطرفين السنة والشيعة إلى الامتناع عن دعم أحدهما الآخر، لكنهما قد يتحدان إن دعت الظروف إلى ذلك.قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وبعدها، تعاونت إيران في مرات عدة مع تنظيم القاعدة.يذكر تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر أن عملاء "القاعدة" وإيران التقوا في مطلع تسعينيات القرن الماضي في السودان لعقد "اتفاق بشأن تبادل المعلومات"، وكان هدف ذلك دعم أحدهما الآخر خلال الاعتداءات التي تستهدف إسرائيل والولايات المتحدة. بعيد ذلك، سافر "ناشطون بارزون في تنظيم القاعدة" إلى إيران وإلى معاقل حزب الله في لبنان لتلقي "تدريب على استعمال متفجرات". يبدو أن أسامة بن لادن كان مهتما على وجه الخصوص في ابتكار جديد أعده "حزب الله": الشاحنة المفخخة. ويُعتقد أن عناصر "القاعدة" استخدموا الخبرات التي اكتسبوها آنذاك عام 1998 حين فجروا السفارة الأميركية في تنزانيا وكينيا. فقد كشفت التحقيقات الأميركية أن 10% من الاتصالات التي أجراها بن لادن وعدد من كبار المسؤولين في التنظيم قبيل هذين الاعتداءين كانت إلى إيران.أما بالنسبة إلى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فقد أعلنت اللجنة بوضوح أنه "ما من دليل على أن إيران و"حزب الله" كانا على علم بالتخطيط لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر". لكن ثمانية على الأقل من خاطفي الطائرات التسعة عشر التابعين لـ"القاعدة" سافروا من إيران وإليها بين عامَي 2000 و2001. حتى إن حراس الحدود الإيرانيين أعطوا توجيهات بالامتناع عن ختم بعض جوازات السفر، ما سهل على الأرجح حركة عدد من إرهابيي الحادي عشر من سبتمبر.بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، واصلت إيران غض الطرف عن عملاء "القاعدة". على سبيل المثال، مع الإطاحة بنظام "طالبان" في أفغانستان في أكتوبر عام 2001، لجأ بعض عملاء "القاعدة" إلى إيران، فبين الفترات التي حارب فيها أبو مصعب الزرقاوي القوات الأميركية في أفغانستان ولاحقاً العراق، كان هذا المقاتل، الذي أصبح فيما بعد زعيم "القاعدة" في العراق، يعيش علانية في طهران. ويوضح ماثيو ليفت، خبير أميركي في شؤون الإرهاب، أن الزرقاوي كان يقيم هناك "بعلم" النظام الإيراني.جاءت عمليات الاعتقال يوم الاثنين في مونتريال وتورنتو عقب الكشف أخيراً عن أن كنديين كانوا متورطين في اعتداء يناير الذي نفذه عملاء "القاعدة" في الجزائر، واعتداء "حزب الله" عام 2012 في بلغاريا. لقي نحو 50 مدنياً من أنحاء العالم المختلفة حتفهم خلال هذين العملين الإرهابيين. وقد بدأنا لتونا نجمع أشلاء الاعتداء المحلي الذي استهدف أخيرا ماراثون بوسطن، اعتداء أدى إلى تشديد التدابير المتبعة عند الحدود الأميركية-الكندية.وها نحن اليوم ندرس احتمال وجود رابط كندي خلال هجوم يُقال إنه جمع إيران وتنظيم "القاعدة". صحيح أن اتحادهما يبدو غريباً، إلا أن هذه لن تكون المرة الأولى.
مقالات
ماذا يفعل تنظيم القاعدة في إيران؟
26-04-2013